- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
موقف تركيا بين روسيا وأوكرانيا
يعد هدف تركيا الأول وقبل كل شيء في الحرب الروسية الأوكرانية هو منع توسع الصراع. وسيكون اختيارها، بالطبع، هو الحفاظ على علاقات مستقرة ومزدهرة مع كلا البلدين. وعند النظر في دور تركيا، يجب علينا أولا أن ندرك المخاطر التي تواجه أنقرة، ونعلم أن نتيجة حرب كبرى قد تقع ستؤثر على كل سمة من سمات الحياة الوطنية للبلاد ومستقبلها.
مخاوف تركيا ومصالحها
وبالنسبة لتركيا، روسيا هي العدو. وتحتاج أنقرة إلى علاقات جيدة مع موسكو بالرغم من الخلافات والتنافس العميق. وتعتمد تركيا على روسيا في نحو 50% من احتياجاتها من الغاز. ومع ذلك، فإن تركيا هي أيضا ممر طاقة استراتيجي في حد ذاتها. وهي قريبة من أكثر من 70% من احتياطيات الغاز والنفط في العالم، وبالتالي فهي جسر طاقة بين المنتجين والمستهلكين العالميين.
وتضررت السياحة القادمة من روسيا، وهي عنصر حاسم في صناعة السياحة المحلية، بسبب الحرب. وأغلقت تركيا مضيق الدردنيل والبوسفور في 28 فبراير/شباط، وهي خطوة أيدتها روسيا عقب طلب أوكراني لإغلاق المضيق في اليوم الذي بدأت فيه الحرب. لكن تركيا رفضت إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الروسية.
واستقبلت تركيا آلاف اللاجئين الأوكرانيين والروس أيضا. وصوتت تركيا في الأمم المتحدة لإدانة الغزو لكنها لم توافق على الانضمام إلى عقوبات "الناتو" والاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
وغالبا ما فصلت تركيا بين خلافاتها السياسية وخلافاتها الاقتصادية، مع إيران ومصر ودول الخليج وكذلك مع روسيا. ويستمر موقف تركيا مع روسيا بعد اندلاع الحرب على نفس النمط. ومن الناحية السياسية، أعلنت أنقرة أن الغزو الروسي لأوكرانيا أمر غير مقبول. ولم تعترف أبدا بالاستيلاء الروسي على شبه جزيرة القرم ودونباس في عام 2014. وتعيش مجموعة التتار التركية في شبه جزيرة القرم، وقد أدانت تركيا انتهاكات حقوق الإنسان ضدهم هناك.
وفيما يتعلق بأوكرانيا، سعت تركيا إلى شراكة واضحة. ووقع البلدان اتفاقية تعاون عسكري واتفاقيات أخرى في عام 2020. ووقعت تركيا وأوكرانيا اتفاقية تجارة حرة واتفاقية إنتاج مشترك لتصنيع طائرات تركية بدون طيار في 3 فبراير/شباط. كما صادقت تركيا أيضا على اتفاقيات "مينسك 2014" لتسوية الخلافات الروسية الأوكرانية. وعرض الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في كييف يوم 3 فبراير/شباط التوسط بين البلدين، ورحب الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" بعرضه.
ويريد "أردوغان"، بصفته زعيما لقوة متوسطة الحجم، تعزيز سمعة تركيا وتوسيع هذا الدور إقليميا وعالميا من خلال تحقيق توازن بين النفوذ الأوكراني والروسي في المنطقة. ويتطلب الثقل الأكبر للأمن والطاقة والمخاوف الاقتصادية والعلاقات أن يميل نحو روسيا، مع الحفاظ على أوكرانيا المستقلة كثقل موازن لها. وكانت هذه مصالح تركيا قبل الحرب أيضا.
هل هناك تضارب بين مصالح تركيا والتزاماتها تجاه الناتو؟
ومع هذا الميل نحو موسكو، تخلق أنقرة تضاربا في المصالح مع دورها كوسيط وكعضو في "الناتو". وتفسر تركيا الصراع بالقول إنها ستفي بالتزاماتها تجاه "الناتو" لكنها لا تستطيع تجاهل مصالحها الوطنية في المنطقة.
وتقترب تركيا من نفس المعضلة التي تواجهها إسرائيل، كما ورد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك" في 28 فبراير/شباط. فأين المواضع التي تحمي فيها أنقرة مصالح الحلف والتضامن مع الديمقراطية، وأين ترغب في إضعاف مصالح الحلف لتحقيق أهدافها؟
حسنا، في 17 مارس/آذار، تحدث "أردوغان" بشكل منفصل مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والرئيس "زيلينسكي". وكشف بيان المتحدث باسم "أردوغان"، "إبراهيم كالين"، عن المكالمات الهاتفية، عن نقاط رئيسية حول دور تركيا ووجهات نظرها.
وكان الأهم نقطة مفادها أنه يجب على "الناتو" أن يبدأ التفكير في هيكل العلاقات بعد انتهاء الحرب، حيث "يجب أن يكون هناك هيكل أمني جديد قائم بين روسيا والكتلة الغربية". وأضاف "كالين": "كل قرار نتخذه الآن فيما يتعلق بروسيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا وغير ذلك سيكون له تأثير على الهيكل الأمني الجديد". واختتم حديثه بالقول إن "الرئيس بوتين هو الذي سيلغي هذه الحرب. وسوف يشعر برغبة في القيام بذلك عندما يعتقد أنه حصل على ما يريده من هذه الحرب. لكني أعتقد أننا نتحرك في هذا الاتجاه".
ويحمل هذا رائحة التوافق مع المطالب الروسية من أجل إنهاء الحرب وهو نوع العرض الذي يقدمه المفاوضون عادة الذين يحاولون إنهاء صفقة.
كيف "ينتصر" الناتو والولايات المتحدة في الحرب؟
كما يسلط البيان الضوء على معضلة متنامية لحلف "الناتو". ومع الإجراءات الجديدة وعمليات نشر القوات الجديدة التي تم الإعلان عنها في قمة "الناتو" في 24 مارس/آذار، هل يغير "الناتو" نهجه الآن لكسب الحرب في أوكرانيا؟ وماذا لو أضاف "بوتين" مطالب التسوية السلمية مع "الناتو" نفسه؟ فهل يمكن لهذه الإجراءات الأمنية لتقليص القواعد والقوات واعتماد إجراءات خفض التصعيد الأخرى التي عرضتها الولايات المتحدة قبل أسابيع لتجنب الحرب أن يعيد "بوتين" نفسه إلى الطاولة الآن كشرط للتوصل إلى تسوية؟
حسنا، يبدو أن الأتراك يلمحون إلى ضرورة استيعاب الوجود العسكري الروسي القوي في أوروبا الشرقية. وإذا لم يكن لدى "الناتو" طريقة لمنع مثل هذه النتيجة، فكيف سيقنع الحلف مواطنيه والعالم بأن الغرب قد "انتصر"؟ وهل الغرب مستعد لمواجهة صراع طويل وحشي ومدمر لأوكرانيا بينما تقف قوات الناتو جانبا؟
ومن المحتمل أن يؤدي الجمود إلى حرب باردة عميقة ويخلق حالة من عدم اليقين على طول الحدود الشرقية لـ"الناتو".
علاوة على ذلك، كما تم التلميح، ربما يفكر "زيلينسكي" في صفقته الخاصة، والتي قد تكون رسالتها الأساسية أن أوكرانيا لن تضحي بنفسها من أجل "الناتو" لأن "الناتو" ليس على استعداد للتضحية بنفسه من أجل أوكرانيا.
لدى كل من "الناتو" وتركيا قرارات أساسية يتعين اتخاذها لتحقيق نتيجة إيجابية
ويجب أن توفر نتيجة أي اتفاق مبررا للمواقف الغربية. فكيف سيعبر "الناتو" عن متطلباته الأمنية للمساحة الواقعة خارج حدود دول خط المواجهة في "الناتو"؟ وهل سيكون موقف "الناتو" أن يقف مكتوف الأيدي ما لم تعبر القوات الروسية حدود "الناتو"؟ وكيف يفسر "الناتو" مخاوفه الأمنية فيما يتعلق بمستقبل أوكرانيا ووجود القوات الروسية على بعد مئات الأميال غربا في نهاية الحرب؟
وينتقل دور تركيا الآن كعضو في "الناتو" إلى مركز الصدارة. وإذا أخبرت أنقرة الحلف أن التنازلات هي سبيل موسكو لقبول الاتفاق، فكيف سيكون رد فعل الحلف؟ وهل تأمل روسيا أنه بقبولها لوساطة تركيا، يمكن لموسكو أن تفرق الحلف من الداخل؟ وإذا لم تظهر ديمقراطيات الغرب وحلف "الناتو" بمكاسب واضحة ودائمة، فهل من غير المحتمل أن تسرع كل من روسيا والصين وتيرة طموحاتهما لإجبار الديمقراطيات على التراجع وإنشاء نظام عالمي جديد مناهض للديمقراطية؟ حسنا، بينما تستعد تركيا لاستضافة الجولة التالية من محادثات وقف إطلاق النار وجها لوجه بين المفاوضين الأوكرانيين والروس، فإن ما تفعله أنقرة وتقوله في الأيام والأسابيع المقبلة سوف يكون مهما للغاية لفهم ما يحدث في العالم.
المصدر | روبرت بيرسون - ميدل إيست آي