- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
منير شفيق يكتب: القمة الروسية ـ الصينية
منير شفيق يكتب: القمة الروسية ـ الصينية
- 26 مارس 2023, 5:58:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما بين 19 ـ 21 آذار/ مارس 2023، لتبدّد الكثير من الأوهام لدى البعض، لا سيما ممن ينحازون لأمريكا والغرب في حرب أوكرانيا. ولتثبت الكثير من الحقائق، بالنسبة إلى الذين يأملون انتصار روسيا على أمريكا والناتو، في حرب أوكرانيا.
ذهبت آراء كثيرة رسمية، وإعلامية، وغربية خلال العام المنصرم على الحرب، في أوكرانيا، لتؤكد على هزيمة روسيا، اعتماداً على ما وضعه الناتو، من دعم مالي وعسكري وسياسي وتجسّسي في دعم جيش أوكرانيا، في حربه ضدّ روسيا. وقد استخدم الموقف الصيني من تلك الحرب، دليلاً على عُزلة روسيا، حين لم تعلن الصين تأييدها الكلي لروسيا في هذه الحرب، واكتفت برفض إدانتها كما تريد أمريكا. بل وتقدمت بمشروع تسوية يقتضي منها التوازن لجمع الطرفين، للبحث عن توافق ينهي الحرب.
وقد تعمدت تلك الآراء بأن تتناسى ما يقوم بين روسيا والصين من تحالف استراتيجي "بلا حدود"، على ما ورد في بعض التصريحات الروسية والصينية، ابتداءً من القمة الروسية- الصينية في 4 شباط/فبراير 2022، وتكرارها طوال السنة التي مرت على الحرب في أوكرانيا. ولهذا جاءت القمة الروسية- الصينية في آذار/ مارس الجاري لتفرض إعادة النظر بتلك الآراء التي بشّرت بابتعاد الصين عن روسيا، أو بعزلة بوتين عالمياً. فقد أثبتت زيارة شي جين بينغ إلى روسيا، بأن العلاقات بين الطرفين على أفضل حال بما في ذلك موافقة روسيا على ما طرحته الصين من مبادرة سياسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وهي مبادرة ما زالت مطروحة، ولا مبادرة غيرها، سوى لغة التصعيد والحرب من الجانب الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) وأمريكا وأوروبا.
على الرغم مما حملته زيارة الرئيس الصيني من أبعاد كان يتوجب على أمريكا والغرب أن يتوقفا عندها. ويبنيا سياسات بعيدة من التصعيد الجنوني المتعاظم، في حرب أوكرانيا، فقد راحا يزدادان تهوراً، وسوء تقدير للموقف.
إن ما صدر من تصريحات رسمية من جانب كل من بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ حول العلاقات الحميمة الروسية ـ الصينية، والتي تتعدى علاقات التحالف إلى علاقات إيجابية ـ وحدوية ـ بلا حدود. الأمر الذي كان يفرض على الاستراتيجية الغربية، أن تتخلى عن هدف إنزال هزيمة عسكرية بروسيا. لأن كل ما كان يراهن عليه من زعزعة لموقع بوتين، داخلياً، ومن تراجع إلى حد الاختناق بسبب العقوبات الاقتصادية، كما من عدم قدرة على الصمود العسكري والفشل، أثبتت الوقائع نقيضه. فمكانة بوتين في الداخل الروسي، ارتفعت إلى مستوى أعلى من مرحلة ما قبل الحرب، كما أن الوضع الاقتصادي لم يتأثر نتيجة العقوبات، بل حتى الروبل تحسّن. أما على أرض المعركة العسكرية فكان الخاسر الأكبر هو أوكرانيا والشعب الأوكراني من جهة، إلى جانب فقدان المبادرة العسكرية، التي انتقلت بعد بعض التعثرات العسكرية الروسية، ليعود الجيش الروسي لامتلاكها، من جهة ثانية.
على الرغم مما حملته زيارة الرئيس الصيني من أبعاد كان يتوجب على أمريكا والغرب أن يتوقفا عندها. ويبنيا سياسات بعيدة من التصعيد الجنوني المتعاظم، في حرب أوكرانيا، فقد راحا يزدادان تهوراً، وسوء تقدير للموقف.
لقد اتضح بعد عام من حرب ضروس في أوكرانيا، أنها أصبحت أشدّ خطراً من ناحية الوصول إلى مواجهة نووية، خصوصاً بعد أن أعلنت بريطانيا تزويد الجيش الأوكراني بقذائف منضبة نووياً. مما يعني أن أمريكا والناتو ما زالا ذاهبين إلى حافة الحرب النووية. وقد صرح ديمتري مدفيديف بأن تزويد أوكرانيا بقذائف منضبة نووياً سيرد عليه بالنووي.
حقاً كيف يفسّر هذا العناد الغربي الذي وصل إلى حد، استصدار قرار من محكمة الجنايات الدولية، باستدعاء بوتين كمجرم حرب، وإلى حد التهديد باستخدام النووي المخضب في الحرب، فضلاً عن تزويد الجيش الأوكراني بالدبابات والطائرات والقذائف التي أخذ ينضب المخزون منها لدى الغرب؟ التفسير الوحيد أن الغرب يريد أن يصل إلى وضع الأصابع على أزرار النووي.
هذا السؤال أصبح ملحاً أكثر عندما سعت أمريكا، وعدد من التصريحات الرسمية الغربية، إلى التقليل من أهمية القمة الروسية- الصينية، ودلالاتها البعيدة المدى، من حيث دعم بوتين، وعدم السماح بهزيمته. وذلك بالرغم من إعلان الصين بأنها محايدة في حرب أوكرانيا، وتقدّمها بمبادرة لوقف الحرب، والتفاوض.
لم تحسن التقديرات الغربية التعامل مع ما سمعته من الرئيس الصيني في قوله لبوتين أنت وأنا سنغيّر النظام العالمي. هذا النظام الذي تحكم فيه الغرب (بريطانيا ثم أمريكا) في إقامة النظام العالمي على مدى مائة عام، ووصل إلى الإعلان في عام 1991، أن أمريكا رأس النظام العالمي منفردة، وسيكون ذلك سمة القرن الواحد والعشرين، أي طوال المائة سنة القادمة، في الأقل.
طبعاً هذا التصريح- التأكيد، من القيادة الصينية يجب أن يُعامَل بجدية. ولا يُقصد منه التباهي. لأن الصينيين يقللون عادة من حجم دورهم. بل لعله صدر ليقنع الغرب، الذي يصر على ألاَ يقتنع، بأن ما يشنه من حرب في أوكرانيا، ومناورات عسكرية ضد الصين، وعلى مستوى المحيط الهادئ، سيدخل ضمن هدف تغيير النظام العالمي، ولن يكون مجرد حرب ستنتهي في أوكرانيا، أو تهديدات بحرب في تايوان.
وهنا مرة أخرى يقتضي بُعد النظر، أن يُصار إلى التعامل مع ما يجري في العالم، بأن الحرب العالمية الثالثة راحت تتصاعد. وأن على شعوب العالم التحرك لوقفها من جهة، وترتيب أوضاع كل شعب على أساس هذه الحقيقة، من جهة أخرى.
هذا وإن المرء ليعجب عندما يرى التظاهرات الشعبية الواسعة وبعضها، مليوني، تندلع في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تطالب بتعديل الأجور، أو عدم تمديد سنوات التقاعد، في حين تنخرط أوروبا في حرب عالمية، تفترض شدّ الأحزمة على البطون في الدولة المنخرطة في حرب. هذا التناقض مثير للدهشة نسبة إلى الدول الأوروبية. وكيف لا تصارح شعوبها بأنها منخرطة في حرب عالمية، ولا تتصرف داخلياً، بما يقتضيه الانخراط في حرب عالمية.
فهل وصل الاستهتار بروسيا والصين إلى حد دخول حرب طاحنة معهما، وفي الوقت نفسه تبقى أوضاع الداخل، كما لو أن لا حرب هناك.