- ℃ 11 تركيا
- 28 يناير 2025
منير شفيق يكتب:أطروحة ترامب ميتة في مهدها
منير شفيق يكتب:أطروحة ترامب ميتة في مهدها
- 27 يناير 2025, 9:30:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يُفترَض ألّا يُدهِش كثيرين ما أعلنه دونالد ترامب، في تصريحه الذي طالب فيه كلًّا من مصر والأردن، باستقبال فلسطينيّي قطاع غزة، ضمن خطّة تهجير أهل القطاع، وضمّه إلى الكيان الصهيوني. ولنفترض، بدايةً، أنه لتنفيذ هذا الطلب، يجب أن يوافق كلّ من مصر والأردن عليه، أي أن تستقبلا نحو مليونين ونصف مليون فلسطيني، أغلبهم من مهجّري نكبة فلسطين، في عام 1948/1949.
وبهذا، يستكمل ترامب لائحة رغباته، بعد مطالبته أيضاً بضمّ كندا إلى اتحاد الولايات المتحدة الأميركية، وإعلانه خليج المكسيك خليجاً أميركيًّا، وقناة بنما قناة أميركية، وضمّ جزيرة غرينلند إلى أميركا. وذلك بالطبع، ليس كل ما في جعبته من "رغبات"، يريد تحويلها إلى أجزاء من الاستراتيجية الأميركية في عهده الثاني.
على أن نظرة سريعة إلى مطالب ترامب، ستظهر أنها تمسّ بخريطة جزء من العالم، والأهمّ أنها تتحدّى وجود عدّة دول وقوى، ذات حيثية شعبية وقومية ودولية. ومن ثم، فإن الأمر يحتاج، لكي يُنفّذ، إلى خروج صارخ على القانون الدولي، والمصالح العليا للأمم، وتحويل السياسة الدولية إلى مبدأ ضمّ كل دولة لكلّ ما يحلو لرغباتها من دول وأراضٍ وشعوب.
هذا من الناحية العامة؛ ولكن من ناحية أخرى، فإن الطرح المتقدّم يكشف عن جهالة في قراءة موازين القوى، ومدى ما تسمح به (تلك الموازين) لترامب من ترجمة لرغباته، عمليًّا. ويمكن القول، على هذه الخلفية، إن أميركا، في عهده، ستدخل في ورطات تضعفها، وتعرّضها للفشل، لأنه من غير المسموح، من زاوية موازين القوى، أن تُعامَل (الدول) بمنهج الرغبات، وليس بمنهج قراءة ما تسمح به موازين القوى، والأعراف الدولية، وحتى مراعاة كل حالة على حدة، وما يحيط بها من صعوبات وتعقيدات، تذهب بترامب ومعه أميركا إلى الفشل تلو الفشل.
تحكم رغبات ترامب سياساته، وليس حساب موازين القوى والنتائج
وإذا كان ترامب، في تجربته السابقة، أو في تعامله مع بعض الدول العربية، قد نجح في فرض ما يريد، ولا سيما كما حدث في مسألة الابتزاز المالي الذي مارسه مع بعض الدول، أو في دفع البعض إلى التطبيع، أو في إطلاق مشروع "صفقة القرن" الذي فشل بدوره، في عهده، ومن بعد عهده؛ فإنه عندما يطلب الرئيس الأميركي من مصر أو الأردن، أو من كليهما معاً، أن يقوما بتنفيذ خطّة تهجير سكان غزة، وضمّ القطاع إلى الكيان الصهيوني، فهو لا يعلم ماذا سيحدث للبلدين، إذا ما وافقا على هذا المشروع، الذي يُعرّض أمنهما القومي لخطر، لم يدخل في حسابات ترامب.
ويحصل ذلك، حين تحكم رغباتُ ترامب سياساتِه، وليس حساب موازين القوى والنتائج التي تنجم عن تنفيذ تلك الرغبات، أو الانصياع لها. ذلك أنه من غير الممكن لمصر والأردن، أن تقبلا المشاركة في هذه الخطّة، مهما بلغت سياستهما العامة في إقامة علاقات استراتيجية مع أميركا. هذه الخطّة تهدّد الأمن القومي لدولتَي مصر والأردن، وليس القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني فقط. ولهذا، فإن ترامب سوف يكسر عصاه من أول غزواته، في وقت لا يزال فيه قطاع غزة يحتفل بالنصر على الكيان الصهيوني وأميركا، في حرب بريّة، وحرب إبادية إجرامية، دامت أكثر من خمسة عشر شهراً.