- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
مناورة موسكو بالغاز تكشف عن انقسامات أوروبية: التداعيات المحتملة
مناورة موسكو بالغاز تكشف عن انقسامات أوروبية: التداعيات المحتملة
- 28 أبريل 2022, 12:28:22 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بدأت روسيا باتخاذ خطوات عملية باتجاه تنفيذ تهديداتها بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا، إثر قطع مجموعة "غازبروم" الروسية العملاقة، الأربعاء، كلّ صادراتها من الغاز إلى بلغاريا وبولندا، في قرار أثار مخاوف من حصول نقص في الإمدادات، ليس في أوروبا الشرقية والوسطى فحسب بل في القارة العجوز بأسرها، في خطوة تستهدف بشكل مباشر اقتصادات أوروبية، وتكشف أيضا عن انقسامات في الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية الرد على غزو موسكو لأوكرانيا.
وعلى إثر ذلك، تقرر عقد اجتماع لوزراء الطاقة بالاتحاد الأوروبي، في الثاني من أيار/ مايو المقبل، تستضيفه فرنسا، بحسب ما أعلنت وزيرة الطاقة والبيئة الفرنسية، باربرا بومبيلي، الأربعاء، لمناقشة كيفية التعامل مع قرار روسيا وقف إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا.
من جانبها، قالت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، إن المفوضية الأوروبية تنصح دول الاتحاد الأوروبي بأن تتمسك بعملتي اليورو أو الدولار في عقودها القائمة للغاز مع روسيا وألا تدفع بالروبل لشراء الغاز، مدعية، أثناء اجتماع للطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن "هناك توجيه واضح إلى الشركات للالتزام بالعقود القائمة وألا توافق على مدفوعات بالروبل".
واعتبر البيت الأبيض أن روسيا تستخدم بشكل أساسي إمدادات الطاقة كسلاح بقطعها إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا، وقالت المتحدث الأميركية، جين ساكي، الأربعاء إن "مما يؤسف له أن هذا هو مثال كان متوقعا لما يشبه استخدام إمدادات الطاقة كسلاح".
ردّاً على العقوبات التي فرضها الاتّحاد الأوروبي على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، حذّر الكرملين الدول الأعضاء في الاتّحاد التي تتزوّد من روسيا غازا من أنّ هذه الإمدادات ستتوقّف إن هي لم تسدّد ثمنها بالروبل الروسي وليس باليورو أو الدولار كما كانت عليه الحال حتى الآن.
وأوضحت روسيا أنّ أسعار الغاز ستظلّ مقوّمة بالعملة المنصوص عليها في العقود المبرمة بينها وبين الدول الأوروبية، وهي في غالب الأحيان اليورو أو الدولار، لكنّ استيفاء ثمن الغاز لن يتمّ بعد اليوم بهذه العملة بل بالروبل الروسي، ما يعني أنّ على الدول المعنية إجراء عمليات تحويل للعملة في روسيا.
والأربعاء، قال المتحدّث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إنّ "الشروط التي حُدّدت تندرج في إطار طريقة دفع جديدة تمّت صياغتها بعد إجراءات غير ودّية لا سابق لها". ورفض المتحدث الروسي الكشف عن عدد الدول التي وافقت على التحول إلى دفع ثمن الغاز بالروبل، لكن مستهلكين أوروبيين آخرين قالوا إن إمدادات الغاز تتدفق بشكل طبيعي.
وشدد بيسكوف على أن روسيا تظل موردا موثوقا للطاقة ونفى تورطها في عملية ابتزاز.
ويفتح نظام دفع الغاز الروسي الجديد، الذي يتضمن فتح حسابات في مصرف "غازبروم"، إذ يمكن تحويل المدفوعات باليورو أو الدولار إلى روبل، مجالا للمناورة يمكن أن تجعل بعض الدول تستمر في شراء الغاز الروسي، مما يثير توتر جبهة الاتحاد الأوروبي الموحدة ضد موسكو.
ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قطع إمدادات الغاز لبعض العملاء في أوروبا بأنه محاولة أخرى من جانب روسيا لاستخدام الغاز كأداة للابتزاز. وقالت إنه إذا أكد مشترو الغاز الروسي اكتمال الدفع بمجرد إيداعهم لليورو، على عكس ما حدث لاحقا عندما يتم تحويل اليورو إلى روبل، فلن يخرق ذلك العقوبات. وكانت ألمانيا والنمسا والمجر بين الدول التي سلكت هذا الطريق.
تصعيد روسي أم ردة فعل؟
وبحسب خبيرة الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية "دي آي بليو برلين"، كلوديا كيمفرت، فإنّ "وقف إمدادات الغاز الروسي إلى بولندا وبلغاريا هو الخطوة الجديدة في التصعيد الذي يعتمده بوتين لإثارة الذعر في أوروبا".
غير أنّ الخبيرة طمأنت إلى أنّه "لا ينبغي توقّع حدوث مشاكل في الإمدادات في الوقت الراهن، لأنّ ألمانيا وأوروبا تزوّدتا بالغاز بشكل كافٍ". وفي 2021، زوّدت روسيا الاتّحاد الأوروبي وبريطانيا بـ32% من إجمالي وارداتهما من الغاز، مقارنة بـ25% في 2009، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، لكنّ هذه النسبة تختلف اختلافًا كبيرًا بين دولة وأخرى.
فإذا كانت فنلندا تعتمد بنسبة 97.6% على الغاز الروسي، وفقًا لبيانات يوروستات للعام 2020، فإنّ دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، أعلنت في مطلع نيسان/ أبريل الجاري، أنّها توقّفت عن استيراد الغاز الروسي بالكامل، معتمدة في الوقت الراهن على احتياطياتها من الغاز المخزّنة تحت الأرض.
أمّا بلغاريا التي أوقفت موسكو شحنات الغاز إليها، فهي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 85%، تمامًا كما هي حال سلوفاكيا. وفي ما يتعلّق بألمانيا، أكبر اقتصاد في القارّة، فهي لا تزال تؤمّن 55% من وارداتها من الغاز من روسيا، لكنّ وزارة الاقتصاد والمناخ الألمانية طمأنت إلى أنّ "أمن الإمدادات في ألمانيا مضمون حاليًا".
وبالاستناد إلى أسعار السوق الحالية، تبلغ قيمة صادرات الغاز الروسي إلى الاتّحاد الأوروبي لوحده 400 مليون دولار يوميًا، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. وبحسب موقع "غازبروم إكسبورت" Gazprom Export، فإنّ 68% من صادرات مجموعة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" في 2020 ذهبت إلى أوروبا.
ومن إجمالي الصادرات البالغ 174.9 مليار متر مكعب، ذهب 119.35 مليار متر مكعب إلى أوروبا، منها ما يقرب من 49 مليار متر مكعب لألمانيا وحدها، وحوالي 21 مليار متر مكعب لإيطاليا، وأكثر من 13 مليار متر مكعب للنمسا.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية فإنّ "الدخل الناتج من صادرات الغاز والنفط شكّل في كانون الثاني/ يناير 2022 ما نسبته 45% من الميزانية الفدرالية الروسية".
من جانبه، أعلن رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافتسكي أنّ بلاده التي تستهلك ما يصل إلى 21 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، "مستعدّة لمواجهة وضع ينقطع فيه بالكامل" الغاز الروسي.
وبولندا هي نفسها دولة منتجة للغاز وتبلغ قدرتها الإنتاجية حاليًا حوالي 4.5 مليارات متر مكعب. ولدى البلاد محطة للغاز الطبيعي المسال بسعة تبلغ حاليًا 6.5 مليارات متر مكعب من الغاز، يتوقّع أن تزداد قريبًا إلى 8 مليارات متر مكعب.
ووفقًا للحكومة البولندية، فإنّ خزانات البلاد من احتياطيات الغاز ممتلئة بنسبة 76% كما أنّ لدى بولندا شبكة لنقل الغاز تربطها بجميع جيرانها.
وتعتمد بولندا بالدرجة الأولى على خط أنابيب غاز "بلطيق بايب" الذي سيدخل الخدمة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل والذي سيتيح نقل ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز النروجي إلى بولندا عبر الدنمارك. وقال مورافتسكي "سنتدبّر أمرنا حتّى بوجود هذا المسدّس المصوّب إلى رأسنا".
يأتي وقف الإمدادات لبولندا وبلغاريا، في الوقت الذي أصبح فيه الطقس أكثر دفئا وتقل الحاجة إلى الغاز للتدفئة، وبالتالي من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى انقطاع فوري للإمدادات عن المستهلكين.
لكن إذا استمر الانقطاع لعدة أشهر أو امتد إلى دول أخرى، فقد يتسبب ذلك في فوضى لقارة تعتمد على الغاز الروسي الوفير والرخيص لتدفئة المنازل وتشغيل المصانع وتوليد الكهرباء.