- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
مقال منذ عام للكاتب الصحفي السجين جمال الجمل
مقال منذ عام للكاتب الصحفي السجين جمال الجمل
- 22 مايو 2021, 2:04:38 ص
- 912
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الكاتب الصحفي الكبير جمال الجمل مسجون في مصر منذ عودته في ٢٢ فبراير حتل الأن جمال الجمل واحد من الصحفيين الكبار
أصحاب الفكر التنويري وهو واحد من قلة صمدت أمام كل الضغوط والأغراءات
كان يستطيع ان يبقي حرا في مصر قبل هجرته الى تركيا ولكنه فضل أن يظل صاحب موقف ورأي يحترمه الجميع
عاد جمال وتم القبض عليه وهو حتى الأن محبوس بلا تهمة
هذا مقال للكاتب الكبير ننشره تضامنا معه وسنظل ننشر له كلما اتيح لنا مقالات حتى يخرج جمال الجمل ويعود إاي اهله ورفاقه
حكاية قبل السحور للتفكير بهدوء:
آواخر سنة 1991 كنت مع شلة من زملائي الصحفيين والسينمائيين في فندق ماريوت، لتغطية مهرجان القاهرة السينمائي،
فوجئنا بمظاهرة حاشدة خارج الفندق وقوات أمن وهيصة كبيرة، وحالة تدافع وصراخ وتصرفات مجنونة
عرفنا ان كل ده بسبب زيارة النجم الهندي أميتاب باتشان، وأن مجانين باتشان في حالة هيستيريا، وهيموتوا بعض عشان صورة معاه أو توقيع منه أو حتى رؤيته وجها لوجه
ساعتها كتبت عن ضرورة دراسة هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة في تصور الشباب عن بطلهم،
لكن الدنيا مشيت من باتشان لكاظم الساهر لمحمد هنيدي لمحمد رمضان وعود البطل، وحالة من الاستمرار المحموم في البحث عن بطل ثم هجرانه والبحث عن غيره
فكرة الهوس المؤقت باختراع "بطل لحظة" فكرة مخيفة تهدد استقرار أي وطن
لأنه بيكون في حالة استلاب وعنده رغبة قلقة تدفعه للتعلق بشدة، ثم النسيان، واحيانا التنكر والانقلاب، والتعلق بشيئ آخر بنفس السرعة وعدم الانتماء، وربما بدافع الملل..
الحقيقة المؤسفة ان ثقافة المهرجانات ونداءات السوق و"خدوهم بالصوت"، لم تتوقف عد الغناء الشعبي أو الصحف الصفراء،
لكنها للاسف طالت رأس الدولة ومؤسساتها الرصينة، والتخلي حتى عن تقاليد الميري بصيحات شعبية من نوع: قالوا ايه علينا دول!!..
أنا لما بتكلم عن معنى البطولة أو شخصية "الحامي"، حتى لو بكتبها في الدراما، لازم يكون قوي لدرجة أنه يحمي الناس مش يستدرجهم لحمايته،
لازم يقبل بفكرة الفداء باعتبارها من صميم عقيدته القتالية، فمن المستحيل أن يحصل سباح على بطولة في السباحة
وهو يخشى البلل، ومن المضحك أن يتعاطف معه الجمهور لأنه يا عيني نزل الماء في الشتاء، فهذا من ضرورات عمله، فإذا نجح حصل على البطولة والتكريم،
وإذا أخفق يكفيه شرف التمثيل والمحاولة، أما أن نصل بتصوراتنا إلى أننا نربي مقاتلينا وندريهم وننفق عليهم بسخاء لنضعهم في النيش،
ونستخدمهم كتشريفة وقت ويارة الضيوف، فهذا مخالف لعقد العمل ومنطقيته، ومخالف لعزة المقاتلين ومهابة الجيوش،
فالجيوش هي التي تحمي الشعوب وليس العكس، وليس مطلوباً أن تضع البطل في وضعية استعطاف ومصمصة شفايف من جانب الشعب،
لأن هذا يؤدي إلى فكرة عميقة تترسب في نفوس الناس/ نحفظ حياة ولادنا أحسن، وبلاش سينا والنبي، هشوف لك واسطة في سلاح الجمبري أو منفذ خضار
وهذا لا يليق، حتى لو كان استثناء لا نقيس عليه، فالضابط مؤهل لمثل هذه المواجهات كفعل طبيعي،
وغذا ذهبنا إلى تكريم اي موظف لأنه يقوم بعمله، فإن هذا يعني أن المجتمع فسد تماما، ولا يوجد غلا شخص واحد صالح في المنظومة الكبيرة!
عموما المقاتل محترم ومقدر، لكنه في ذلك مثله مثل الطبيب والمهندس والعامل والأم التي ربت كل هؤلاء،
حماية الوطن مهمة كبيرة وتتسع للجميع، واحتكارها لصالح فئة أمر مخيف وغير مقبول من اي عاقل وعادل
أنا لا أتعنت ضد أي فئة من فئات الشعب، لكنني ضد تمييز فئة على حساب الأخرى، لكن العاطفة التي قابلنا بها باتشان الذي لا نعرفه
وقطعنا لعض عشان نملي عينينا منه، مازالت عاطفة جائعة وغير مشبعة، لذلك نهرول لنملأها بأي بطل في السوق، فنشتري حسب صياح البائع،
ولما نكتشف أننا لم ندقق عند الشراء، لا نتعلم الدقة، ولا نتوقف عن ابتلاع خديعة الباعة اصحاب الصوت العالي،
لكنني بدافع الاسترخاص والحصول على المتاح نشتري أو لضاعة رائجة في السوق، ثم نرميها بعد استعمال سريع ونشتري غيرها في مناسبة أخرى
فكرة البطل في مصر تقتضي ان نسأل عن الأسباب الكامنة وراء الاختيارات والأولويات:
لماذا لم نقدم مسلس مستحق عن ابراهيم الرفاعي او سعد حلاوة أو سليمان خاطر أو سعد الشاذلي؟
وهل ذلك مسموح؟
ثم أننا قضينا عقودا طويلة نسأل عن تقصير الدراما في حق حرب أكتوبر وآلاف الشهداء في الحرب مع الصهاينة
هذه الاسئلة الغائبة، تذكرني بخلل الاولويات في تفكير السلطة وانصارها
لأن الإجابة الصحيحة هي التي تحدد الاختيار الصحيح:
بناء العاصمة الإدارية أم تحسين المستوى الاجتماعي والعمراني للمخافظات القديمة؟
حماية ميليشيات معينة في ليبيا ام إظهار نوع من الردع في موضوع نهر النيل وسد النهضة؟
التعايش مع فيروس كورونا أم التعايش مع المعارضة بكل أطيافها؟
تحرير سجناء الرأي أم حبس اهاليهم وإذلالهم في الزيارات على أسوار السجون؟
تقديم العون لشعوب العالم أم دعم الطبقات الفقيرة وعدم التبجح بخصم جنيهات قليلة من اصحاب المعاشات الفقرا أوووي
هذا الخلل العاطفي، الذي دفع قلب الشعب (فئة الشباب) للتهليل لأميتاب باتشان وتامر حسني ورامز جلال،
يمكنه بنفس الدرجة أن يستدرج فئات طبيرة للاقتناع بالكلام الناعم لأفيخاي أدرعي عن التطبيع أو حتى العمل كجاسوس لطيف وشريف باسم السلام الدافيء والتقدم الإسرائيلي الذي سيأخذ بيدنا للرخاء
وأخيرا.. أنا أحب العاطفة، لكن أحترس دائما التطرف فيها، وأحترس من اللي بيمشوا يدلدقوا نحنحة وعواطف، لأنها بتقلب معاهم في الآخر لحاجات مش كويسة
تصبحوا على خير