- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
معصوم مرزوق يكتب : خطايا أباء الشعوب
معصوم مرزوق يكتب : خطايا أباء الشعوب
- 6 أكتوبر 2021, 2:51:36 م
- 1159
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قد تتفق او تختلف مع اوجو تشافيز ، جمال عبد الناصر ، مارتن لوثر كنج ، نيلسون مانديلا ، تشي جيفارا ، غاندي .. الخ ، ومع ذلك لا تملك سوي تقدير الدور المؤثر الذي لعبوه ، ليس فقط في تاريخ شعوبهم ، وانما في تاريخ البشرية ..
تجمعهم صفات كثيرة ابرزها انحيازهم الواضح للفقراء والمستضعفين ، وانتصارهم لاستقلال إرادة الشعوب .. رحم الله كل من انتهج هذا السبيل الصعب ..ولكن تلك ليست كل الحكاية .
الكاريزما هبة من الله يمنحها من يشاء من خلقه .. وعند تقييم اي تجربة فان الزاوية التي يتم منها التقييم لها دور كبير في تحديد الإنجاز ..
لابد أن نعرف ان مصالح الشعوب لا تقاس بما نحب ونكره ، وإنما بما يتحقق لسواده الأعظم من العدالة والمساواة .. لقد حوصر هؤلاء الزعماء التاريخيين بدعاية سوداء ، وطابور خامس داخلي من أصحاب المصالح .. لعل أبلغ تعبير عن ذلك ما قاله لولا دي سيلفا عن الثمن الفادح للإنحياز إلي الفقراء ، فالفقراء لهم الجنة بالتأكيد ، كما قال جمال عبد الناصر ، ولكن أليس لهم نصيب في الدنيا .
وما قام به بعض زعماء الشرق الأوسط خلال الأحقاب الأخيرة ، يشير الي ان العرب ينتقلون من مرحلة كونهم " ظاهرة صوتية " الي مرحلة التحول الي " ظاهرة جغرافية " لها " تاريخ "
ربما بدات المنطقة بشكل متأخر في ترتيب نتائج الحرب العالمية الاولي .. تلك النتائج التي ظلت بركاناً خامدا بفعل الاستعمار ثم بفعل الاستبداد .. ثم بدا ذلك البركان في النشاط وإلقاء الحمم في كل الاتجاهات ..
وفي خلفية المشهد تبدو ظلال دولة الفرس الكبري والامبراطورية العثمانية المنسحبة ، والخلافة الأسلامية في هزيعها الاخير ، ومعركة صفين ووقائع كربلاء ..
لقد انفجرت خريطة الشرق الاوسط ، ولن يصلح التاريخ فتوق الجغرافيا .. مشهد يعيد للذاكرة الحروب الاهلية الاوروبية التي استمرت عشرات السنين ..
وربما تحتاج المنطقة الي سياسيين يمكنهم اعادة صياغة الواقع الجديد بشكل يشبه " صلح وستفاليا " الشهير في القارة الأوربية عام ١٦٤٨ ، والذي مهد لسلام ممتد استفادت منه القارة الأوربية ..
لابد لحسني النية ان يدركوا ان الشعوب الثائرة ترغب ان تصل الثورة الي السلطة ، وان تلك الرغبة دفعت شعوب أمريكا اللاتينية مثلا أن تحمل قدراً كبيراً من مشاعر الامتنان لزعماء مثل بيرون وكاسترو وجيفارا ودانييل أورتيجا وغيرهم ، كي تضعهم في مواقع حاسمة كي ينفذوا إرادة الشعب في التخلص من نظام حكم فاسد ، ولكن تلك الرغبة تهزم فلسفة الثورة نفسها حين تنزلق إلي عبادة الأفراد ، وربما يوجه لها ضربة في مقتل ، لانها تقضي ربما دون ان تدرك علي امل بناء دولة المؤسسات العصرية التي كانت تحلم بها ، من أجل التخلص للابد من أسطورة الفرد المخلص الملهم .
حينذاك تتحول الكاريزما إلي " سم قاتل " في خمر السلطة الأبوية ، وتتحول الشعوب إلي ضحايا لنفس الفيروس الذي ثاروا للقضاء عليه ، ويصبح الزعيم المحبوب ذا أسماء وألقاب جذابة مثل " الديكتاتور العادل " أو " أبو الشعب " او " الملهم المخلص " .
ومن المهم ادراك ان الجميع يشاركون في هذه الخطيئة ولا ينفرد بها المستبد ، لأن الديكتاتور في النهاية ليس إلا فردا صنعت هالته أبواق الدعاية التي يجيدها المثقفون والنخب ، وساعدته أدوات قمع وحشية تفرض الخوف والصمت والقبول به وكأنه قدر .