- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
مصطفى إبراهيم يكتب: فتح بلجراد-رمضان عام 927 هجرية
مصطفى إبراهيم يكتب: فتح بلجراد-رمضان عام 927 هجرية
- 30 أبريل 2022, 12:00:04 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
انتصارات رمضان
في شهر رمضان سنة927 هـجري، نجح الجيش العثماني في فتح بلجراد بعد محاولات عدة ،توجت بالنصر ، وفتح بلغراد هي مجموعة من المعارك أدت في نهايتها إلى فتح بلغراد من قبل سليمان القانوني ودخول المدينة تحت سلطة الدولة العثمانية .
وكانت المحاولة الأولى لفتح بلجراد في عهد السلطان العثماني مراد الثاني سنة 845 هـ الموافق 1441 ميلادي ، وذلك عندما أعلن البابا « أوجينيوس الرابع » حملة صليبية ضد الدولة العثمانية لطردها من أوروبا، وتوالت محاولات العثمانيين لفتح بلغراد ، وواصلت الدولة العثمانية مسيرة الفتوحات والنجاحات المتتالية، التي ورثتها عن دور القوة في الخلافة العباسية وما سبقها، فكانت عملاقاً حضارياً جديداً تغلغل شمالاً وجنوباً، حتى دخل في العمق الأوروبي والعربي، ودانت لسلطته بقاع الأرض في قارات العالم القديم.
وسبق فتح بلجراد دخول العثمانيين إلى البوسنة والهرسك ومنطقة الجبل الأسود، فلما كان عهد السلطان سليمان القانوني أرسل إلى ملك المجر لويز الثاني سفيراً يدعوه إلى الإسلام أو إلى دفع الجزية، فما كان من ملك المجر إلا أن أمر بإعدام السفير، فأمر السلطان بتجهيز الجيوش، وسار هو بنفسه في مقدمة الجيش قاصداً فتح العاصمة بلغراد، وكان له ما أراد.
وقد برزت أهمية الموقع الذي تقوم عليه بلغراد في القرن العاشر الهجري في ذروة الحرب بين الدولة العثمانية والمجر، التي كانت قد أنعشت من جديد الروح الصليبية في أوروبا، على نحو ما أوضح الدكتور محمد الأرناؤوط في كتابه (تاريخ بلغراد الإسلامية)، فخلال هذا القرن كانت بلغراد القلعة الحدودية للمجر، وأصبحت رمزاً يعني الكثير لكل أوروبا في صموده أو سقوطه.
وبعد أن اعتلى السلطان القانوني الحكم، ولم تمض عليه إلا ثمانية أشهر حتى قام بحملته الأولى، التي أراد أن تكون وجهتها بلجراد... وكان السبب المباشر للحرب أنه في شهر شعبان من سنة سبع وعشرين وتسعمائة هجرية أقدم ملك الصرب على قتل سفير المسلمين لديه، فاستشاط السلطان لذلك غضبًا وأمر بتجهيز الجيوش الإسلامية وجمع كل ما يلزم من المئونة والذخائر وسار هو بنفسه لمحاربتهم.
بنى القانوني موقفه من بلجراد وتصميمه على فتحها على اعتبارات سياسية واستراتيجية عدة، فالمملكة المجرية هي الخصم الأكبر للعثمانيين في أوروبا الشرقية، وتمثل سداً منيعاً دون انتشار الإسلام في أوروبا الشرقية، كما استطاع القانوني بحنكته السياسية الكبيرة أن يحيد القوى الأوروبية عن التدخل لإنقاذ بلغراد، فالبندقية كانت تناقش في ذلك الوقت عقد معاهدة تجارية مع العثمانيين، ولم يكن من مصلحتها أن تدخل في حرب ضد العثمانيين تأييدا للمجريين. أما الفاتيكان وملك بولندا فلم يجدا مبرراً للتدخل لمساندة بلغراد، كما أن أوروبا كانت على وشك حالة من الانقسام الديني، بسبب دعوة «مارتن لوثر» الدينية الجديدة التي تزامنت مع بدايات تحرك السلطان القانوني نحو بلغراد. والفرنسيون نصحوا الملك المجري «لويس» بإبرام هدنة مع القانوني كسباً للوقت، أما الألمان فكانوا مشغولين عن مساندة بلجراد ببعض العوامل الداخلية.
وخلال فتح بلجراد استأجرت الدولة العثمانية حوالي ثلاثين ألف جمل من الأناضول وشبه الجزيرة العربية لنقل الأسلحة العسكرية ومن حوض الدانوب كان هناك حوالي عشرة آلاف عربة تنقل الطحين والشعير.
كما جمع القانوني قوات النخبة العثمانية المسماة «السباهية» من عدد من الولايات، وزاد في عدد القوات النظامية, وأصر القانوني على أن يكون خروجه بالجيش يوماً مشهوداً يشهده سفراء الدول الأجنبية في الدولة العثمانية، وكان يهدف من وراء ذلك إلى القيام بحرب نفسية ضد المجر، وحرب نفسية أخرى ضد الأوروبيين حتى لا يفكروا في تقديم يد العون لبلجراد.
وزحف الجيش السلطاني حتى أسوار قلعة بلجراد الحصينة، .وقد حاصر السلطان سليمان القانوني قلعة بلجراد المجرية . حيث تم تقويض جدرانها بالالغام وسبعة أيام من القصف العنيف. بعد ذلك تم غزو المدينة دون صعوبة كبيرة مع فقدان القليل من الجنود.. وتم الفتح بعد أسابيع عدة من الحصار والمعارك، حيث وعد السلطان سليمان الصرب بالحفاظ على حياتهم إذا تركوا المجريين في القتال, ففتحت القلعة في الرابع من رمضان 927هـ، أما بلغراد المدينة فتم فتحها في الـ26 من الشهر نفسه، وسرعان ما انتشرت أخبار الانتصار في العالم، وأرسل الأوروبيون وفوداً للتهنئة بالفتح... أصبحت بلغراد قاعدة عسكرية مهمة لمزيد من العمليات في أوروبا
وخلال الحكم العثماني أصبحت بلجراد واحدة من أكبر المدن في أوروبا. .وأدي الفتح في نهاية المطاف إلى معركة موهاج والاستيلاء على جزء كبير من مملكة المجر قبل العثمانيين.