- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
مصر... قلاع عمالية تسقط في مستنقع البطالة
مصر... قلاع عمالية تسقط في مستنقع البطالة
- 19 يناير 2023, 10:22:05 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تتسع تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها مصر على وقع شحّ الدولار، الذي سبّب تعثر الكثير من المشروعات وتعطل الإنتاج، ما دفع الكثيرين إلى الانضمام إلى صفوف العاطلين من العمل، بينما الدولة عاجزة بالأساس عن خلق وظائف جديدة، ليطاول الوضع المتدهور مدناً إنتاجية طالما كانت على مدار عقود طويلة محصنة من البطالة.
في مدينة دمياط على ساحل البحر الأبيض المتوسط شماليّ مصر، التي ارتبطت في أذهان المصريين بقلعة صناعة الأثاث في البلاد، تبدلت الأوضاع بعد أن نال تعثر الأعمال من سواعدها على وقع تعطل استيراد المواد الأولية من أخشاب وغيرها من مستلزمات الإنتاج بسبب أزمة الدولار، بينما كان ضجيج العمل في المدينة لا يهدأ على مدار عقود طويلة.
الركود زحف تجاه المنشآت الإنتاجية والخدمية
التعثر الذي تشهده الكثير من الأعمال يطاول مختلف مناطق البلاد، لتتّسع أخطاره في عواصم المدن الكبرى التي تستحوذ على 87% من فرص التشغيل، بينما تمثل 19% من تعداد السكان، في دولة تعدادها 104 ملايين نسمة.
وتتركز 95% من الوظائف المتاحة في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، بما يدفع طالبي العمل إلى هجرة داخلية، تُسهم في زيادة التكدس السكاني والعشوائيات، بالإضافة إلى تركيز أكبر على مناطق جغرافية محددة وقطاعات بعينها تبين أنها تعاني مشكلات مزمنة في إنتاج الوظائف.
وتعكس سيطرة عواصم المحافظات، على فرص العمل المتاحة أمام المواطنين، المركزية الشديدة التي يدار بها الاقتصاد، بينما تراجعت قدرة المدن الصناعية والجديدة على توفير فرص عمل لكل التخصصات والأعمار، فيما زحفت حالة الركود تجاه المنشآت الإنتاجية والخدمية.
ورصد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، في تقرير عن الطلب على الوظائف في مصر، مؤشرات خطرة على التأثر الشديد لتعطل المصانع والشركات على فرص العمل وسط تصاعد أزمة الدولار، وقيود الاستيراد، واعتماد الحكومة على سياسة التشدد النقدي دون وجود إصلاح مؤسسي وهيكلي للاقتصاد الحقيقي في الدولة.
كشف التقرير الصادر يوم الاثنين الماضي، تراجع إنتاج الوظائف في القطاع الصناعي بشكل متواصل منذ الربع الثاني من العام المالي الحالي 2022/2023 (يبدأ العام المالي في مصر في الأول من يوليو/ تموز)، وانحصر في فنيي الإنتاج، من عمال التشغيل والتعبئة والتغليف في جميع الصناعات التحويلية بلا استثناء. وتركز تراجع الوظائف الصناعية في مدن السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، العبور، والعاشر من رمضان (شرق)، العامرية وبرج العرب (شمال).
قالت عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية للمركز لـ"العربي الجديد": "طالما وُجدت مشاكل أمام فرص الاستثمار، ستزداد البطالة، مشيرة إلى أن البطالة هي العرض لمرض مناخ الاستثمار الذي يستدعي معالجة أسبابه، لأن معدلات البطالة مرتفعة بنسب أعلى مما تذكره البيانات الرسمية، التي تعتبر أن كل من عمل مرة في الشهر حصل على فرصة عمل".
مشاكل صناعة الأثاث
وكشف التقرير أن مدينة دمياط التي كانت محصنة من البطالة، طوال العقود الماضية، لما تملكه من مشروعات إنتاجية واسعة لصناعة الأثاث والأسماك والتعهيد، سقطت في مستنقع البطالة، وتراجعت قدرتها على خلق الوظائف.
كذلك أرجع ضياء داود، عضو مجلس النواب، خلال دردشة مع صحافيين، بروز مشاكل صناعة الأثاث إلى توقف الواردات خلال العام الماضي، مشيراً إلى أن 90% من مكونات الصناعة تعتمد على استيراد الاخشاب واحتياجات التشغيل من الخارج، وفي ظل ندرة الدولار والخامات خفضت الورش العمالة من داخل المحافظة والمحافظات المحيطة بها.
وأشار داود إلى عدم التزام الحكومة خطط زراعة الأشجار الخشبية التي طرحها المستثمرون والخبراء من قبل لزراعة 10 ملايين شجرة، قادرة على تشغيل 100 ألف مصنع، بالإضافة إلى عدم قدرة المصنعين على جلب تكنولوجيا إنتاج متطورة تستطيع المنافسة بها في الأسواق العالمية.
ولفت إلى أن أزمة الدولار أدت إلى وقف صادرات الأثاث إلى تونس والجزائر وسورية والدول التي كانت سوقاً تقليدية للأثاث المصري، وفي الوقت ذاته، لم توظف طاقات المحافظة، في دعم صناعة الصيد، رغم هيمنتها على 64%، من طاقة أسطول الصيد المحلي.
وأظهر تحليل طلب الوظائف أن التذبذب الشديد سمة عامة لإنتاج الوظائف، سواء على مستوى القطاعات أو المناطق المنتجة للوظائف، باستثناء بعض الحالات الفردية، وتُعَدّ المشكلة أقلّ حدة بالنسبة إلى ذوي الياقات البيضاء (الموظفين) مقارنة بالعمالة الفنية.
ورصد التقرير نفسه تراجع الطلب على جميع أنواع الوظائف ذات الصلة بإنتاج السيارات وتجارتها وقطع غيارها، ولا سيما ميكانيك وكهرباء السيارات، متأثرة بتوقف استيراد السيارات الجديدة بشكل شبه كامل، وارتفاع أسعار السيارات المستعملة بنسب تصل إلى 70% خلال عام واحد، ما أدى إلى ركود شديد في حركة البيع والشراء.
ولفت إلى وجود تراجع مزمن في إنتاج الوظائف في المجالات المتعلقة بالطباعة والنشر منذ الربع الثاني، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الورق بنسب وصلت إلى 300% خلال أقل من عام.
وأرجع نديم إلياس، رئيس غرفة الطباعة والتغليف في اتحاد الصناعات، السبب الرئيسى لتراجع الطلب على الوظائف في صناعة الطباعة، إلى تراجع الطلب على المنتجات والتغليف، لا إلى ارتفاع أسعار الورق فقط، لافتاً إلى دخول مصنعين جدد في مجال إنتاج الورق المخصص للتغليف وتوفيره للسوق المحلي بدلاً من الاستيراد، ولكن نظراً إلى تراجع الطلب على المنتجات، سبب ذلك تراجع الطلب على العبوات والتغليف، كذلك تأثرت صناعة النشر تأثراً كبيراً بارتفاع أسعار الورق بشكل كبير نتيجة أزمة الدولار.
تراجع الوظائف في القاهرة
وعلى المستوى الجغرافى، استمر تراجع إنتاج الوظائف في الوجه البحري (شمال) عموماً، وخصوصاً في مجالي الحرف والتسويق والمبيعات، مثل دمياط، كذلك تراجع إنتاج الوظائف في القاهرة، حتى بعد استبعاد أثر الموسمية (العمل الموسمي)، ما يعكس عمق المشاكل التي يواجهها مجتمع الأعمال في الدولة.
وأشار تقرير مركز الدراسات الاقتصادية، إلى المركزية الشديدة لإنتاج الوظائف، حيث يتركز 87% منها في إقليم العاصمة (القاهرة والقليوبية والجيزة).
أما في باقي المحافظات، فيتركز إنتاج الوظائف في عاصمة كل محافظة، مستشهداً باستحواذ مدينة طنطا على 62% من إنتاج الوظائف بمحافظة الغربية (شمال القاهرة)، بالإضافة إلى تراجع إنتاج الوظائف في الإسكندرية ومطروح (شمال) مع انتهاء موسم الصيف.
ولم يقتصر الأمر على الوظائف السياحية فقط في هذه المحافظات، ولكن امتد ليشمل العديد من الوظائف الخدمية، بينما حافظ إقليم البحر الأحمر (شرق) وجنوب سيناء (شمال شرق) على ذات معدل إنتاج الوظائف المسجل في فترة الصيف."
ورصد التحليل ارتفاع نسبة الوظائف التي تشترط مؤهلاً عالياً إلى 46% في الربع الأول من العام المالي الحالي، مقارنة بـ 40% في الربع السابق عليه.
وأكد التحليل أن حديثي التخرج الحاصلين على تعليم متوسط أو أقل، ولا يملكون مهارات قوية، سيواجهون وقتاً عصيباً في الحصول على وظيفة في أثناء فترات الأزمات، وسيزداد الأمر صعوبة إذا كان العمل في القطاع الصناعي أو القطاعات التي تعتمد بكثافة على الاستيراد، مثل قطاع السيارات والطباعة.
وكشف التحليل تراجع الطلب على المؤهلات المتوسطة، مشيراً إلى أنه في أوقات الأزمات تميل الشركات إلى تقليص الطلب على الأقل مهارة أكثر من غيرهم، لاستعداد أصحاب التعليم العالي للقبول بأي وظيفة، في ظل صعوبة الظروف الاقتصادية.
ولم تقتصر تداعيات الأزمة على التشغيل في المصانع والشركات والمنشآت الإنتاجية والخدمية، بل طاول كذلك العمالة من المنزل. إذ كشف التحليل عن تراجع الوظائف التي تتيح العمل من المنزل بنسبة 39% في الربع الأول من العام المالي الحالي، مقارنة بالربع السابق عليه.
وأشار إلى عدم كفاية إنتاج الوظائف في مصر مقارنة بأعداد المتقدمين لهذه الوظائف، حيث يراوح متوسط المتقدمين لكل وظيفة واحدة بين 35 فرداً في مجال تكنولوجيا الاتصالات والبرمجيات، وإلى 150 في مجال القانون والمحاماة.