- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
مزهر الساعدي يكتب: أمريكا والصين: اللعب على تزاحم المصالح
مزهر الساعدي يكتب: أمريكا والصين: اللعب على تزاحم المصالح
- 18 مايو 2023, 4:22:52 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إذا تمعنا جيدا في الأوضاع الدولية سواء في المنطقة العربية أو في جوارها الإسلامي أو في المحيطين الهادي والهندي أو في بحر الصين الجنوبي والشرقي، أو في شبه الجزيرة الكورية، أوعلى حافة أوروبا حيث تدور الحرب في أوكرانيا، إضافة الى الاختناقات في اقتصادات الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، نلاحظ بصورة واضحة أن العالم يشهد هزات قوية سوف تقود الى تغييرات عميقة واستراتيجية، قد تغير شكل العالم.
فالولايات المتحدة تحاول بمختلف الطرق والوسائل إيقاف هذا التغير والتحول، أو على أقل تقدير أو احتمال إبطاء حركته، حتى يتسنى لها إيجاد فسحة من الزمن للالتفاف عليه واحتوائه لصالحها، في محاولة منها لإيقاف حركة تطور التاريخ هذه، ليس بالمعنى الميكانيكي أو بالطريقة التي تلغيه بأفعال مضادة كابحة لإيقاف حركته، لأن خبراء سياستها يدركون تماما أن هذا ضربا من ضروب المحال، بل، بأفعال ديناميكية تفتح لها طرق واتجاهات حركية في الاقتصاد والسياسة والتجارة والمال والأعمال والشراكات على هذه الصعد جميعها، بإيجاد بوصلة وخارطة طريق تفضي الى السيطرة على اتجاهات حركته في الحقول كلها وعلى مساحة العالم، لصالح إبقاء هيمنتها الجزئية بإعطاء هامش من المساحة للشركاء والحلفاء في صناعة القرار الدولي على أن تكون هي في جوهر وصلب صناعة هذه القرارات، بما يعني تلبية حاجة التاريخ للتطور والتغير، طبقا لتفسيراتها ورؤيتها لهذا التطور والتغير.
أمريكا لم تغادر غرورها ونرجسيتها القاتلة لها مستقبلا، قبل غيرها، والتي لا ترى لأي تطور وتغير في العالم إلا من زاوية نظرها هي لكل هذا الذي يحدث الآن في العالم، بالقفز على مشاكلها الداخلية، وعلى التقليص الجزئي لهيمنة الدولار حتى من أغلب شركائها في المنطقة العربية وفي غيرها من مناطق المعمورة، ناهيك من الصين وروسيا ومنظمة البريكس وخطط هذه المنظمة باستخدام العملات الوطنية لدولها في التبادل التجاري والمالي والاقتصادي، ولو بدرجة قليلة في الوقت الحاضر، لكنه سوف يتوسع كما يعلن زعماء هذه المنظمة، الصين وروسيا والهند وجنوب افريقيا والبرازيل إضافة الى منظمة شنغهاي وأوراسيا.
من أبرز الوسائل الأمريكية للسيطرة على التحولات التاريخية التي يشهدها العالم هي العمل على تطويق الدولتين اللتين تعملان، الصين وروسيا، على إيجاد الظروف والبيئة لتسريع عملية إنضاج التحولات التاريخية والدفع بها الى السطح بزيادة عوامل إنضاجها وسرعة هذا الإنضاج على قطار التحول التاريخي وتدفع به ليتدافع لإخلاء سكك السير لصالحهما، مع قطار الكوابح الأمريكية المتحرك بسرعة هستيرية على السكة المصممة أمريكيا على اعتراض وتغير سير واتجاه قطار التحول التاريخي بالسيطرة على سكك هذا التحول لخدمة مخططها هذا.
السياسة الأمريكية إزاء الصين تغيرت منذ عام 2007 إذ رأت واشنطن أن التطور الصيني يشكل تهديدا جديا لمراكز قوتها وهيمنتها على العالم
على هذا الطريق، تقوم أمريكا بافتعال الأزمات والمشاكل مع الصين بالدرجة الأهم، ومع روسيا بالدرجة الأقل مستقبلا وعلى العالم، وإقامة الشراكات والتحالفات مع الدول الأخرى التي لها مشاكل ونزاعات ما، مع الصين لتطويق الصين ومحاصرتها واستفزازها. من أبرزها قضية تايوان، والنزاع في بحر الصين الجنوبي والشرقي.
تعتبر الصين تايوان جزءاً من الأراضي الصينية طبقا للقانون الدولي وبالاتفاق مع أمريكا في وقت سابق من القرن العشرين، عندما كانت واشنطن تتعاون مع بكين بالضد من الاتحاد السوفيتي، وحين كان هناك بين الصين والاتحاد السوفيتي، خلاف حدودي جرى حله فيما بعد. لكن السياسة الأمريكية إزاء الصين تغيرت منذ عام 2007 إذ رأت واشنطن أن التطور الصيني يشكل تهديدا جديا لمراكز قوتها وهيمنتها على العالم ولو بعد عقود من ذلك التاريخ، وهذا هو الذي يحدث الآن.
لذا نلاحظ أن الصين، منذ زمن غير قليل، تتمتع بنشاط كبير في بحر الصين الجنوبي، لكن لم يثر هذا النشاط الاهتمام والقلق لدى أمريكا قبل سنوات كما هو الوضع الحالي. وحتى لسنوات قريبة لم تدعم أمريكا تايوان في مسار يقود أو ينتهي باستقلالها أو، على الأقل، لجم السعي الصيني لضمها. لكنها راحت تشجع الحكومة التايوانية حكومتها على الصين، بإعلانها أنها لن تسمح للصين بضم تايوان بالقوة العسكرية ولن تقف على الحياد في هذا الصراع إذا ما اندلع في أي وقت.
ليس من المحتمل أن تقدم الصين على ضم تايوان بالقوة العسكرية حاليا، وفي المدى القصير، وحتى أبعد من ذلك، في ظل تزاحم الأحداث والحروب.على الرغم من تصريح الخارجية الصينية مؤخرا بأن الصين لن تضم تايوان بالقوة بل إن بكين تعمل سياسيا على عودة تايوان الى البر الصيني إلا إذا حدث تطور يتقاطع كليا مع هذه السياسة عندها سيكون للصين أسلوب آخر، والمقصود هنا بالتطور الذي قصدته الخارجية الصينية، هو إعلان تايوان الاستقلال أو أي شكل قريب من هذا التوجه حسب قراءتي المتواضعة لقصد الخارجية الصينية.
القيادة الصينية تدرك أن هذا الضم، وبهذه الطريقة لن يكون في صالحها، ويقوض من اندفاعاتها الاقتصادية الكبيرة جدا والواسعة جدا، هذا من جانب ومن جانب آخر الصين لا تحتاج لهذا الضم العسكري وهي تعرف على وجه اليقين أن هناك في الداخل التايواني من يؤيد الانضمام الى البر الصيني، قوى وأحزاب لا يستهان بها، ولها تأثير في الشارع التايواني، لناحية نتائج الانتخابات في المقبل من الوقت، في تايوان. وحتى لو فازت الحكومة الحالية في هذه الانتخابات فمن المستبعد جدا، أن تضم الصين تايوان حاليا لأسباب اقتصادية في اتجاهين: الأول خطط الصين في التوسع التجاري والاقتصادي في العالم، وما هو ذو صلة عضوية بهذا الجانب، الذي يتمحور حول التسويق الصيني لنفسها من أنها تسعى الى حل النزاعات بالتفاوض وبالطرق السلمية. والثاني ما ستقوم به أمريكا من تجييش للعالم اقتصاديا وسياسيا ضد مصالح الصين وخاصة في أوروبا وفي أمريكا ذاتها، وتحطيم طروحات الصين، ببناء عالم خال من الحروب، يسوده الأمن والسلام والمنفعة المتبادلة، باستثمار تداعيات الضم الصيني بالقوة العسكرية لتايوان إذا ما حدث وهو من الصعوبة جدا، أن يحدث.
إن الدولتين العظميين، الصين وروسيا، عقدتا شراكة استراتيجية، وعملا على تنميتها وتطويرها في جميع الاتجاهات، بسبب الحاجة لهذه الشراكة وليس الى الحلف العسكري على الرغم من أن روسيا تريده وتسعى إليه، لكنها تدرك أن الصين لا تريد هذا الحلف أن يكون واقعا على الأرض. وعليه ليس هناك في الأفق أي تحرك صيني في هذا الاتجاه ببساطة لأنه لا يخدم استراتيجيتها، بل يتقاطع معها كليا. أما الحديث عن الحلف العسكري، بين روسيا والصين، او الحرب المقبلة مع الصين من قبل البعض من المسؤولين الأمريكان، فهو من باب التخويف وشحن العزائم لنخب الظل الامريكية المسؤولة عن صناعة القرارات الاستراتيجية الأمريكية التي تتركز في زيادة الإنفاق العسكري، وفي الأعمال المخابراتية لزيادة عدد الدول الشريكة أو السائرة في الفلك الأمريكي، بعد إحداث التغيرات لأنظمة الحكم في الدول المستهدفة أمريكيا، وترسيخ الأنظمة في الدول الأخرى التي هي أصلا ضمن النطاق الأمريكي.
تتوالى تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول أهمية التعايش السلمي والتنافس المشروع مع الصين لتجنب الدخول في حرب باردة جديدة وكأن هذه الحرب ليست قائمة فعلا.