- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
محمود عبد الهادي يكتب: نظرات وعبرات | الفرصة الذهبية الكبرى في تصريحات نتنياهو
محمود عبد الهادي يكتب: نظرات وعبرات | الفرصة الذهبية الكبرى في تصريحات نتنياهو
- 4 يوليو 2023, 7:12:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يحسب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو حسابا لأحد، لا من العجم ولا من العرب، حين أعلن صراحة ولأول مرة رفض قيام دولة فلسطينية والعمل على قمع الطموحات الفلسطينية بالحصول على دولة فلسطينية مستقلة.
ومع ذلك، فإن هذه التصريحات تعتبر فرصة ذهبية كبرى للقيادة الفلسطينية ينبغي ألا تضيعها هذه المرة كما ضيعت العديد من الفرص السابقة، بغض النظر عن الدوافع التي تقف وراء إطلاق نتنياهو لهذه التصريحات في هذا الوقت بالذات، ومدى جديتها، ومصدر القوة التي يستند عليها وهو يطلقها، غير مكترث لحلفائه الغربيين ولا لأصدقائه العرب، فهذا كله شأن نتنياهو وحكومته، ولا يهمّ الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية في شيء.
المهمّ في هذه التصريحات هو الموقف الفلسطيني، وطبيعة التحرك المضاد الذي يمكن أن يرد به عليها، وكيف يمكن استغلال هذه الفرصة الذهبية لصالح الشعب الفلسطيني وإنهاء معاناته وتحقيق تطلعاته.
تصريحات نتنياهو الأخيرة تعتبر فرصة ذهبية كبرى للقيادة الفلسطينية ينبغي ألا تضيعها للتخلص من "حل الدولتين"، فهي الدليل الأكبر على أن هذا الحل حلٌ وهمي لا يملك شيئاً من مقومات النجاح، عدا عن كونه مضيعة للوقت والجهد
أهمية التصريحات
أعتذر بداية عن متابعة سلسلة إستراتيجية الإدارة الأميركية لمنع النزاع وتعزيز الاستقرار في الدول الهشة، فقط لهذا المقال، من أجل تناول تصريحات الفرصة الذهبية الكبرى التي أطلقها نتنياهو، كون هذا المقال لا يقبل التأجيل. وتبرز أهمية هذه التصريحات فيما يأتي:
- تعتبر هذه التصريحات فرصة ذهبية كبيرة للقيادة الفلسطينية لفتح مرحلة سياسية جديدة، تعيد فيها ترتيب الأوراق والتصورات والأولويات، وتعالج فيها المشكلات المستعصية، وتصلح فيها أوضاعها الداخلية وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
- قدمت هذه التصريحات الدليل الأكبر على أن حل القضية الفلسطينية عن طريق صيغة "حل الدولتين"، هو حل وهمي لا يملك شيئاً من مقومات النجاح، عدا عن كونه مضيعة للوقت والجهد، فتمضي السنوات تلو بعضها دون أن تحقق شيئاً يبشر بأن الحل يسير في الاتجاه الصحيح.
- أدى ذلك إلى إطالة عمر القضية، ومضاعفة معاناة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج دون أي جدوى. أزالت هذه التصريحات الحرج عن القيادة الفلسطينية، عربياً ودولياً، إذا قررت التنصل من حل الدولتين، فقد قدّمت لها المبررات الكافية لرفض الاستمرار في هذا الحل، بعد أن جعلته تصريحات نتنياهو في حكم المنتهي فعليا، وبالتالي صار بإمكان القيادة الفلسطينية التعامل مع حل الدولتين على هذا الأساس.
- وضعت هذه التصريحات القيادة الفلسطينية أمام واجباتها التاريخية لتقوم بخطوة متقدمة باتجاه طرح المشروع السياسي البديل الذي يمكن أن ينهي عذابات الشعب الفلسطيني، وينهي القضية الفلسطينية.
- وضعت هذه التصريحات النخب الفلسطينية من أصحاب مشروع "حل الدولتين" أمام الحقيقة الناصعة التي كانوا يهربون من مواجهتها، ويخدعون أنفسهم مصرّين على تبنّي هذا الحل، فقد فضحت كشفت تصريحات نتنياهو حقيقة هذا الحل.
- لم يعد أمام مؤيديه من النخب الفلسطينية إلا التنصّل منه والاعتذار لأنفسهم ولشعبهم عن السنوات الطويلة التي ذهبت هباء، والمعاناة المضنية التي تحمّلها الشعب الفلسطيني فيها، والتضليل الذي قاموا به طيلة هذه المدة ليخدعوا الشعب المسكين الغارق في همومه وآلامه ومآسيه التي لا تنتهي، ويوهموه بأن حل الدولتين هو الحل الأمثل.
من البديهي القول إن القيادة الفلسطينية ليست بحاجة إلى هذا النوع من الذرائع لتغيّر مواقفها السياسية بما يحقق مصالح شعبها ويلبي تطلعاته، ولكن لأسباب عديدة لم تقم القيادة الفلسطينية بذلك، وما زالت تتمسك بحل الدولتين حتى اليوم، رغم علمها أن هذه الأسباب هي أساس البلاء وأم الشرور وأصل الكوارث التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من حين لآخر تحت ذرائع عديدة.
تصريحات الفرصة الذهبية يجب أن تدفع كافة الأطراف الفلسطينية الفاعلة، للتحرك من أجل استغلال الفرصة واستحضار المسؤولية التاريخية التي تفرضها المرحلة الراهنة عليهم، من أجل توحيد الصف الوطني، وتقديم الطرح البديل الذي يضع حدّاً لمعاناة الشعب الفلسطيني ويحقق تطلعاته المشروعة، والالتزام بهذا الطرح والإصرار عليه مهما كان الثمن
الفرصة الذهبية الكبرى والحل البديل
هذه التصريحات الذهبية الكبرى فتحت الباب واسعاً أمام القيادة الفلسطينية لمراجعة أحوالها السياسية المتردية، وإعادة تموضعها بصورة إستراتيجية ترتقي لمستوى التحديات التي تواجهها، ومستوى التطلعات التي ينتظرها منهم الشعب الفلسطيني.
وتتمثل الفرصة الذهبية الكبرى في هذه التصريحات في التخلص الفوري من مشروع "حل الدولتين"، وتبنّي حل بديل يؤدي فعلاً إلى إيقاف معاناة الشعب الفلسطيني وتحقيق مطالبه الوطنية على أسس واضحة ومدى زمني منظور ومحدد، ليس من باب المناورة التكتيكية الرامية إلى الرد النفسي على تصريحات نتنياهو، وإنما من باب الرؤية السياسية الإستراتيجية الثابتة، واغتنام الفرصة للتخلص من هذا الإرث التاريخي الظالم، الذي أدخل القضية الفلسطينية في نفق مظلم لم تستطع الخروج منه حتى يومنا هذا، منذ صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 أواخر عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما المشروع البديل الذي يمكن للقيادة الفلسطينية أن تتبناه بديلاً عن مشروع "حل الدولتين"؟
تحدثت كثيراً في عدة مقالات سابقة عن الحل البديل، وأوضحت أن الحلول المطروحة أمام الشعب الفلسطيني منذ فجر القضية، هي:
- مشروع "حل الدولة الواحدة" للشعبين الفلسطيني واليهودي.
- مشروع "حل الدولتين"، واحدة للفلسطينيين وواحدة لليهود.
- مشروع "التحرير الشامل لأرض فلسطين التاريخية" الذي تبنته حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وتبنته الثورة الفلسطينية في بداياتها الأولى، في ستينيات القرن الماضي.
أما حل الدولتين، فها نحن نجري وراءه في صحراء ممتدة ممزوجة بالدم والأشلاء والشهداء والجرحى والمعذَّبين؛ حتى انقطعت أنفاسنا، وجفّت حلوقنا، وغاصت أقدامنا في رمال الخداع والنفاق والمتاجرة والتنكّر، ليطلع علينا نتنياهو بهذه التصريحات الصادمة لأصحاب هذا المشروع، وكأنهم لا يعرفون أن مشروعهم وُلد ميتاً.
أما حل تحرير كامل فلسطين وطرد اليهود إلى حيث أتوا، فهو مجرد حل عسكري، لا يقوم على أرضية سياسية واقعية، ولا تتوفر له مطلقاً مقومات النجاح الذاتية، في ظل الفرق الهائل في ميزان القوى بين الطرفين الفلسطيني واليهودي، وفي ظل الانحياز الدولي الجارف للكيان الصهيوني، والعجز العربي الشامل عن القيام بمثل هذا الحل في مدى العقود الخمسة القادمة على أقل تقدير، فضلاً عن أنه تم تجربته على مدى أكثر من 70 عاماً دون مكتسبات حقيقية تشير إلى قرب الانتهاء من عملية التحرير.
لم يبق أمام الشعب الفلسطيني سوى الحل البديل والوحيد، وهو حل "الدولة الواحدة" للشعبين الفلسطيني واليهودي، هذا الحل الذي لم أجد أحداً يقدّم مبررات موضوعية لرفضه والإصرار على حل الدولتين أو حل التحرير الشامل، وقد أوضحت سابقاً في مقالي قبل حوالي 3 سنوات بعنوان الطريق إلى الدولة الواحدة مزايا هذا الحل والخطوات الأولية لتحقيقه ضمن مدى زمني منظور.
فهل تنتهز القيادة الفلسطينية من جديد هذه الفرصة الذهبية، أم ستتجاهلها كما فعلت من قبل؟
إن هذا السؤال يعيدنا إلى الواقع السياسي الفلسطيني الداخلي الأليم الذي تعاني منه القضية الفلسطينية في العقود الأربعة الأخيرة على وجه الخصوص، فالجغرافيا مقسّمة ومهلهلة، والقيادة قيادتان، والمشروع السياسي الوطني المشترك غائب، والبوصلة تهتزّ في كل الاتجاهات، والجبهة الداخلية في أسوأ أحوالها، والتربّص سيد الموقف.
ومع هذا كله، أحسب أن تصريحات الفرصة الذهبية يجب أن تدفع كافة الأطراف الفلسطينية الفاعلة من تنظيمات ومؤسسات وأجهزة ومنظمات مجتمعية ونقابية، للتحرك الراشد والحكيم لاستغلال هذه الفرصة واستحضار المسؤولية التاريخية التي تفرضها المرحلة الراهنة عليهم، من أجل توحيد الصف الوطني، وتقديم الطرح البديل الذي يضع حدّاً لمعاناة الشعب الفلسطيني ويحقق تطلعاته المشروعة، والالتزام بهذا الطرح والإصرار عليه مهما كان الثمن.