- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: ماذا تريد إسرائيل من ليبيا؟
محمد عايش يكتب: ماذا تريد إسرائيل من ليبيا؟
- 29 أغسطس 2023, 5:00:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رد الفعل الشعبي في ليبيا على اللقاء التطبيعي بين وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، يدل على أن قضية فلسطين ما زالت هي القضية الأولى للعرب من المحيط إلى الخليج، وأنها ما زالت البوصلة التي يهتدي بها الناس وتُحرك مشاعرهم وتُحدد مواقفهم.
كما أن رد الفعل الشعبي الغاضب في ليبيا على هذا اللقاء التطبيعي يُشكل استفتاءً عاماً وعفوياً على موقف الشارع العربي من التطبيع مع الاحتلال، حيث يرفض العرب الاعتراف بإسرائيل، وإقامة علاقات التعاون معها، في الوقت الذي تقوم فيه بسحق الشعب الفلسطيني وتنفيذ الاعتداءات اليومية ضده، بما في ذلك الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك والأماكن المقدسة ومصادرة المنازل وتهويد المناطق في الضفة الغربية والقدس المحتلة. هذا الرفض الشعبي للتطبيع ينسحب أيضاً على الدول التي قررت أنظمتها السياسية التطبيع مع إسرائيل، وتلك التي أقامت معاهدات سلام مع الاحتلال منذ عقود.. إذ لا فرق بين عربي وآخر، وبلد وآخر في رفض التطبيع مع الاحتلال، وكل ما في الأمر أن بعض الدول القمعية لا يجرؤ الناس فيها على الإفصاح عن مواقفهم.
الاستراتيجية التي يستخدمها الإسرائيليون هي أنهم يقومون بالاستفادة من كل أزمة تحدث في العالم، سواء كانت أزمة دولية أم محلية، والشواهد على ذلك كثيرة
رفض الشارع العربي، ومنهم الليبيون، للتطبيع مع الاحتلال حقيقة لا تقبل التأويل، بل إن وزيرة الخارجية ذاتها نجلاء المنقوش هي أول وأكثر من يعرف هذه الحقيقة، ولذلك كان اللقاء سرياً، وكان في دولة أوروبية، وليس عبر زيارة إلى تل أبيب مثلاً، أو عبر وسيط عربي. لكنَّ السؤال الأهم في هذه الواقعة، هو: ما الذي تريده إسرائيل من ليبيا؟ ولماذا تحرص دولة الاحتلال على إقامة علاقات مباشرة مع طرابلس؟ وما الذي دار أصلاً في اللقاء السري الذي جمع بين المنقوش وكوهين؟ هنا تكمن الحكاية. الواضح أن إسرائيل تُكرس مساعيها منذ سنوات من أجل إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية كافة، وتقوم في سبيل ذلك باستغلال حالة الضعف العربي غير المسبوقة، سواء الخلافات البينية العربية، أو الصراعات الداخلية، وهي في هذا السياق استغلت وبمساعدة أمريكية خلال فترة حكم دونالد ترامب أزمة الصحراء لدفع المغرب نحو التطبيع، واستغلت موجة القلق الخليجي من الثورات العربية وتداعياتها من أجل دفع بعض دول الخليج إلى القبول بالتطبيع، وكذا الحال بالنسبة للسودان الذي كان في حالة انهيار وكان بحاجة لتخفيف وطأة الدين العام، عندما اندفع عبد الفتاح البرهان إلى التطبيع مع تل أبيب.. ووصل الحال أخيراً إلى ليبيا التي تعاني من صراع داخلي مستمر منذ سنوات ويريد الإسرائيليون اليوم استغلال هذا الصراع بدفع الليبيين نحو التطبيع. الاستراتيجية التي يستخدمها الإسرائيليون هي أنهم يقومون بالاستفادة من كل أزمة تحدث في العالم، سواء كانت أزمة دولية أم محلية، والشواهد على ذلك كثيرة؛ فأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول التي هزت الولايات المتحدة والعالم عام 2001، كان الإسرائيليون هم المستفيد الوحيد منها، حيث بفضل تلك العمليات حصل أرييل شارون على الضوء الأخضر والمبررات اللازمة من أجل بناء جدار الفصل العنصري، وشن عملية «السور الواقي»، وتنفيذ أوسع مسلسل اغتيالات في تاريخ الشعب الفلسطيني، بما في ذلك اغتيال الرئيس ياسر عرفات مسموماً بعد حصاره، لأكثر من ثلاث سنوات في مقر المقاطعة. إسرائيل هي الطرف الوحيد أيضاً الذي استفاد من الأحداث في سوريا منذ عام 2011 وحتى اليوم، حيث أصبحت تقصف الأهداف التي تريد داخل الأراضي السورية بشكل يومي، والأهم من ذلك أنها أضعفت حزب الله اللبناني الذي يشكل العدو الأبرز لها شمالاً، وتمكنت من استهداف عناصره داخل الأراضي السورية بين الحين والآخر، وهذا النشاط العسكري الإسرائيلي لم تكن تحلم إسرائيل بأن تقوم به لولا الأزمة الداخلية السورية، والقرار الإسرائيلي بالاستفادة منها واستغلالها.
والخلاصة هي أن إسرائيل تقوم باختراق العالم العربي قطعة قطعة، ودولة تلو الأخرى، ويجد الإسرائيليون لكل دولة مدخلاً مختلفاً، واللقاء التطبيعي بين الوزيرة الليبية والوزير الإسرائيلي في روما يدل على أن تل أبيب تستهدف ليبيا، بل إن وسائل الإعلام الاسرائيلية نقلت عن أحد المسؤولين قوله إن «اللقاء تم الإعداد له منذ فترة طويلة وبشكل معمق»، ما يعني أنه كان لقاءً مهماً وتم خلاله الحديث في ملفات لم يتم إطلاع الرأي العام عليها حتى الان. ومن المعلوم طبعاً أن حالة الانقسام والتفتت العربي هي التي جعلت دولنا العربية لقمة سائغة أمام دولة الاحتلال، وهي التي أغرت الإسرائيليين بأن يزحفوا نحو العالم العربي بهذه الطريقة. غياب العمل العربي المشترك والتنسيق، ورفع كل دولة شعار «اللهم نفسي»، هو الذي يجعلنا نغرق، والمصيبة أن أنظمتنا السياسية لم تعد تُفكر في مصالحنا العليا، بل يقتصر التفكير على كيفية البقاء على الكرسي والتصدي والتمترس في السلطة، ولو كان ذلك بواسطة التحالف مع إسرائيل وبما يتناقض مع مصالح الأمة.