- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: البحر يلتهم العرب.. فمن يتحمل المسؤولية؟
محمد عايش يكتب: البحر يلتهم العرب.. فمن يتحمل المسؤولية؟
- 20 يونيو 2023, 8:08:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الضحايا العرب الذين يلتهمهم البحر في ازدياد كل يوم، وقوارب الموت التي تغادر شواطئنا العربية بحثاً عن حياة أفضل في «البر الثاني» تزداد يومياً هي الأخرى، وهذا يعني أن بلادنا العربية تهوي من سيئ إلى أسوأ وشعوبنا العربية تزداد يأساً وقنوطاً من واقعها المرير، وتتلاشى الآمال لديها في أن تتحسن الأحوال.
قبل أيام قليلة شهدت شواطئ اليونان كارثة لاجئين كبيرة، حيث غرق مركب متهالك كان على متنه 750 شخصاً تم إنقاذ مئة منهم فقط، وسرعان ما تبين أن أغلب ركاب ذلك المركب من المصريين والسوريين والأردنيين والفلسطينيين، وغيرهم من العرب الهاربين من بلادهم والباحثين عن ملجأ وحياة أفضل في أوروبا، وهذا الحادث يعيد إلى الأذهان العديد من حوادث الغرق المماثلة السابقة التي انتهت بأن يلتهم البحر المئات من الجثث ويختفي أيُ أثر لها.
أعداد متزايدة من العرب أصبحت الحياة بالنسبة لهم في بلادهم لا تساوي شيئاً، فيضطرون لركوب البحر وشعارهم «العيش في أوروبا أو الموت»
في السابق كانت قوارب الموت التي تتجه إلى أوروبا غالباً ما تُقلّ الأفارقة الهاربين من المجاعات والحروب في بلادهم، وكان يُضاف لهم بطبيعة الحال بعض المغاربة الذين يقصدون إسبانيا تحديداً، والذين كانت تغريهم المسافة القريبة جداً بين الجانبين، التي تعني بالضرورة تقليل المخاطر وتقليل المدة الزمنية اللازمة للمكوث في البحر، فضلاً عن أن الأمواج والظواهر الطبيعية تكون أقل في مضيق جبل طارق مقارنة بها في عرض البحر. الجديد في هذه الظاهرة هو أن قوارب الموت التي تقصد أوروبا أصبح أغلب من فيها من العرب، ومن دول لم تكن مصدراً للمهاجرين، مثل مصر، التي تبين أن عدداً كبيراً من ركاب المركب الغارق على شواطئ اليونان من مواطنيها، بل إن 12 من الضحايا ينتمون إلى قرية مصرية واحدة. كما أصبحت القوارب في السنوات الأخيرة تمضي أياما وربما أسابيع وهي في البحر على أمل الوصول إلى أوروبا، وهو ما يعني أنها تسلك طرقاً طويلة، ليست كتلك التي تفصل بين إسبانيا والمغرب، بل أصبح السفر أبعد بكثير وبات الانطلاق من شواطئ ليست متوقعة. هذه المعطيات كلها تدل على أن أعداداً متزايدة من العرب باتوا يوافقون على المخاطرة بحياتهم أملاً بمستقبل أفضل في دول أجنبية لا تنطق العربية، وبمعنى آخر فإن أعداداً متزايدة من العرب أصبحت الحياة بالنسبة لهم في بلادهم لا تساوي شيئاً، فيضطرون لركوب البحر وشعارهم «العيش في أوروبا أو الموت» أما الاستمرار بالعيش في بلادهم فلم يعد خياراً ممكناً. هؤلاء العربُ اليائسون هم ضحايا دولهم الفاشلة، التي لا توفر لهم العمل ولا الرفاه ولا الأجور العادلة، ولا يتوافر فيها أي رعاية لحقوق الإنسان، وهم مهددون أصلاً بالموت تحت سياط رجال الشرطة، أو في زنازين المخابرات، أو على أبواب المستشفيات بسبب عدم توافر العلاج وعدم توافر التكاليف اللازمة له.. هم يواجهون الموت يومياً لأسباب عديدة ولذلك يقررون ركوب البحر يائسين أملاً بحياة أفضل. هذه الدول الفاشلة هي حصيلة الدعم الغربي، وحصيلة الانحياز الغربي للأنظمة المستبدة والفاسدة التي تسرق أموال الناس، وتأكل حقوقهم، وكان تقدير هذه الدول الغربية هو أن مصلحتها في إبقاء هذه الأنظمة بدلاً من دعم التحول الديمقراطي في الدول العربية، وهي هي اليوم تدفع ثمناً غالياً بموجات الهجرة عبر البحر، وقوارب الموت اليومية التي يصلُ بعضها ويغرق بعضها الآخر، وفي كلتا الحالتين فإن التكلفة تكون مرتفعة.
هذه الموجة من الهجرة الانتحارية وغير الشرعية لا يمكن أن تتوقف، إذا استمرت الأحوال السياسية والاقتصادية في الدول العربية بالتدهور والانهيار، بل إنها مرشحة بالازدياد لا الانحسار، ومواجهة هذه الظاهرة من قبل الدول الغربية لا يتم بتعمد إغراق هذه المراكب، أو تركها وإهمالها في عرض البحر، وإنما بدعم تحول ديمقراطي حقيقي في الدول العربية، وهذا التحول سيؤدي بالضرورة إلى انحسار الفساد، وتحسن الاقتصاد وخلق وظائف وفرص عمل لجيل الشباب، ويؤدي تبعاً لذلك إلى تحسين الأحوال المعيشية، بما يجعل الحياة غالية والمخاطرة بها في قوارب الموت في البحر ليس قراراً سهلاً.