محمد حسنين هيكل.. دفاتر الأزمة.. ومسلسل القاهرة كابول

profile
  • clock 17 أبريل 2021, 10:44:46 م
  • eye 1779
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 كتب الكاتب الصحفي محمد قنديل على صفحته فيس بوك هذا التعليق عن مسلسل القاهرة كابول وبحث الصحفيالنابه في الارشف واخرج لنا هذا المقال الهام للأستاذ محمد حسنين هيكل عن افغانستان والازمة التي حدثت بين القاهرة كابول وهذا نص التعليق لمحمد قنديل ونص المقال الهام للأستاذ محمد حسنين هيكل 

 لمناسبة تزييف التاريخ اللي بيحصل في مسلسلات السنة دي وخصوصاً مسلسل "القاهرة كابول"، الصحفي محمد حسنين هيكل كتب مقال طويل ضمن سلسلة مقالات عن أفغانستان والمجاهدين العرب، بعنوان "واشنطن تؤذن للجهاد في كابول" -نشر في مجلة "وجهات نظر" في العدد 37، الصادر في فبراير 2002، والعدد لسه موجود عندي- سرد فيه قصة هؤلاء المجاهدين وتأسيس جيشهم لمواجهة السوفييت، برعاية المخابرات الأمريكية، وبتمويل سعودي، ودعم مصري لا محدود.

المقصود إن المجاهدين دول كانوا بيخرجوا من مصر  بماركة النظام المصري والجيش والمخابرات وقتها، وكان الإعلام بيزغرط لهم وهم مسافرين يحاربوا الكفر والإلحاد في أفغانستان، والسادات قال وقتها "إننا على استعداد بأسرع ما يمكن لكي نساعد في أفغانستان وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك سواء طلبوا منا المساعدة أو لم يطلبوها".

المسلسل بقى بيصور للمشاهد اللي بيفترض إنه عبيط وبريالة إن المجاهدين دول نبت شيطاني طلع كده في الفراغ الكوني، بدعم المخابرات الأمريكية فقط، دون ذكر الدور المصري السعودي الكبير جداً.. وهنا مقال هيكل كامل للي عايز يقرأ تاريخ:

يقول هيكل في مقاله 

في يوم قادم مع المستقبل سوف تقف الأمة العربية محاسبة، تطلب التحقيق في شأن السياسات التي ساقتها إلى تلك المغامرة على جبال أفغانستان وفي أعماق كهوفها. ومع أني تابعت معظم فصول ومشاهد هذه المغامرة، فإني أوثر الآن أن أترك روايتها لغيري، طلباً لأقصى قدر متاح من الموضوعية، ذلك أنه عندما يتحدث طرف من الأطراف عن مسألة له فيها وجهة نظر، فالخشية دائما أن وجهة نظره تنعكس على رؤيته، وبالتالي على روايته!

ومن حسن الحظ أن هناك وفرة في المصادر الدولية التي تعرضت بالتقصي والبحث في دخائل وخفايا ما جرى على جبال أفغانستان وفي كهوفها وضمنه دور السياسة العربية هناك. وكذلك اخترت أن أستند في هذا الحديث على ثلاثة مصادر بين عشرات غيرها أعرف أن وراءها جهدا دؤوبا، وصلات وثيقة، ومصداقية تقنع أي باحث عن الحقيقة بأنه وجد جوابا لسؤاله كي يبدأ من هنا حقه العام أن يعرف وأن يتخذ لنفسه ولو بالضمير موقفا!

والمصادر التي اخترتها عمادا لهذا الحديث ثلاثة كتب:

1 كتاب “طالبان: الإسلام والنفط والصراع الكبير في وسط آسيا” ومؤلفه عميد الصحفيين الباكستانيين “أحمد رشيد”، وقد ظهر هذا الكتاب ونشر في لندن لأول مرة سنة 2000، ثم أعيد نشره من جديد ثلاث طبعات سنة 2001 (وأعرف أن هذا الكتاب كان أمام الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في نفس الوقت من أواخر شهر سبتمبر الماضي).


2 كتاب: “الحروب غير المقدسة: أفغانستان، أميركا، والإرهاب الدولي”، ومؤلفه الصحفي الأميركي المخضرم “جون كولي” الذي قام بتغطية منطقة الشرق الأوسط سنوات طويلة لكبرى وكالات الأنباء الأميركية ABC، وقد نشر الكتاب لأول مرة عام 1999، وأعيدت طباعته مرة ثانية سنة 2000، ومرة ثالثة سنة 2001.


3 كتاب: “غسيل الواقع” وتلك هي الترجمة الأقرب إلى معنى العنوان الإنجليزيWhite Out)، ) والسطر الثاني من هذا العنوان هو: “وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمخدرات والصحافة”، وقد اشترك في تأليف الكتاب اثنان من نجوم التحقيق بالعمق، أولهما “ألكسندر كوكبيرن” وهو الآن محرر مجلة “ذي نيشن”، وكاتب مجموعة من أكثر الكتب رواجا. والثاني “جيفري سان كلير” وهو صحفي مشهود له في متابعة نشاط أجهزة المخابرات الدولية وقد نشر الكتاب عام 1998 في لندن، وكانت هناك جهود مُلِحَّة نجحت فيما سعت له، ولم يطبع الكتاب في نيويورك كما كان مقدرا.


********

الورقة الأولى:

التحالف ضد “الإلحاد” وأطرافه الأربعة!

تتفق الكتب الثلاثة وعشرات من المصادر غيرها على مجموعة من الحقائق الأساسية تتصل بإدارة الولايات المتحدة لحربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي (وهي الحرب التي بدأت أول الخمسينيات من القرن العشرين، واستراتيجيتها إطلاق الأفكار قبل إطلاق النار، وخطف العقائد والأديان واستخدامها ضد الخصم الشيوعي الأخطر) وهذه المجموعة من الحقائق الأساسية تظهر في مصادرها مترابطة ومتكاملة:


1 إن المخابرات المركزية الأميركية متعاونة مع المخابرات العسكرية الباكستانية، سبقت إلى إدارة عمليات “حرب نفسية”، هدفها إثارة المشاعر المعادية للاتحاد السوفياتي داخل جمهورياته الجنوبية وفيها غالبية إسلامية، مستغلة في ذلك فجوة أو جفوة طبيعية بين النظام السوفياتي “المادي” في فلسفته، وبين الإسلام “الروحاني” في مبادئه، وبالطبع فإن دافع المخابرات الأميركية لم يكن “الحرص على الدعوة أو صدق الإيمان”، وإنما “إقلاق وإزعاج” الاتحاد السوفياتي في أكثر المواقع إثارة للمواجع!


2 إن استعمال أفغانستان قاعدة لإدارة وتوجيه عمليات إقلاق وإزعاج الاتحاد السوفياتي، بدأ على استحياء أوائل الخمسينيات، واشتد في الستينيات، وبلغ الذروة أواخر السبعينيات حين أصبح هدف مجلس الأمن القومي الأميركي وعلى رأسه في ذلك الوقت “زبغنيو بريجنسكي” (مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي) استفزاز الاتحاد السوفياتي بتصعيد النشاط المعادي له في أفغانستان من المستوى النفسي إلى المستوى العملي والوصول في ذلك إلى درجة ترغمه ولو كارها على التدخل عسكريا في أفغانستان، فإذا تحقق ذلك فهذه هي الفرصة لتحويل ذلك البلد إلى فيتنام سوفياتية تؤثر عليه بمقدار ما أثرت فيتنام الأميركية على أصحابها!


3 وكان تقدير “بريجنسكي” كما عرضه على الرئيس جيمي كارتر (وبالاعتماد على روايات كارتر وبريجنسكي قبل أي مصدر غيرهما) أن الولايات المتحدة لا يصح لها أن تظهر علانية في أفغانستان (عندما تتحول إلى فيتنام سوفياتية)، وإنما الأفضل أن تظل بعيدة بمسافة كافية، وأن تترك المعركة للمسلمين يخوضونها باسم “الجهاد الإسلامي” ضد “الإلحاد المادي”. وأهم من ذلك يتكفلون بتمويلها لأن العبء أثقل مما تستطيع وكالة المخابرات المركزية أن تُحَمِّلَه على ميزانيتها، كما أنه أكبر مما يقبل به الكونغرس في الموافقة على اعتمادات لعملية سرية تقدم اليه “مستقلة وحدها”، زيادة على ذلك فإن الذهاب إلى “لجنة الأمن” (المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية) لطلب الموافقة على مبالغ بهذا الحجم يؤدي إلى كشف العملية (لأن الكونغرس “مبني من الفخار”، ما فيه يرشح خارجه)، وذلك يحرج السياسة الأميركية، والإحراج في مثل هذه الحالة خطر؛ لأنه قد يؤدي لتعقيدات دولية من الأفضل تجنبها!


وكان معنى ذلك في تقدير “بريجنسكي” (كما عرضه في مذكرة للرئيس “جيمي كارتر”):

أن الولايات المتحدة لابد لها من ترتيب يُمَكِّنها من “العمل على الأرض”، والصرف على العمل وإدارته تحت إشرافها، دون أن يظهر دليل يثبت عليها شيئا تتورط بسببه في ما لا ضرورة له!


يتداعى من ذلك أن الولايات المتحدة وهي تخوض معركة استنزاف الاتحاد السوفياتي في أفغانستان بـ: “سلاح الجهاد”، عليها أن تجد “وكالة إسلامية” معتمدة تحمل المسؤولية على الأرض وتدفع تكاليف العمل وتتلقى التوجيهات بشأن خططه وتوقيتاتها من الأجهزة الأميركية المعنية.


ومع أن هذه المواصفات لما هو مطلوب أميركيا في أفغانستان بدت شبه المستحيل في معادلاتها فإن “بريجنسكي” عرض تصورات رآها قادرة على شبه المستحيل!


وقد كان في حسابات “بريجنسكي” أن “الوكالة الإسلامية الجهادية” المرغوب فيها والمطلوبة بمواصفاتها قائمة بالفعل وعاملة في الواقع، وكل ما يلزمها الآن: إثارة همتها، وتطوير وسائلها، وتنشيط خططها وتركيز فعلها وتعبئته في إطار “جهاد إسلامي” صريح ومُعلن ضد الاتحاد السوفياتي “الذي اعتدي على ديار الإسلام”!.


********

الورقة الثانية:

توزيع الأدوار في سيناريو “بريجنسكي”

وتجمع الكتب الثلاثة التي يستند اليها هذا الحديث على أن “بريجنسكي” خطا بعد ذلك خطوة في عرض تصوراته على الرئيس “كارتر” وعلى مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض فتقدم باقتراح لتوزيع مسؤوليات “الجهاد الإسلامي” المُبتَغى في مرحلة جديدة على أدوار رئيسية ثلاثة:


أولا: دور ل: باكستان تصبح به “دولة الإسلام الأنقى” قاعدة للعمليات في أفغانستان كما كانت باكستان في مرحلة سابقة قاعدة للعمليات عبر أفغانستان (جسرا إلى الجمهوريات السوفياتية الجنوبية).


وكان تقدير “بريجنسكي” أن “إسلام أباد” مهيأة نفسيا وسياسيا لتطوير عملها في أفغانستان، فهناك مصالح قامت بالفعل وترسخت خلال المرحلة السابقة من العمل في الجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفياتي، وهناك دواع سياسية تغري باكستان بقبول مسؤوليتها في “العمل الجهادي” داخل أفغانستان إذا ضمنت تأييدا إسلاميا أوسع يلتف حولها. والجيش الباكستاني وهو السلطة الأقوى في “دولة الإسلام الأنقى” متحفز. وحتى إذا قامت في “إسلام أباد” حكومة مدنية ترى في قضية “الجهاد” رأيا آخر، فإن المخابرات العسكرية الباكستانية لا تعتبر نفسها ملزمة بطاعة ساسة “إسلام أباد” لأن رأيها فيهم بالغ السوء من كثرة ما تعرفه عن دخائلهم، وإذن فإن تعاون المخابرات العسكرية في باكستان على هذا الأساس مضمون، وذلك المطلوب الأهم.


ثانيا: دور للمملكة العربية السعودية تصطف به المملكة وراء باكستان مباشرة وكان تقدير “بريجنسكي” أن الرياض جاهزة بدليل أن المملكة ساعدت من قبل ولا تزال تساعد في عملية إحراج السوفيات عبر أفغانستان، فإذا أصبح الإحراج “جهادا إسلاميا” داخل أفغانستان ذاتها، فإن المملكة سوف تكون أكثر من مستعدة، خصوصا أن الرياض مهتمة بدور متميز في قيادة العالمين العربي والإسلامي؛ لأن غياب مصر بعد صلحها مع إسرائيل ترك الساحة العربية خالية وبالتالي مهيأة لدور تستطيع المملكة أن تقوم به، فإذا جمعته إلى دورها القيادي في منظمة المؤتمر الإسلامي وزادت عليه وضعها داخل منظمة الدول المصدرة للبترول الأوبك فقد أصبحت المملكة رسميا وفعليا دولة الرجاء والأمل عربيا وإسلاميا. فإذا أضافت الرياض إلى هذه القائمة دعوة جهاد مقدس ضد الإلحاد، فإن ذلك يوفر لها ظروفا مثالية؛ لأنه يعطيها القيادة العربية الإسلامية دون أن يفرض عليها بالضرورة أن تتحمل مسؤولية المواجهة مع إسرائيل، وهي مسؤولية تخشاها وتحاذر يوما أن تجد نفسها وجها لوجه أمامها. وفي ظروف عادية فقد كان شبه مؤكد إذا أصبحت المملكة هي القيادة المُعترف بها في العالم العربي والإسلامي أنه سوف يقع استدعاؤها بهذه الصفة إلى فلسطين، لكنها حين تستبق استدعاء فلسطين بدعوة إلى أفغانستان جهادا من أجل الإسلام فإنها بذلك تضع نفسها في موقف إسلامي يصعب على أحد أن يطلب منها زيادة عليه. وكذلك كان تقدير بريجنسكي، أن السعودية سوف تتحمس.


وثالثا: دور لمصر على أساس أن الرئيس “أنور السادات” يمكن إقناعه أن “يتعاون” حتى يقوي عزيمة باكستان (المنقسمة على نفسها)، ويطمئن وساوس السعودية (وهي حاضرة كل وقت)، وكان ظن “بريجنسكي” أن الرئيس السادات تواق إلى إرضاء الولايات المتحدة التي تملك في حساباته المُعْلَنة 99% من أوراق حل قضية الشرق الأوسط، وهو بمشاعره كاره للسوفيات ومنغمس بالفعل في نشاط معاد لهم في أفريقيا ضمن التنظيم الذي اقترحه الكونت “ألكسندر دي ميرانش” الرئيس الأسطوري للمخابرات الفرنسية وأُطلِقَ عليه وصف “نادي السفاري” (وذلك التنظيم يضم كلا من السعودية وإيران والمغرب ومصر) ويقوم بالفعل بنشاط معاد للسوفيات في القرن الأفريقي (وأيضا في غرب أفريقيا أنغولا والكونجو).


والراجح وذلك تقدير “بريجنسكي” أن السياسة المصرية النشيطة ضد السوفيات في أفريقيا لن تجد مانعا من تحويل نشاطها أو جزء منه إلى أفغانستان، خصوصا أن الرئيس السادات بذلك يسابق الثورة الإسلامية في إيران وهو لا يغفر لها أنها أَسْقَطَت حكم صديقه الشاه “محمد رضا بهلوي” (وفقا لما يقوله ويعلنه!)


وطبقا لكتاب “الحروب غير المقدسة” (صفحة 31)، فإن “زبغنيو بريجنسكي” مستشار الرئيس الأميركي “جيمي كارتر” لشؤون الأمن القومي كان جالسا أمام الرئيس السادات يوم 3 يناير 1980، ينقل له رسالة من “جيمي كارتر” تدعو “مصر الإسلامية” أن تقوم بدور في “جهاد إسلامي” ضد الإلحاد السوفياتي الذي غزا بجيوشه بلدا إسلاميا.


وطبقا لتعبير “بريجنسكي” فإن الدعوة التي حملها للرئيس المصري طلبت اليه أن “يدخل في الفريق” الجهادي الإسلامي في أفغانستان (Join The Team)، وكانت الحجج التي عرضها لإقناع الرئيس السادات:


1 “إن مصر بمكانتها الخاصة في العالم الإسلامي مؤهلة لدور في الدفاع عن العقيدة الإسلامية”!


2 “إنه لا يصح ترك “شعارات الإسلام العظيمة” يحتكرها “آية الله الخميني” لنفسه أو للإسلام الشيعي”!


3 “إن دخول مصر في هذا “العمل الجهادي” يعطي الرئيس السادات نفوذا أوسع في المنطقة إزاء أطراف عربية تعارض سياسته في السلام مع إسرائيل، ومنها سوريا والعراق وليبيا”.


4 “إن قيام الرئيس السادات بدور في “الجهاد الإسلامي” يرد بشدة على أولئك الذين يتهمونه “بالتفريط” في فلسطين، ويهيئ له قاعدة إسلامية أوسع من “الحيز المحدود” لدول الجامعة العربية”.


5 “إن مصر تملك مؤهلات تيسر لها العمل في أفغانستان بينها أنها بلد الأزهر الذي يقبل المسلمون مرجعيته، كما أنها موطن جماعة الإخوان المسلمين التي تأثرت بها أو تفرعت منها جماعات إسلامية عاملة في باكستان وأفغانستان، والرئيس السادات كرئيس لمصر يملك سلطانا على الأزهر، وكسياسي فهو يحتفظ بعلاقات طيبة مع بعض زعماء الإخوان، وبرغم حساسيات (يعرف بها بريجنسكي)، فإن ميدان الجهاد الإسلامي يستطيع جمع السلطة المصرية، والأزهر، والإخوان المسلمين على عمل مشترك يواجه شرور الإلحاد من ناحية، ومن ناحية أخرى تذوب به حساسيات مع الإسلام السياسي مترسبة من ظروف سابقة أو تلين معه مفاصل في العلاقات بين الطرفين متصلبة في الوقت الراهن”!


6 “إن مصر لن تتكلف شيئا لأن الولايات المتحدة سوف تنشئ صندوقا خاصا للجهاد في أفغانستان تشارك بنفسها في تمويله وتدعو للمشاركة عددا من دول الخليج، أولها المملكة العربية السعودية. وهو يحمل رسالة حول هذا الموضوع من الرئيس “كارتر” إلى الملك والأمراء في السعودية، وهو (بريجنسكي) على ثقة بأن المملكة سوف تستجيب سياسيا وماليا”!


7 “إن مصر تستطيع أن تستفيد “بأكثر من أجر الجهاد وثوابه”؛ لأن الجهاد في أفغانستان يضمن عقودا سخية للصناعات العسكرية المصرية؛ لأن ذلك الجهاد بالذات! يلزمه سلاح سوفياتي الصنع والنوع”.

(وكان “بريجنسكي” يقصد بذلك إغراء الرئيس “السادات” بأن “الجهاد الإسلامي” سوف يحتاج أن يشتري من مصر أسلحة سوفياتية الصنع لم تعد تريدها، أو أسلحة سوفياتية النوع قامت بتصنيعها في منشآتها (الصناعات الحربية)، ولا تجد مشتريا لها، لأن المنطقة تشهد تحولا ظاهرا إلى الأسلحة الأميركية!).


8 وكان الختام في حجج “بريجنسكي” كالمعتاد “أن مشاركة مصر في “الجهاد الإسلامي” ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان تساعد الرئيس “كارتر” على مواجهة أصدقاء إسرائيل في الكونغرس لأنها ترد على دعايات يقوم بها “مناحم بيغن” (رئيس وزراء إسرائيل وقتها) تزعم “أن مصر ليست صديقا للولايات المتحدة إلا بمقدار ما تريد منها أن تضغط على إسرائيل” وتلك حجة سوف تبطل عندما يظهر أن مصر على رأس التصدي الإسلامي للسوفيات في أفغانستان”.


وتجمع الكتب الثلاثة (وغيرها من المصادر وضمنها مذكرات بريجنسكي نفسه) أن “بريجنسكي” خرج من مصر متوجها إلى السعودية وقد وجد نفسه رسولا مكلفا من الرئيس “السادات” (أيضا)، إلى جانب تكليفه من الرئيس “كارتر”، لأن الرئيس المصري خوله إبلاغ الملك وولي العهد ووزير الدفاع في السعودية عندما يلقاهم أن ينقل اليهم رسالة إضافية منه مؤداها أنه “جاهز ومستعد للعمل، والتعاون معهم (اليوم قبل غد) في عمل جهادي ضد الإلحاد!


********



ومن مفارقات السياسة المصرية أن أحد الرجال الظاهرين في صفوف ثوار 23 يوليو وهو السيد “مجدي حسنين” الذي أشرف على أول مشروع كبير لاستصلاح أراضي الصحراء في مصر باسم مديرية التحرير وقد أصبح بعد ذلك سفيرا في تشيكوسلوفاكيا بعث إلى “جمال عبد الناصر” مذكرة شهيرة حول الفوائد المحتملة “للإلحاد في العالم الشيوعي”!


وكان رأي “مجدي حسنين” في مذكرة بخط يده إلى “جمال عبد الناصر”: “أن وجود الاتحاد السوفياتي (وبقية حلفائه) بغير دين أي ملحدين باب مفتوح لدعوة تقنعهم بالإسلام، باعتبار أن وجودهم بلا دين يجعلهم أكثر تقبلا من آخرين لهم دين ورثوه ويتمسكون به. وكانت رؤية “مجدي حسنين” أن “الإلحاد الشيوعي” “منطقة محايدة” إيمانيا، وبالتالي فإن الدعوة للإسلام فيها ممكنة.


وفي ختام مذكرته، قال “مجدي حسنين”: “تصور يا سيادة الرئيس لو أن الاتحاد السوفياتي والصين وشعوب الكتلة الشرقية دخلت الإسلام وقتها لن تصبح إسرائيل مشكلة ولا حتى أميركا وبريطانيا”!


وقد قرأ “جمال عبد الناصر” هذه المذكرة، ثم كتب على هامشها بخط يده تأشيرة موجهة إلى المشير “عبد الحكيم عامر” نصها بالحرف:

“حكيم

اتصل بمجدي واطلب منه أن يكف عن هذه الخزعبلات”!

جمال


وفي الحقيقة فإن هؤلاء الذين وجدوا في “الإلحاد” فرصة سانحة لدعوة الإسلام في منطقة محايدة إيمانيا لم يكونوا أكثر شططا من الذين وجدوا في الإلحاد فرصة سانحة للجهاد باسم الإسلام بمقتضى فتوى من “زبغنيو بريجنسكي”!


********

الورقة الثالثة:

توزيع الاختصاصات على أطراف التحالف

يوم 5 يناير1980 كان “زبغنيو بريجنسكي” في السعودية، ومع أن الملك “خالد” كان لا يزال رسميا على العرش، إلا أن السلطة انتقلت منه إلى ولي العهد الأمير “فهد” (الذي كان حريصا على أن يكون انتقال السلطة الفعلي اليه محسوسا على المستوى الرسمي أيضا، ولعله من هنا كان يتعمد في كل الاحتفالات والاجتماعات العامة التي يحضرها مع الملك أن يكون وصوله لاحقا لوصول الآخرين، وحتي يقوم الجميع وفيهم الملك ليصافحوا ولي العهد بما يؤكد أنه الرجل القوي في النظام فعليا!)


والذي حدث (وهو المتوقع) أن الملك “خالد” أحال ضيفه إلى أخيه الأمير “فهد”، وقد أبدى الملك لبريجنسكي قبوله للمبدأ؛ من منطق أن العمل الإسلامي ضد الاتحاد السوفياتي ومن أفغانستان كان موضع اتفاق سابق معتمد من الملك فيصل. والآن وقد تحول الأمر إلى جهاد مقدس في أفغانستان ذاتها فإن تعاون المملكة طبيعي ومؤكد، وأما التفاصيل المستجدة فهي “عند ولي العهد”.


وأبدى الأمير “فهد” رضاه عندما سمع من “بريجنسكي” أن الرئيس “السادات” تعهد بوضع الثقل المصري بكامله وراء السعودية في “ساحة الجهاد”، على أن ولي العهد لم يكن يريد قصر دور المملكة على تقديم المال فقط، وإنما كان يريد لها دورا أكبر في الجهاد. وكان رأيه وأَيَّدَه فيه بعض إخوته وبالذات الأمير “سلطان” أن إدارة الجهاد ينبغي أن تكون للمملكة، وقيادته من فوق أرضها، وبعد ذلك تكون ترتيبات التنفيذ كما هو “مناسب”!


وفي الترتيب العملي فإن ذلك اقتضى الاتفاق على خطوط سياسية عريضة:


1 التمويل مشترك وبالتساوي بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية عن طريق صندوق دوار، يتأسس في “جنيف” بمبلغ قدره ألف مليون دولار تتجدد تلقائيا بمقدار ما يصرف منه.


2 والجهات المكلفة بالإشراف على التنفيذ من الجانب الأميركي وكالة المخابرات المركزية (وفيها الأميرال ستانسفيلد تيرنر في ذلك الوقت)، ومن الجانب السعودي: هيئة المخابرات العامة (وفيها الأمير “تركي بن فيصل” الذي جاء إلى هذا المنصب خلفا لخاله السيد “كمال أدهم” مؤسس الهيئة.)


3 التوجيهات والاتصالات السياسية مع قيادات الجهاد الإسلامي من اختصاص المملكة تجنبا للحرج، مع العلم بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية لها مكتب معروف في “بيشاور”. ومع أن الجيل الأول من الزعماء الأفغان الكبار مثل رباني حكمتيار مسعود، (على اختلاف ما بينهم) تعاملوا من البداية مع وكالة المخابرات المركزية حينما كان نشاطهم داخل الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفياتي فإنهم الآن والميدان على أرض بلادهم يفضلون أن يكون التعامل مع السعودية “لتكون الوسائط إسلامية”!

(ومن غرائب ما حدث باسم الإسلام في تلك الفترة على حد رواية عميد الصحفيين الباكستانيين أن زعماء القبائل والمليشيات الأفغانية الذين جرى اعتمادهم قادة للجهاد، وقع تنصيبهم “للحرب المقدسة” بإجراءات اقترحها أحد “الخبراء” (من مستشرقي وكالة المخابرات المركزية على الأرجح)، وكانت مراسم هذه الإجراءات تقضي بأن يُفتح باب الكعبة للقائد المرشح، ثم يدخل الرجل منه إلى قدس الأقداس، فيؤدي الصلاة أمام كل جدار من جدران الكعبة، باعتبار أن كل ناحية من داخل الكعبة “قِبْلة”، ثم يخرج الرجل وقد وقع ترسيمه “أميرا” للجهاد ضد الإلحاد!)


4 تختص مصر بتوريد الأسلحة والمعدات والذخائر مما لديها (من أسلحة سوفياتية: سوفياتية الصنع وسوفياتية النوع)، وعليها أيضا أن توفر للجهاد الإسلامي دعما دينيا وسياسيا وإعلاميا، وفي إطار ذلك المطلب فإن بعضا من أهم المؤسسات الدينية في مصر صدرت لها التعلىمات بأن تتقدم باجتهادات وفتاوى تؤيد وتزكي أسبقية الجهاد ضد الإلحاد، كما أن بعض وسائل الإعلام الشهيرة فتحت أبوابا ثابتة تدعو للجهاد في أفغانستان وتجمع الأموال له.


وفي تلك الأوقات كان التقدير المشترك للطرفين الأميركي والسعودي أن دخول مصر “بثقلها” إلى ساحة “الجهاد الإسلامي” في أفغانستان سوف يشجع عناصر قومية وإسلامية شديدة الإخلاص لمعتقداتها على أن تهرع إلى الساحة. وبحيث يظهر فعلا أن هناك أهدافا عربية وإسلامية تستحق العزم والبذل، وأن العمل في سبيلها ثواب يُسعى اليه تقربا وزلفى!


ويروي “جون كولي” في كتابه: “حروب غير مقدسة” (الفصل الثاني من صفحة 92 إلى صفحة 34 وعنوان الفصل كله: أنور السادات) أن الرئيس “السادات” كلف نائب الرئيس “حسني مبارك” وهو المسؤول وقتها عن أجهزة الأمن الداخلي والخارجي، بالإشراف على المجهود المصري في “الجهاد الأفغاني”. (لكن “مبارك” لم يلبث إلا شهورا حتى ترك المهمة وأحالها إلى المشير “عبد الحليم أبو غزالة”، وبدوره أحالها المشير أبو غزالة إلى غيره).


ثم يعود “جون كولي” ليقول (ص32)، إنه بعد أيام من لقاء الرئيس “السادات” مع “زبغنيو بريجنسكي” في يناير 1980 أعطى الرئيس المصري إذنا باستعمال مطار “قنا العسكري” قاعدة للتخزين والتشوين لخدمة “العمل الجهادي” في أفغانستان، وكانت طائرات الشحن الأميركية العملاقة تهبط في هذا المطار كل مساء ويجري تحميلها بالأسلحة والذخائر لكي تطير قبل منتصف الليل، وتهبط قبل الفجر في المطارات العسكرية الباكستانية. وفي بعض المرات كان هناك “أفراد” مصريون يصحبون هذه الشحنات لإتمام إجراءات التسليم والتسلم، كما أن ميناء “بورسعيد” تحول إلى قاعدة خلفية للتخزين والشحن إلى “كاراتشي”.


وكانت الشحنات من مصر بالدرجة الأولى أسلحة وذخائر ومعدات سوفياتية الصنع أو سوفياتية النوع ويقول “جون كولي”:


“إن المخازن العسكرية المصرية كلها أفرغت ما كان فيها من أسلحة، بعضها مما كان مستخدما في الجيش المصري وجرى الاستغناء عنه، وبعضها ما أنتجته المصانع العسكرية المصرية وفيها مصنع في حلوان وهو الذي جرى تعديل بعض آلاته لكي ينتج رشاشات سوفياتية التصميم”.


وابتداءً من ربيع 1980 وبعده فصول متوالية إثر فصول: كانت الحركة على الجسر الجوي بين مطار “قنا” العسكري وبين مطار “بيشاور العسكري” وبين بورسعيد وكاراتشي فيضا يتدفق ليلا ونهارا ودون توقف!


وفيما يظهر في عدد من الروايات فإن بعض حماسة الإدارة المصرية في شحن الأسلحة إلى الجهاد الأفغاني، كان دافعها الرغبة في التخلص من السلاح السوفياتي؛ لأن تغير الأحوال قضى أن يكون تسليح الجيش المصري أميركيا يعتمد على مساعدة عسكرية أميركية ملحقة باتفاقية كامب دافيد، وبمقتضاها يجري تخصيص مبلغ 1،1 بليون دولار سنويا لمشتريات سلاح أميركي يُتفق عليه.


ومن المفارقات أن السلاح الأميركي الوحيد الذي وصل إلى أيدي المجاهدين في أفغانستان هو الصاروخ المتقدم ضد الطائرات من طراز “ستنغر”، وقد “باعت” منه وزارة الدفاع الأميركية إلى صندوق الجهاد الإسلامي في أفغانستان 900 صاروخ ثم راجت شائعات بأن مجموعة من هذه الصواريخ وقعت في يد إيران أو على الأقل معروضة عليها للبيع. وسارعت وكالة المخابرات المركزية تشتري من قادة الجهاد ما وصل إلى أيدي رجالهم من صواريخ “ستنغر”، وكانت الوكالة الآن تطلب استعادة كل صاروخ منها بما يوازي خمس مرات سعر بيعه الأصلي. وتمكنت الوكالة من استعادة 260 صاروخا، وما بقي منها في ساحة الجهاد بعد ذلك جرى اعتباره مفقودا مع تعهدات من القادة بأنه إذا ظهر من هذه الصواريخ شيء، فالاستعداد لشرائها وبالسعر الأعلى ما زال قائما، والظاهر أن إيران كانت قد حصلت بالفعل على بضع عشرات من صواريخ “ستنغر”، والراجح في “أسواق السلاح” أنها قامت بتصنيع نموذج إيراني له، دخل إلى الخدمة العاملة في قوات الحرس الثوري!


وفي أول أبريل 1980 أعلن الرئيس “السادات” في حديث صحفي نشرته وسائل الإعلام في مصر ما يمكن اعتباره “قرارا رسميا بالتدخل في أفغانستان” وكان نص ما قاله الرئيس “السادات” في ذلك الصدد:


“إننا على استعداد بأسرع ما يمكن لكي نساعد في أفغانستان وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك سواء طلبوا منا المساعدة أو لم يطلبوها”.


وحين سُئِلَ متحدث رسمي من إدارة الاستعلامات المصرية عن تصريح الرئيس “السادات”، وهل تتضمن مساعدته لمجاهدي أفغانستان شحنات أسلحة؟ كان رده “بالإيجاب”. ثم أضاف: “إن ما سوف نعطيه لإخواننا من الأسلحة هو بعض ما كان عندنا ولم نعد في حاجة اليه وذلك أبسط واجب نؤديه نحو إخواننا في الإسلام”.


وقد أدى “هذا الواجب البسيط نحو إخواننا في الإسلام” إلى خلط شديد لحق بالخطاب الإسلامي في مصر ولم يُحسن اليه ولا صان مكانته.


والشاهد أن الإسلام عرف دائما أربعة ألوان من الخطاب الديني:


- خطاب تقليدي (يمثله الأزهر ودار الإفتاء).


- وخطاب تجديدي (حمل لواءه مجتهدون كبار ابتداءً من الإمام “محمد عبده” إلى العلاَّمة “حسين فضل الله”).


- وخطاب شعبي (تمثل مرات في نشاط الطرق الصوفية ومرات في جماعات مثل الأخوان المسلمين، خصوصا في سنوات نشأتها الأولي).


- وخطاب وطني (نموذجه الأصدق نضال “حزب الله” بقيادة السيد حسن نصر الله لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي).


وفي الظروف المستجدة مع الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي فقد امتلأت الساحة بأنواع طارئة من الخطاب الإسلامي، فيها:


- الخطاب الدعائي: يُحَرِّضْ على القتال في أفغانستان غافلا أو عارفا ! أنه (تحت توجيه وإشراف قيادة وكالة المخابرات المركزية الأميركية).

التعليقات (0)