مجدي الحداد يكتب :رمضانيات ( 5 )

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 30 أبريل 2021, 12:42:22 ص
  • eye 835
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نواصل اليوم بحول الله الحقلة الخامسة من هذه السلسلة ، وسوف تكون اليوم عن إجتهادات حول كلمة وردت في سورة الضحى ، وأخرى مناظرة لها ،

 أو بالأحرى مشتقة منها ، أي بمثابة إشتقاق من الأولى ، وقد وردت في سورة الشعراء ، والله ورسوله أعلم .

وهذه الكلمة قد وردت في قوله تعال : " مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " [ الضحى : 3 ]

وسبحان الله ، فقمة الإعجاز البياني ، واللغوي والبلاغي ؛ ومن ذلك الطباق ــ الجمع بين لفظين متضادين في المعنى ــ قد وردوا جميعا في هذه الآية الكريمة ، والله ورسوله أعلم .

فكلمة "وداع" ذاتها تتعلق بوداع من تحب متمنيا في نفسك فيما لو لم يغادرك أبدا ، أو لو غادر أن لا يطول غيابه عنك ، وإن طال غيابه فلسوف تجد في ذلك الكثير ،

 أو بالأحرى خليط من التتيم والوجد والشجن والشغف والكِلف وغيره .. ولذا قال تعال : " ما ودعك ربك " والله ورسوله أعلم .

أما كلمة قلى فهي وداع أيضا ولكن مرجعه وسببه شدة البغض والكره . فقد تتركك رفيقا أو زميلا أو صديقا لك وتهجره لأنك تكره منه أشياء كثيرة ، 

وأن ضرره أكثر من نفعة ، بل قد لا يأتي ولا يتأتى منه أية نفع ، كما لا يرجى منه أية خير على الإطلاق .

 وأن مجرد إستمرار تواصله معك أو حتى معرفتك به لا يعود عليك إلا بالضرر ،

 فأنت في هذه الحاله عندما تتركه أو تهجره ، أو حتى تترك المكان أو البلد التي تجمعك به ، فأنت حينئذ لا تودعه ولكن تقليه ؛ أي تغادر وتترك شخصا كراهة له وليس حبا فيه .

وهنا يبرز جمال اللغة العظيمة ؛ لغتنا العربية ، ويتبدى في ذات الوقت الجمال البياني والإعجاز اللغوي وفي آية واحدة من القرآن الكريم ــ ونطلق عليها قصار السور ، 

ونرجو من يأتم بنا أن يقرأ بها حتى لا يطيل ــ والذي نزل في قوم يتحداهم في أفضل ما يملكون وما لديهم من مواهب وهي موهبة الشعر ؛

 والشعر الجاهلي بالذات ، والذي برعت فيه العرب دونما أية قومية أخرى أو إمبراطورية أخرى في العالم بل وحتى في التاريخ .

 حتى أن العرب من كثرة إتزازهم بإنتاجهم الأدبي من الشعر ــ وفي ذلك العصر الجاهلي كما أسلفنا ــ فإنهم كانوا يعلقونه بالكعبة المشرفة ، ولذا فقد سمي هذا النوع من الشعر بالمعلقات .

وعندما برعت العرب إذن تاريخيا ، وعلى مستوى العالم ، وإلى الآن ، في مجال الشعر والنثر والبلاغة والبيان ، 

وخاصة في العصر الجاهلي ، فنزل القرآن الكريم يتحداهم في هذا كله ــ بجانب أوجه عديدة لإعجازات ومعجزات أخرى علمية وفلكية وجيولوجية وطبية وغيرها ــ والله ورسوله أعلم .

وقد وردت كلمة قلى إذن في القرآن الكريم كله في موضعين إثنثن فقط ، و في سورتين مختلفتين . 

وحيث وردت مرة أخرى في سورة الشعراء ــ ولكن كإشتقاق من الجذر " قلى " ، والله ورسوله أعلم ــ وذلك في قوله تعال : " قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ [ الشعراء :168 ] 

وهو قول سيدنا لوط ، عليه السلام لقومه ، إني لعملكم  الذي تعملونه من إتيان الذكران لمن القالين ؛ أي الكارهين والمبغضين .

ولم لم يقل إذن سبحانه وتعال : إني لعملكم من الكارهين ، أو المبغضين ..؟! ، وذلك لأن القالين هنا هي إعلى درجات الكراهية أو البغض ــ 

وهذا يحيلنا إلى الحلقة رقم 3 من رمضانيات ؛ والتي كانت بشأن المترادفات في القرآن الكريم ... ــ والله ورسوله أعلم . 

وعندما نتأمل مرة أخرى قوله تعال : " مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " ، وفي ضؤ ما سبق ذكره ، قد يتبين لنا إذن مدى الجمال والإعجاز اللغوى والبياني والبلاغي معا في كتاب الله العظيم ؛

 القرآن الكريم ، وذلك في آية واحدة من سورة قصيرة ؛ وهي سورة الضحى .

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إلاه إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .

التعليقات (0)