- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
مجدي الحداد يكتب : دولة الأرهاب و دولة المواطنة
مجدي الحداد يكتب : دولة الأرهاب و دولة المواطنة
- 14 يونيو 2021, 3:52:45 م
- 1221
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الإرهاب ..؟!
بداية أشعر بوجود خطأ إجرائي في طرح السؤال على هذا النحو عاليه ، فقبل أن نعرف ما هو الإرهاب يجب أولا ، وفي ظني ، أن نعرف أو نحدد أولا ؛ ما هو الذي أخطر من الأرهاب ، ثم ندلف بعدئذ بإعادة تعريف المعرف ــ وذلك حتى لا نقع ، ووفق قناعتي المتواضعة ، في مثل ذلك الخطأ ــ و الذي هو الإستهلال بتعريف ؛ " الإرهاب " .
ما هو إذن الذي هو أخطر من الإرهاب ..؟!
الأخطر من الأرهاب باختصار هو الإدعاء بوجود إرهاب . ومن ثم دعم هذا الإدعاء بخلق أو إختلاق حالة عملية من الإرهاب ، ومحاولة إلصاق ما تمخضت عنه تلك الحالة بخصوم سياسيين للخلاص منهم من ناحية ، واتخاذ إجراءات وتدابير أخرى متشددة ظاهرها الإدعاء بردع الإرهاب ، أو إجتثاثه أو تجفيفه من المنبع كما يقولون ، وباطنها والغرض النهائي أو الحقيقي منها هو تمكين النظام أكثر وأكثر من التفرد بالحكم والسلطة ، بله الحكم المطلق ، ومهما كان الثمن ــ أي وبكلمات أخرى ؛ إجراءات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، ومزيد من التسلط ، والإجراءات والقوانيني الإستثنائية ، والتي الغرض منها وكما أسلفنا الحكم المطلق ، بحيث لايسأل ولا يسائل الحاكم أمام أي جهة رقابية ــ وداخلية خاصة ، بطبيعة الحال ــ حتى ولو كانت برلمانية ، ومهما خان وفرط وباع حتى ما لايمكن بيعه سواء بالجملة أو التجزئة أو القطاعي كما يقولون ، من ناحية أخرى . و يتزامن مع كل ذلك ، وبالتوازي معه ، خلق أو صنع إعلامي مواز مدرب جيدا على تبرير كل ما يقومة به الحاكم منة خسة ودناءه حتى ولو باع البلد الذي يحكمه قطعة قطعة ، وفرط حتى في ثرواته ومصدر مياهها الوحيد تقريبا .
والأخطر من الإرهاب أيضا أن يكون بإمكانك أن تحول دون وقوعه ــ وذلك في حال تقدير قياس وإحتمال وقوعه بنسبة ثقة إحصائية عالية ــ باستخدام معامل الثقة مثلا ، وغيره ــ أو حتى معقولة ومقبولة ــ ومع ذلك فإنك لا تحرك ساكنا بله عن النفخ في نار إشتعاله وحتى تفاقم حريقه ..!
الأخطر من الأرهاب أن تكون أنت في حقيقة الأمر الحاضنة الرئيسية ، وربما الوحيدة أيضا له في السر ، وتدعي في العلن مقاومتك وتجنيد كل ثروات وطاقات ومالية وميزانية ودخل الدولة وقوتها الغشمة في مكافحته ، بينما هو من صنعك أنت أصلا ..!
الأخطر من الأرهاب الإدعاء بأنك حمل وديع ، يدعى السذاجة الممزوجة بالخبل مع الهبل على العبط والطيبة أمام الكاميرات والمذيعين والمذيعات اللائي يتلقون أو يتلقين كافة التعليمات والأسئلة وربما حتى الإجابة عليها عبر السامسونج ، بينما أنت المحرض الرئيسي على كل فسق وفتنة وانقسام وحتى شرخ داخل المجتمع الواحد ، بل أيضا ومن يكرس كل ذلك .
الأخطر من الإرهاب أن تعرف علاجه ونجاعة كفاحه ، ومع ذلك تتركه حتي يستشري في جسد أو جدار الوطن المريض كي ينال منه ويقتله ، على أمل أن يسهل ذلك أن تورث الحكم لأبنك من بعدك ، وبعد التذلل لأولي الأمر والنهي من أهل البيت ــ الأبيض طبعا ..!
الأخطر من الأرهاب أن تمعن في قتل ابناء البلد ، وتسترخص كما تستسهل ذلك لتبرئة ساحتك وساحة نظامك وحتى أبنك من تهم قتل أجانب كريجيني مثلا ، وأن البلد وشعب هذا البلد هو من يدفع الثمن سواء من دماء أبناءه ــ كالخمسة مصريين تقريبا الذين تم تصفيتهم بدم بارد على أنهم قتلة ريجيني ، ولم يعترف كما لم يقتنع لا القضاء الإيطالي ولا الحكومة الإيطالية ، ولا حتى غيرهم بأن هؤلاء الخمسة هم قتلة ريجيني ؛ فهل تم محاكمة أو حتى مسائلة من قتلهم ..؟! ــ أو من أموال وثروات هذا الشعب وذلك في شكل تعويضات مالية طائلة مخصومه من رصيدهم الحالي أو الآجل ، أو الإثنثن معا ، أو في شكل قروض لشراء اسلحة تعدى ثمنها المليار ، وفوائدها الآجلة عدة أضعاف قيمة القرض تقريبا ، وخاصة في حالة التأخر فقط عن سداد فوائد القروض ــ وليعاذ بالله ــ لأي سبب كان وليس أحد في حاجة إليها ، أو في تسهيلات تصل لحد التنازل عن حقوق غاز أخرى في المتوسط لشركة إيني الإيطالية ؛ كحقل ظهر مثلا ــ علما بإننا بُشرنا بعدئذ بعصر ومغرب وربما حتى عشاء ، ولكن يبدو إنها وقفت عند ظهر فقط لتصريف الغاز الإسرائيلي الذي فرض علينا بحوالي 20 مليار دولار بموجب عقد يمتد لعدد محدود من السنوات وبأعلى حتى من الأسعار العالمية، مع إنه في الأصل غازنا نحن وحقولنا نحن ، وذلك في الوقت الذي تظاهر فيه الشعب الأردني معترضا أو مناديا حكومته بوقف إستيراد الغاز من إسرائيل بعد الإعتداء الأخير على الأقصى ، بينما قلب العروبة " النابض " والأمة العربية ، والشقيقة الكبرى ، وما إلى ذلك ، قمع نظامك وعسسك وأجهزتك شعبها من أن يتظاهر سلميا في الشوارع كسائر شعوب العالم الحية ، وبما في ذلك شعب دولة الكيان ذاته ، إحتجاجا على تدنيس قطعان مستوطني الكيان المتطرفين اليمينيين للقدس والأقصى الشريفين ..! ــ وهذا في الحقيقة درب أخر من دروب ما هو أخطر من الإرهاب .
وما هو إذن الإرهاب ..؟!
الإرهاب تعريفاته كثيرة ومتعددة ومتنوعة و متشعبه ، ولكننا سنختار أو سننطرق ، كما سنكتفى هنا فقط ، وللإختصار أيضا ، بتعريف واحد فقط ، ولعله أهمهم وأشملهم ، وحيث يتفرع عنه تعريفات وتنويعات أخرى متعددة ، وهو تعريف الإرهاب تبعا ، أو طبقا ، للقائم به .
فقد يقوم بالإرهاب فرد ، أو جماعة ، أو حتى حزب سياسي مؤدلج ، أو دولة . وأعتقد هنا أيضا أن كل تلك التعريفات والمتعلقة بهذا النوع من الإرهاب قد تكون معلومة بالضرورة للعديدين منا ، ولذا سأركز فقط على إرهاب الدولة ، وحيث أرى إنه هو أخطر أنواع الإرهاب على الإطلاق ــ وبعيدا بطبيعة الحال عن تبني نظرية المؤامرة ؛ مع إنها موجودة طوال الوقت ، وعلى حد قول الراحل محمد حسنين هيكل .
لماذا إذن إرهاب الدولة هو اخطر أنواع الإرهاب على الإطلاق ..؟!
قبل أن نجيب على هذا السؤال ينبغي أن نعرف أولا ماهو إرهاب الدولة ..؟!
إرهاب الدولة هو ببساطة الأرهاب الذي تصنعه ، أو " تفرخه " ، أو تصطنعه ، أو ترعاه وتشجعه وتموله وتدعمه وتحث وتدعو له كما تحرض عليه الدولة .
ووجه ، ومكمن الخطورة هنا ، وباختصار أيضا ، أن كل من يقوم به من البسطاء ــ والمقصود هنا " المبرمجين " حرفيا لأداء أو ارتكاب كل ما يطلب منهم ــ يعتقد عن إيمان جازم ، وعقيدة ثابته لا تتزعزع ، بإنه عندما يقوم بذلك فإنما يقوم ، كما يقدم عمل ودور عظيم لوطنه يجب أن يثاب عليه كما يجب أن يقف كل أبناء الوطن إجلالا وإحتراما له . وقد يذكرنا ذلك حرفيا برواية قديمة لأجاثا كريستي ، تحولت لفيلم فيما بعد بعنوان ؛ " قطار الشرق السريع " ، حيث يشترك كل ركاب وحتى مقدم الطعام والمشروبات في القطار ، في قتل شخص واحد ، وحيث بعدما مات تقريبا من كثرة الطعنات جاء الخادم بعدئذ ليطعنه طعنة أخرى قائلا : " وهذه لسيدي " ــ على ما أتذكر . وربما قد أُعلنت أو دُشنت تلك العقيدة عمليا عندما قال الحكام ذات يوم ، ما مفاده ؛ " إنه لا يخشى من الخارج قدر خشيته من الداخل " ..!