- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
مجدي الحداد :غذاء الروح
نواصل اليوم ، وبحول الله ، الحلقة الرابعة ، من إجتهادات ، حول معاني عديدة في الحياة الدنيا .
عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * كما رواه ابن ماجه في سننه .
ويمكن لنا أن ننتقل من هذا المستوى السابق الذكر عاليه إلى مستوى أخر موازى ، أي من باب الغذاء المادي للجسد إلى حاجة ذات الجسد إلى الغذاء الروحي وبدرجات مختلفة ، ولكن على نفس المنوال الثلاثي التقسيم .
ولا غنى طبعا عن الغذاء لبقاء الإنسان حيا ، ولكن في ضؤ ما أشار إليه الحديث الشريف . ويعد إذن مكملا لهذا ــ وليس مناقدا ، أو متعارضا معه ، وليعاذ بالله ــ تقسيم ثلاثي أخر ، وذلك بالنسبة للفرد الواحد أيضا ، وهو الجسد والنفس والروح .
وإذا تأملنا حياتنا الدنيا ، وكذا أنفسنا ، سوف نجد هذا التقسيم الثلاثي موجود أيضا على مستوى الفرد الواحد ولكن بدرجات مختلفة . و تتباين وتختلف تلك الدرجات من شخص إلى أخر بطبيعة الحال ، حيث لايمكننا أن نجد أثنين من خلق الله يتشابهان أو يتماثلان أو يتساويان ، وبنفس القدر في هذا التوزيع والتنويع الثلاثي ، وكما سنوضح لاحقا .
فجسد الإنسان هو في حقيقة الأمر بمثابة وعاء للروح والنفس ، وكل جوارحه ما هي إذن إلا بمثابة أدوات تأتمر بأوامر الوعاء ــ إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، ما عاذ الله .
فهل من المنطق أو العقل بمكان أن نهتم في حياتنا العادية مثلا بطبق الطعام أكثر من الطعام ذاته . كأن لا نلتفت لأي طعام مثلا ونهتم بتذويق الطبق وجودة مادته ، ثم حفظه ، أو وضعه في " النيش " كقطعة ديكور يخشى الإقتراب منها خشية الإتلاف ، ومن ثم إستحالة أن تجد مثيلا لها في أسواق اليوم . ثم نباهي بعضنا البعض بما لدينا من أوعية ، وبغض الطرف هنا إذا كان هناك طعام أصلا أم لا ..؟!
وحتى في حالة وجود طعام ؛ فهل من المنطق والعقل بمكان أيضا أن نظل متمسكين بجودة الطبق وإعطاء أهمية ، وأولوية قصوى عن جودة الطعام ذاته ..؟!
في الحقيقة كلنا ، أو وعلى نحو أدق ؛ جلنا ــ إلا من رحم ربي ــ واقعين ، بل منغمسين وغارقين حتى شحمة أذنينا في فخ الوعاء ؛ الجسد عن اي شيء أخر ؛ حتى ولو كانت النفس أو الروح ؛ أو الجانب الروحي في حياتنا الدنيا . فنحن نهتم بمظهرنا وشكلنا الخارجي مثلا أكثر مما نهتم بمظهرنا و شكلنا الداخلي حتى في خلوتنا بيننا وبين أنفسنا . نهتم بطعامنا وملابسنا وشكلنا الخارجي أكثر من إهتمامنا من الجانب الروحي .
فالرسل والأنبياء ، صلوات وسلام الله عليهم جميعا ، قد يعلو لديهم الجانب الروحي والنفسي عن الوعاء أو الجانب الجسدي .
والمتصوفة قد تعلو النفس لديهم والروح قليلا عن الجانب الجسدي ، ولكنهم ، وبطبيعة الحال ، في مرحلة دنيا بالنسبة للرسل والمرسلين ، لكن في مرحل أعلى من الناس العاديين .
أما من يعلو لديهم الجانب الوعائي ، أو الجسدي ، عن الجانب الروحي والنفسي ، هم الماديون .
وتلك مجرد رؤية أردت ، كما وودت مشاركتكم إياها وهي ولا شك نتاج لعدد من المطالعات وبعض القراءات .
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إلاه إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .