- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
مترجم: الاتفاقيات الأمنية بين الخليج وإسرائيل.. هل تمثل تهديدًا حقيقيًّا لإيران؟
مترجم: الاتفاقيات الأمنية بين الخليج وإسرائيل.. هل تمثل تهديدًا حقيقيًّا لإيران؟
- 23 يونيو 2022, 3:49:07 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ما التداعيات التي ستواجهها إيران إذا تمكَّنت الولايات المتحدة من إتمام الاتفاقيات الأمنية الإستراتيجية بين دول الخليج وإسرائيل؟
نشرت مجلة «ريسبونسبل ستيت كرافت» التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد مقالًا كتبته روكسان فارمانفرمايان، مديرة العلاقات الدولية والدراسات العالمية في معهد التعليم المفتوح بجامعة كامبريدج، سلَّطت فيه الضوء على التداعيات التي ستواجهها إيران إذا تمكَّنت الولايات المتحدة من تكوين اتفاقيات أمنية إستراتيجية بين دول الخليج وإسرائيل.
في مستهل مقالها تقول الكاتبة: يبدو أن الخليج العربي، الذي يُنظر إليه غالبًا على أنه منطقة أساسية للصراع، يتحول إلى «واحة» للمبادرات الدبلوماسية وإجراء المفاوضات، لاستحضار مبادئ الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، حتى في الوقت الذي ينهمك فيه العالم في حرب أوكرانيا. ومع ذلك فلن يكون للخليج العربي أهمية في أي شيء سوى الأهمية الإستراتيجية، وما يحدث في المنطقة يُعد جولة أخرى من لعبة البوكر؛ إذ تتوقف كل الرهانات على ردود أفعال إيران، ويراهن جميع اللاعبين على الطاولة برهَاناتٍ عالية، ويَدْعون بإخلاص من أجل الفوز.
الإمارات
توضح الكاتبة أن محمد بن زايد، أو «إم بي زد»، راسخ حاليًا في مقعده على الطاولة، بعد أن أصبح رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة رسميًّا بعد وفاة أخيه غير الشقيق الشهر الماضي. وكان ابن زايد المحرك الرئيس لإعادة التعريف بالخليج بوصفه قوة هائلة حديثة مستعدة لتحمل مزيد من المسؤولية العسكرية الإقليمية في تحالفها مع الولايات المتحدة، ومنح الأولوية لإيران قبل فلسطين باعتبارها التهديد الأكبر في المنطقة، وهي حركة وصفته الكاتبة بالذكية؛ إذ فتحت الباب أمام علاقات أكثر دفئًا مع إسرائيل خلال رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة.
وفي الآونة الأخيرة قاد ابن زايد مناقشات مع واشنطن بشأن «اتفاقية الإطار الإستراتيجي» للإبقاء على التزام واشنطن بحماية الإمارات في حالة تعرضها لهجوم، سواء من الحوثيين اليمنيين، كما حدث قبل بضعة أشهر عندما أُمطرت العاصمة أبوظبي بالصواريخ، أو من إيران عبر مضيق هرمز. وقبل أسبوعين، سجَّلت مفاوضات الإمارات مع الولايات المتحدة، التي كانت فاترة بعد هجمات أبوظبي، قفزة إلى الأمام، بعد أن توقَّف بريت ماكجورك، منسِّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في أبوظبي مقدِّمًا مشروع اتفاق يُعزز التعاون الأمني والدفاعي بين الولايات المتحدة والإمارات.
بيد أن الالتزامات الأمنية الأمريكية لحماية أبوظبي لا زال يحيطها قدر من الغموض، لكن هذا لم يردع الإماراتيين، الذين أدَّى تعاملهم ببرود ولامبالاة تجاه واشنطن في أعقاب استجابتها الفاترة ضد هجوم الحوثيين إلى تعزيز موقفهم التفاوضي بمجرد استئناف المحادثات.
السعودية
تنوه الكاتبة إلى أن المملكة العربية السعودية تمثل حضورًا مهمًا على طاولة البوكر، مُمْسِكةً بأوراقها بالقرب من صدرها (لإخفاء خططها وأفكارها عن العيون)، وأحيانًا تلقي ببعض بطاقاتها على الطاولة، على الرغم من أنه من الواضح أنها، وإن كان ذلك يحدث تدريجيًّا، تعيد تشكيل علاقاتها الدفاعية والدبلوماسية ليس مع الولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضًا مع إسرائيل في عدد من الجوانب المهمة. ويجري حاليًا العمل على إعداد خطة من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) في الكونجرس لتقديمها إلى وزارة الدفاع الأمريكي (البنتاجون) لدمج الدفاعات الجوية مع السعودية، وإسرائيل، وقطر، والإمارات، ودول عربية أخرى لمواجهة تهديدات إيران، أو إنشاء تحالف يشبه حلف الناتو نوعًا ما.
إن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط المقررة في يوليو (تموز) القادم تهيئ الفرصة لتعزيز الالتزامات بهذه الخطة، لا سيما أن بايدن سيزور كلًا من إسرائيل والسعودية، حيث يلتقي بقادة دول الخليج العربي. ونظرًا لأن السعودية هي مهد الإسلام وتحمل مسؤولية حماية أقدس البقاع الإسلامية لإقامة مناسك الحج، وهي مكة والمدينة، فليس لديها مساحة الحرية التي تمكِّنها من تطبيع العلاقات مع إسرائيل مثل جيرانها الأصغر والأذكى، بحسب الكاتبة.
ولا يتعين على السعودية دائمًا تقييم ردود أفعال المجتمع الإسلامي الأوسع مقابل مخاوفها الأمنية في الخليج فحسب، ولكنها يتعين عليها أيضًا تحقيق توازن في دورها بصفتها داعمًا للقضية الفلسطينية مع إقامة تحالف وثيق ومتنامي مع الدولة اليهودية. وعلى هذا النحو لم تُوقِّع الرياض على اتفاقات إبراهيم، التي أشرف عليها ترامب والتي فتحت الباب أمام ما يحدث حاليًا، على الرغم من أن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الشاب الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة، أكَّد أنه يعيد التفكير في الموقف السعودي التقليدي.
ومع ذلك فقد كان ابن سلمان يأمل أن تُوقِّع إحدى الدول الآسيوية ذات الكثافة السكانية من الأغلبية المسلمة، لا سيما باكستان أو إندونيسيا، وكلاهما يزيد عدد سكانها عن 200 مليون نسمة، على اتفاقيات إبراهيم ليؤدي ذلك دور الحاجز ضد أي خطوة قد تتخذها الرياض لإبرام اتفاق أمني رسمي مع إسرائيل. لكن ذلك لم يحدث؛ مما جعل لعبته أضعف مما كان يتمنى لها، بينما يشق مشروع قانون دمج الدفاعات الجوية الإقليمية طريقه عبر الكونجرس الأمريكي.
تلفت الكاتبة إلى أن مستوى المخاطر التي يواجهها ابن سلمان تجلَّت بوضوح الأسبوع الماضي عندما صوَّت البرلمان العراقي على قانون يهدف إلى تجريم أشكال تطبيع العلاقات كافة مع إسرائيل، بما فيها العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية. وأدَّت الموافقة على القانون في البرلمان العراقي إلى تغيير قواعد اللعبة، إذ إن هذا القانون ينفض الغبار عن أوراق اعتماد العراق بصفتها مؤيدة لفلسطين، ويؤدي بصورة حاسمة إلى تعزيز علاقاته مع إيران التي انتقدت دول الخليج بشدة لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية.
وترى السعودية أن استبعادها من أي تحالف أمني إقليمي تشكِّله الولايات المتحدة لا يمكن أن يكون خيارًا مقبولًا، ويراهن ابن سلمان على أنه إذا أدَّى البنتاجون دور المظلة لمجموعة أكبر تضم كلًا من الرياض وتل أبيب، فسيمكنه ذلك من تجنب المخاطر التي قد تنجم عن إبرام اتفاقية ثنائية مع إسرائيل.
قطر
أما قطر الصغيرة، وهي أغنى لاعب على الطاولة، فقد خاضت جولاتٍ صعبة عندما حاصرها جيرانها في مجلس التعاون الخليجي في عام 2017 بدعوى دعمها للإرهاب، لكنها عادت الآن إلى اللعبة، واستعادت مكانتها. وانضمت قطر، التي تستضيف المقر الإقليمي للقيادة المركزية الأمريكية، إلى البحرين والكويت بوصفهم حلفاء رئيسين من خارج الناتو لأمريكا هذا العام، وهو ما عَدَّه بايدن «دلالة قوية» على أهميتها الإستراتيجية لواشنطن.
وتؤكد الكاتبة أن أهم أوراق قطر في اللعبة هي قدرتها على التفاوض مع إيران. وقد زار أميرها الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى جانب عدد آخر من أفراد الأسرة الحاكمة الذين يشغلون مناصب وزارية، العاصمة الإيرانية طهران خلال الأشهر القليلة الماضية، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة بين المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين بسبب ما يواجهونه من مشكلات بشأن إحياء «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أو الاتفاق النووي الإيراني.
لكن فشل الدوحة في تجسير الانقسامات ودفع مفاوضات الاتفاق النووي إلى الأمام يضيف مزيدًا من التوترات إلى اللعبة؛ إذ يُعد تحرك واشنطن لدمج دفاعات الخليج العربي في اتفاق أمني جديد مع إسرائيل بمثابة ضغطٍ على الاتفاق النووي ويشير إلى أن واشنطن أصبحت مؤمنة بأن إيران ستواصل سلوكها الإقليمي «الخبيث» حتى في حالة إحياء الاتفاق النووي، وهو ما أصبح احتمالًا غير وارد مع مرور الوقت.
إن الحفاظ على استمرار فتح قنوات التواصل بين إيران والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول الخليج، يعتمد اعتمادًا كبيرًا على قطر، لا سيما أن مبادرة واشنطن الدبلوماسية الأخيرة ستؤدي بالتأكيد إلى رفع حجم المخاطر والرهانات التي يواجهها جميع الأطراف، مما يزيد من احتمالية التهديدات المتبادلة الانتقامية على سفن الشحن في مضيق هرمز. ومع ذلك تستمر المحادثات باعتبارها أفضل طريقة لإحداث توازن في تصورات التهديد التي تجعل المنطقة عدائية جدًّا، مع احتفاظ جميع الأطراف بورقة إسرائيل.
إيران
أبرزت الكاتبة أن إيران، الطرف الذي يحوز النصيب الأكبر من الكراهية على الطاولة، حافظت على نفسها داخل اللعبة من خلال إجرائها مفاوضات أحادية الجانب، توسَّط فيها العراق وسلطنة عمان، مع كل من الرياض وأبوظبي في العام الماضي. وإزاء مواجهتها طريقًا مسدودًا في المحادثات النووية والتحول الإستراتيجي الخليجي تجاه إسرائيل، لجأت طهران إلى زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصَّب وتخزينه والتعامل بعدم شفافية بشأن برنامجها النووي مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن طريق التخلص من 27 من كاميرات المراقبة التابعة للوكالة مؤخرًا.
وفي الوقت نفسه تعمل إيران بسرعة على زيادة قدراتها الصاروخية والطائرات من دون طيار ونطاق أسلحتها الإلكترونية غير التقليدية. وتؤثر التحركات الأمريكية الرامية إلى تعزيز التنسيق الإستراتيجي مع حلفائها الخليجيين في اللعبة الإيرانية من جهتين: أولهما: أنها تعزز دور إسرائيل وموقعها السياسي في الخليج، وتقوي الجبهة المناهضة لإيران من خلال التعاون العسكري. ثانيهما: أنها تُمكِّن واشنطن على نحو فعَّال من تقليص وجودها العسكري المكثَّف في المنطقة وتحويل تركيزها الإستراتيجي شرقًا نحو «المحيطين الهندي والهادئ»، عن طريق وجود هيكل أمني جديد يحل محلَّها بصورة جزئية ويتضمن قدرات إسرائيل العسكرية وإمكانياتها الاستخباراتية الهائلة.
القضية الفلسطينية
تضيف الكاتبة أن هذا يجعل استهداف المواقع الأمريكية في المنطقة ومهاجمتها فعليًّا أمرًا صعبًا على إيران، وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يوفر لإسرائيل مساحة أكبر لانتهاج سياسات تختلف عن سياسات واشنطن، لا سيما من أجل اتخاذ إجراء أحادي الجانب ضد برنامج إيران النووي حتى إذا نجحت المساعي الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.
ولهذا السبب أصبحت إسرائيل حاليًا لاعبًا على الطاولة، على الرغم من أنها بعيدة عن منطقة الخليج، ليس فقط بسبب أن وجودها أصبح مضمونًا حاليًا بموجب اتفاقيات إبراهيم، ولكن أيضًا بسبب تركيزها الأمني على إيران باعتبارها التهديد الإقليمي الأكبر لها. وعلى النقيض من اللاعبين الآخرين، نجد أن إسرائيل منخرطة في حرب أقل درجة مع إيران، ويتبين من مجموعتي المفاوضات الجارية حاليًا بين الولايات المتحدة والدول الخليجية أن هذه الإستراتيجية في صعود، بحسب الكاتبة.
وسيكون لهذا الأمر أيضًا آثار على القضية الفلسطينية، التي طُمِست جرَّاء هذا التحول الإستراتيجي في الخليج، وباتت قضية فلسطين مشكلة منعزلة تتعامل معها دول الخليج حاليًا على أنها مشكلة داخلية لتل أبيب. وهذا لا يعني أن المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست مراقبة جيدًا، أو أن الصمت الخليجي في مواجهة التطورات الخطيرة، مثل القانون العراقي الجديد، يعني أنهم قَبِلوا التكتيكات الإسرائيلية.
ومع ذلك مضَتْ اللعبة قدمًا؛ إذ تنحَّت الولايات المتحدة جانبًا في الوقت الحالي، وهي التي اعتادت أن تتوخى الحذر من أي تهديدات ربما يتعرض لها أي من الأطراف الفاعلة؛ لأنها تحوط رهاناتها الإستراتيجية، لا سيما في حالة حدوث أي حرب محتملة في الخليج. وبدلًا عن ذلك، تُسلط الأضواء على الصفقات التي يمكن للأطراف الفاعلة من كل دول الخليج إجراؤها، سواء تحت الطاولة أو باستخدام البطاقات الرابحة التي في أيديهم، بحسب ما تختم الكاتبة مقالها.