- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
ماذا تعني عودة نتنياهو بالنسبة لإسرائيل والعالم؟
ماذا تعني عودة نتنياهو بالنسبة لإسرائيل والعالم؟
- 9 نوفمبر 2022, 4:43:46 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في البداية، بدا أن إسرائيل تتجه إلى تكرار نفسها في الانتخابات الخامسة في أقل من 4 سنوات، لكن يبدو أن هذه الانتخابات جاءت بنتائج عجزت عنها الانتخابات الأربعة السابقة؛ حيث حقق "بنيامين نتنياهو" وحلفاوه الأغلبية ليكون قادرا علي تشكيل أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل.
في الواقع، لم يكن "نتنياهو" هو أكبر نجم في الأفق السياسي الجديد، بل المتطرف "إيتمار بن غفير"، الذي أصبح حزبه "الصهيونية الدينية" ثالث أكبر كتلة في الكنيست.
الانقسام حول "نتنياهو"
مثل الانتخابات الأربعة السابقة، كان هناك انقسام رئيسي في الرأي العام حول عودة "نتنياهو"؟ لكن ذلك لا يغير حقيقة أن "نتنياهو" (73 عامًا) شخصية مركزية وصاحب أطول فترة حكم في تاريخ إسرائيل.
وحتى في ظل اتهامه ومحاكمته بتهمة الرشوة والاحتيال، لا يزال "نتنياهو" أكثر السياسيين تأثيرًا في المشهد الإسرائيلي اليوم، بينما يقف حاليًا على أعتاب انتصاره الأكبر حيث يعود إلى رئاسة الوزراء بأغلبية.
وكانت هذه الانتخابات أمرًا وجوديًا بالنسبة لـ"نتنياهو"، فلو فشل في تأمين أغلبية حاكمة - من المحتمل أن تمرر تشريعًا لتأجيل أو حتى إلغاء محاكمته - فلربما توجب عليه حينذاك أن يواجه عواقب محاكمته أو يتقدم بصفقة من شأنها أن تبعده عن السياسة.
لكن فوز "نتنياهو" لم يكن عائدًا إليه وحده، بل يعكس ويعزز توجهات تجلت منذ فترة، فـحزب "الليكود" هو الحزب السياسي الأكثر استقرارًا ومتانة في النظام الإسرائيلي، كما سقطت إسرائيل بشكل كبير في يد اليمين - وربما عناصره الأكثر تطرفًا - أكثر من أي وقت في تاريخها.
أما أحزاب اليسار ويسار-الوسط في إسرائيل، والتي كان يقودها من قبل حزب العمل فقد تقلصت حتى لم يتبقّ منها إلا كيان صوري مع حفنة من المقاعد في الكنيست.
وبينما قدمت كتلة يسار-الوسط واليمين برئاسة رئيس الوزراء المؤقت "يائير لابيد" أداء جيدا - وربما حتى حصدت المزيد من الأصوات - فإن الصدع بين اليسار والعرب قدم ميزة لكتلة "نتنياهو" الأكثر تماسكًا وانضباطًا.
ويمكننا القول دون مبالغة أن انتصار "نتنياهو" وظهور تحالف - نتنياهو وبن غفير - سيعزز قوى القومية الراديكالية والشعبوية وعقلية الصراع الصفري.
وإذا نجحت حكومة "نتنياهو" في تقييد صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل وتعميق قبضة القانون اليهودي على الحياة العامة وعكس قرار المحكمة بإلغاء التشريعات التي تهدف إلى تقنين مستوطنات الضفة الغربية، فإن الديمقراطية الإسرائيلية ستتعرض للتقويض، مما يعزز القوى المناهضة لليبرالية وعدم احترام سيادة القانون وتعزيز التمحور حول الإثنية.
الجنوح لليمين واليمين المتطرف
تزايد ميل إسرائيل نحو اليمين منذ سنوات. ووفقًا للمحلل "تمار هيرمان" من "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، فإن 60 % من الناخبين الإسرائيليين من اليمين؛ فيما يعد 12-14% من اليسار والبقية مما يسمى بالوسط.
وبينما تنبأت استطلاعات الرأي بأداء جيد لتكتل "الصهيونية الدينية" - وهي كتلة من 3 أحزاب متطرفة تجسد وجهة نظر عنصرية مؤمنة بالتفوق اليهودي ومناهضة للعرب- إلا إن حجم نجاحهم كان مذهلاً.
وضاعفت "الصهيونية الدينية" أعدادها منذ انتخابات 2021 و جذب "بن غفير" (النجم الواضح للكتلة) ناخبين جدد. ووفقًا للاستطلاعات، فقد رفع نسبة الإقبال على الانتخابات بنحو 6%.
وستكون هذه أيضًا لحظة مذهلة بالنسبة لـ"نتنياهو" الذي ساعد في ولادة هذا التحالف في محاولة لزيادة فرصه في تأمين أكثر من 60 مقعدًا. وليس من قبيل المصادفة، أن أحد الأحزاب في هذه الكتلة بقيادة "بتسلئيل سموتريتش" سمح بخطة لإصلاح (أو بالأحرى إضعاف) النظام القضائي وضمان حصانة "نتنياهو" من الملاحقة القضائية.
ويعد رئيس الوزراء الجديد الآن مدينا لهؤلاء المتطرفين وللحزبين الدينيين الأرثوذكسيين المتطرفين اللذين سيكون لديهما قائمة طويلة من المطالب. في الواقع، حصل الليكود على 31 مقعدًا، بينما حصل اليمينيون والمتشددون على نفس العدد أو أكثر، مما يجعله فعليًا أقلية داخل حكومته.
علاوة على ذلك، فإن "نتنياهو" لديه الآن شريك ومنافس في الوقت ذاته (متمثلًا في بن غفير) الذي يبلغ من العمر 46 عامًا، وبدأ للتو صعوده في السياسة الإسرائيلية. ولا ينبغي أن يفاجأ أحد إذا حاول "نتنياهو" التواصل مع حزب "بيني جانتس" و"جدعون ساعر" الوسطي للانضمام إلى ائتلافه من أجل "إنقاذ الأمة" في محاولة لكبح "بن غفير" أو على الأقل لتقليل مطالبه المتطرفة.
شلل سياسي؟
من المنطقي أن يعتقد البعض أن هذا النوع من الحكومة اليمينية الضيقة قد لا يستمر، ولكن ربما يكون ما يربط هذا التحالف أكثر مما يقسمه؛ فقد كان الحزبان الأرثوذكسيان المتشددان خارج السلطة وهما حريصان الآن على تأمين الدعم لمدارسهما ومؤسساتهما الدينية.
ويرى "بن غفير" زعيم كتلة "الصهيونية الدينية" أن المشاركة في الحكومة هي وسيلة لإضفاء الشرعية على حركته وتوسيع قاعدته وآفاقه السياسية الخاصة. وقد بدأ خطاب فوزه الانتخابي بالقول: "ما زلت لم أصبح رئيسًا للوزراء". وبالتأكيد سيحاول "نتنياهو" بقوة الحفاظ على هذا الائتلاف متماسكًا من أجل تأمين بطاقة خروجه من السجن من خلال التشريعات.
كيف ستتصرف هذه الحكومة؟
مع اقتراب الذكرى الـ75 لتأسيس دولة إسرائيل العام المقبل، من المنطقي أن نعتقد أن هذه الحكومة لن تقرب إسرائيل من معالجة تحديات السياسة الداخلية والخارجية التي تواجهها، بل من المؤكد أنها ستفاقمها. ففي الداخل، ستشهد إسرائيل استقطابًا متزايدًا، وسيتعرض القضاء المستقل وسيادة القانون لتهديد خطير.
لطالما أظهر "نتنياهو" نفوره من المغامرات فيما يتعلق بمسائل الحرب والسلام، لذلك سيحاول إبقاء "بن غفير" بعيدًا عن التأثير على الأمن القومي الإسرائيلي، وسيقاوم مطالبه بحل السلطة الفلسطينية وضم الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين.
لكن سيكون هناك المزيد من المستوطنات والدعم للمستوطنين، والمزيد من الجهود لتعزيز السيطرة على القدس. ومن المرجح أن تتدهور العلاقات مع المواطنين العرب في إسرائيل مع تقليص الموارد المتوفرة لمجتمعهم، وإذا حدثت مواجهة جدية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية أو في القدس، فمن المرجح أن تتعزز احتمالات تحولها إلى صراع بين الإسرائيليين والعرب.
وستكون هناك بعض القيود على سلوك الحكومة، حيث لا يهتم "نتنياهو" بالتأكيد بمواجهة "حماس" أو "حزب الله"، وسيرغب في الحفاظ على اتفاقية الحدود البحرية المبرمة مؤخرًا مع لبنان، واتفاقيات أبراهام مع الإمارات والبحرين، ووضع الأساس للعلاقات مع السعودية.
"نتنياهو" و"بايدن": تصادم حتمي؟
لن يسعى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ولا "نتنياهو" إلى مواجهة، وقد أصدر البيت الأبيض بالفعل البيان التالي: "نتطلع إلى مواصلة العمل مع الحكومة الإسرائيلية بخصوص مصالحنا وقيمنا المشتركة"، ويعود ذلك إلى انشغال الطرفين بأمور أخرى لدرجة لا تسمح بمثل هذا الإلهاء الإشكالي.
لكن حتى بدون ربطه بالمتطرف "بن غفير"، فإن علاقات "نتنياهو" مع "بايدن" لم تكن لتسير بسلاسة لأن وجهات نظرهما بشأن المستوطنات ومعاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية والبناء في القدس كانت ستتعارض.
أما فيما يتعلق بإيران، فسوف تزداد حدة خطاب "نتنياهو". وإذا أتيحت الفرصة لإدارة "بايدن" لإحياء الاتفاق النووي، فسوف يستأنف "نتنياهو" حملته السابقة في عام 2015 باستخدام الجمهوريين المناهضين للاتفاقية.
في الواقع، سيكون "نتنياهو" - مثله مثل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" - أكثر ارتياحًا لعودة "دونالد ترامب" أو مثيل جمهوري له. وبالتأكيد فإن "بايدن" لم يكن يرغب في عودة "نتنياهو"، في ظل امتلاء جدوله بالقضايا الداخلية والخارجية، ناهيك عن ارتباط هذه العودة بشريك ائتلاف يميني متطرف من المرجح أن يفاقم الوضع المتوتر بالفعل مع الفلسطينيين.