- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
لماذا يُتوقع مواجهة النظام الروسي تهديدات خطيرة رغم إحباط تمرد "فاجنر"؟
لماذا يُتوقع مواجهة النظام الروسي تهديدات خطيرة رغم إحباط تمرد "فاجنر"؟
- 30 يونيو 2023, 8:00:18 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نشر موقع “فورين بوليسي” مقالاً لكل من “جيفري سوننفيلد” و”جون هانتسمان جونيور” و”ويليام براودر”، بعنوان “درع بوتين تم اختراقها”، ومقالاً لـ”لوسيان كيم”، بعنوان “تمرد بريجوزين هو بداية نهاية بوتين”، في 24 يونيو 2023، كما نشر موقع “فايننشال تايمز” مقالاً لـ”جديون راشمان” بعنوان “لقد خلق فلاديمير بوتين أسوأ كابوس له”، في 24 يونيو 2023، ومقالاً لكل من “بين هال”، و”كريستوفر ميلر”، بعنوان “هل سيؤثر تمرد فاجنر على الحرب الأوكرانية؟”، في 25 يونيو 2023. وقد تطرقت هذه المقالات إلى المفارقات التي ارتبطت بمحاولة تمرد مجموعة “فاجنر”، والتداعيات السلبية المتوقعة لهذه المحاولة، وأوجه استفادة أوكرانيا منها.
مفارقات حاضرة
بالرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وبموجبه سيتم إسقاط التهم الموجهة إلى زعيم مجموعة “فاجنر” المتمردة يفجيني بريجوزين، الذي سيسمح له بالمرور الآمن إلى بيلاروسيا، مقابل منح العسكريين من مجموعته الذين لم يشاركوا في محاولة التمرد عقوداً رسمية للعمل مع وزارة الدفاع، فإن محاولة التمرد تلك ألقت الضوء على مجموعة من المفارقات المرتبطة بأداء الجيش الروسي في مواجهة التمرد، وهو ما يتضح عبر ما يلي:
1– ضعف مقاومة القوات النظامية لتقدم قوات “فاجنر”: كان الاستيلاء السريع على مدينة روستوف أون دون الرئيسية في جنوب روسيا، التي تمثل شرياناً مهمّاً في خطوط إعادة الإمداد الروسية إلى أوكرانيا، من قبل مجموعة “فاجنر” في عطلة نهاية الأسبوع، الخطوة الأولى في تمرد مسلح بقيادة يفجيني بريجوزين. ولكن في مواجهة سيطرة المقاتلين في روستوف على المباني الرئيسية، لم تكن هناك مقاومة كبيرة من جانب القوات الروسية النظامية، لتكون تلك هي المرة الأولى منذ تولي بوتين السلطة، التي تخضع فيها أجزاء من الأراضي الروسية بشكل جوهري لسيطرة جماعة مسلحة تسعى صراحةً إلى الإطاحة به، وذلك ما شجع هذه القوات على بدء مسيرة إلى موسكو، حتى أمر بريجوزين رجاله فجأة بالاستدارة والعودة إلى قواعدهم، دون تقديم تبرير واضح لذلك.
2– تحدي قائد “فاجنر” للكرملين رغم صداقته مع “بوتين”: جاء تمرد بريجوزين ومحاولة قواته الزحف ناحية موسكو بالرغم من الولاء الذي عُرف به تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ربطته ببريجوزين صداقة وثيقة، بل اعتمد على مجموعته المسلحة “فاجنر” بشكل موسع في الحرب الأوكرانية، حتى مع التاريخ المعروف لبريجوزين، الذي سبق أن أهان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو علناً، وكذلك رئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف. وقد أرسل استعراض الأسلحة المفتوح الذي قام به بريجوزين على الأراضي الروسية تحدياً إلى الكرملين لم يعد بإمكان بوتين تجاهله، ويمكن في هذا الإطار فهم وصف الرئيس الروسي تمرد صديقه بأنه “طعنة في الظهر”، وتحذيره من بوادر حرب أهلية.
3– عدم وجود توقعات بتمرد “فاجنر” رغم رداءة عناصرها: على الرغم من أن الموقف الذي شهدته روسيا لم يكن متوقعاً، فإنه لا يجب أن يمثل مفاجأة، بالنظر إلى أن النظام الروسي نفسه كان قد سمح لبريجوزين بتجنيد قواته من نزلاء في السجون؛ الأمر الذي ملأ قوة “فاجنر” المقاتلة بالمدانين اليائسين، وذلك ما يفسر أنه عندما قتلت القوات الأمريكية عدداً غير معروف من متعاقدي المجموعة في سوريا في عام 2018 لم يعلق الكرملين على ذلك؛ لأنهم رسمياً لم يكونوا أعضاء في القوات المسلحة الروسية. ولطالما عُرف عن بريجوزين أنه كان رجل الكرملين بسبب أفعاله وممارساته غير الشرعية، مثل التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 من خلال ما تسمى “مزرعة الترول” الخاصة به، وقتال قواته في أوكرانيا وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
تداعيات سلبية
رغم ما أسفرت عنه الصفقة البيلاروسية بشأن الوساطة مع مجموعة “فاجنر” من انقضاء التهديد المباشر الذي مثلته قوات “فاجنر” البالغ قوامها 25 ألف جندي التي كانت في طريقها نحو العاصمة موسكو، ومثلت أكبر تهديد وجودي واجهه الرئيس “بوتين” خلال فترة حكمه التي استمرت على مدار أكثر من 20 عاماً، فإن الصفقة التي رعتها بيلاروسيا لا تقضي بشكل كامل على التهديدات التي تكشَّفت على خلفية تمرد قوات “فاجنر” بالنسبة إلى روسيا. وفيما يلي إشارة إلى أبرز هذه التهديدات السلبية المتوقعة:
1– استمرار خطر الميليشيات على الدولة الروسية: رغم ما ينص عليه الاتفاق البيلاروسي من منح العسكريين الذين لم يشاركوا في محاولة التمرد من مجموعة فاجنر عقوداً رسمية للعمل مع وزارة الدفاع، لا يزال هناك تحدٍّ يتعلق بوجود ضباط موالين لـ”بريجوزين”؛ ما يجعل التهديدات التي مثلها تمرد الأخير على قيادة الجيش الروسي لا تزال قائمة. وبالنظر إلى الاعتماد الكبير من جانب الكرملين على هذه القوات، والانخراط الكثيف للجيش الروسي في أوكرانيا، فمن المُرجح أن تتراجع قدرة موسكو على إخماد أي تمرد محلي مرتقب خلال الفترة القادمة.
وحتى إذا اتخذ بوتين قراراً بحل المجموعة، فإن ذلك سيحرم روسيا من القوة العسكرية الأكثر فاعليةً في أوكرانيا؛ حيث كان مقاتلو “فاجنر” هم من خاضوا الكثير من المعارك العنيفة في باخموت بالشرق الأوكراني، وهي المعارك التي عُدَّت بمنزلة المكسب الإقليمي الوحيد المهم لروسيا منذ يوليو الماضي.
2– تزايد الشكوك بشأن تماسك القوات الروسية: لا شك أن استيلاء “بريجوزين” على مركز قيادة العمليات الروسية في روستوف دون مقاومة تُذكر من جانب القوات الروسية، وتقدم قواته دون عوائق لمئات الكيلومترات باتجاه العاصمة الروسية موسكو خلال يوم واحد فقط، يثير تساؤلات كثيرة حول مدى قوة وتماسك الجيش الروسي وولاء جنوده، لا سيما مع تزايد اعتماده على الميليشيات؛ ما جعل وحدة القيادة أمراً صعباً للغاية، خصوصاً مع تنامي نفوذ مجموعة “فاجنر”، على خلفية الدور المحوري الذي لعبته في الحرب الأوكرانية؛ ما أعطى بريجوزين قاعدة شعبية قوية، سمحت له بمحاولة الانقلاب على القيادة الروسية.
يُضاف إلى ما سبق احتمالية أن تؤدي الاضطرابات التي أحدثتها محاولة تمرد “بريجوزين” إلى تقويض الدعم الشعبي الروسي للحرب التي يخوضها الكرملين في أوكرانيا، فضلاً عن تراجع معنوية الجنود الروس على خط المواجهة، بجانب المخاوف التي لا تزال مثارة بشأن ولاء القوات النظامية الروسية في ساحة المعركة، في ظل عدم رضا عدد كبير منهم عن القيادة العسكرية للجيش الروسي.
3– تجدد المخاوف الروسية من الثورات الملونة: ألقت الأحداث الضوء كذلك على مخاوف الرئيس “بوتين” من تجدد التهديدات المرتبطة بـ”الثورات الملونة”، التي تعود إلى 20 عاماً مضت. والمفارقة أن أصول هذه الثورات كانت في أوكرانيا، حينما أثارت الثورة البرتقالية لعام 2004 – وهي انتفاضة شعبية حدثت في كييف احتجاجاً على تزوير الانتخابات آنذاك – مخاوف الرئيس الروسي من أن أوكرانيا قد تنزلق من قبضة موسكو بشكل لا رجعة فيه، فضلاً عن التهديدات التي كان يمكن لهذه الانتفاضة – حال نجاحها – أن تُمثلها على الداخل الروسي.
وقياساً على ذلك، ليس ثمة شك بأن تمرد “بريجوزين” قد أعاد إلى الواجهة هذه التهديدات؛ حيث سيتعين على الرئيس “بوتين” التحسب من الدعم الشعبي القوي الذي يحظى به “بريجوزين” في الداخل الروسي، أو حتى الإشارات الإيجابية التي قد تلقاها المعارضون الروس من هذه التمرد الأخير لـ”بريجوزين” بشأن إمكانية الإقدام على خطوة مماثلة في المستقبل، سواء بشكل منفرد، أو بالتحالف مع الأخير.
4– بروز تأثيرات سلبية على نفوذ الرئيس بوتين: كشف تمرد “بريجوزين” أيضاً عن تحدٍّ “غير مسبوق” لحكم بوتين من داخل روسيا ذاتها، وتراجع قدرته على إدارة التنافس بين الفصائل العسكرية المتناحرة بعضها ضد بعض؛ الأمر الذي انعكس في انقلاب بعض مراكز هذه القوى المتنافسة عليه كما كان الحال بالنسبة إلى مجموعة “فاجنر”، التي اعتُبرت لفترة طويلة موالية لـ”بوتين”، وكانت تخشى سطوته ذات يوم، غير أن التمرد الذي قادته ضده مؤخراً دحض مثل هذه المخاوف، وأثبت مدى تراجع نفوذ “بوتين” لدى هذه القوات، وهو ما قد يمتد تأثيره السلبي إلى خارج الحدود الروسية، لتنعكس في علاقات “بوتين” مع حلفائه، سواء في بيلاروسيا أو الصين أو في أي مكان آخر.
ويُشار في هذا الصدد إلى أن “بوتين” نفسه شبَّه الأحداث الأخيرة في بلاده بأوضاع عام 1917 (وهو تاريخ الثورة البلشفية)، عندما كانت روسيا – بحسب روايته – على وشك الانتصار في الحرب العالمية الأولى، قبل معاناتها من الانقسامات الداخلية، والانهيار اللاحق لروسيا القيصرية، مصوراً نفسه على نحو ضمني بأنه القيصر “السيئ الحظ” نيكولاس الثاني.
5– توظيف الغرب تطورات الداخل الروسي: مثَّلت التطورات التي شهدها الداخل الروسي على خلفية التمرد المسلح الذي قام به “بريجوزين” مؤخراً، فرصة سانحة للقوى الغربية لتوظيف تطورات الداخل الروسي بما يخدم أهواءها ومصالحها. وفي هذا الصدد تباينت ردود الفعل الغربية بين شامتة ومتحفظة إزاء الأحداث في روسيا؛ فعلى الصعيد الأوكراني، وصفت الرئاسة الأوكرانية ما حدث في روسيا بأنه “البداية فقط”، واعتبر رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية الأحداث بأنها “علامة على انهيار النظام”، فيما اعتبرت وزارة الدفاع البريطانية ما يحدث في روسيا بأنه “أكبر تحدٍّ للدولة الروسية في العصر الحديث”، مؤكدةً أن ولاء القوات الروسية، خاصةً الحرس الوطني “هو ما سيحسم مستقبل الصراع”. وأكد مكتب رئيسة وزراء إيطاليا “جورجا ميلوني” في بيان أن “تطورات الأحداث في روسيا أظهرت كيف أن العدوان الروسي على أوكرانيا تسبب في زعزعة الاستقرار داخل البلاد”.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، أكد البيت الأبيض أنه “يراقب بنشاط الوضع الذي يتكشف داخل روسيا”، وأصدر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي آدم هودج بياناً قال فيه: “إننا نراقب الوضع، وسنستشير الحلفاء والشركاء بشأن هذه التطورات”، فيما قال القصر الرئاسي الفرنسي إن الرئيس إيمانويل ماكرون “يتابع الوضع في روسيا عن كثب”، وإن “تركيز الإليزيه لا يزال على دعم أوكرانيا”. وقال الرئيس البولندي أندريه دودا إن “وارسو تراقب الموقف”. وقال متحدث باسم المكتب الإعلامي للحكومة الألمانية إن “حكومة المستشار أولاف شولتز تراقب الوضع في روسيا عن كثب”.
استفادة أوكرانية
من المرجح أن تتسبب محاولة تمرد “بريجوزين” في تحقيق عوائد محتملة لأوكرانيا التي تسعى إلى طرد القوات الروسية من جنوب وشرق البلاد، ويمكن تناول أهم الانعكاسات الإيجابية بالنسبة إلى أوكرانيا في ذلك الشأن عبر ما يلي:
1– تعزيز محاولة الانقلاب جهود الهجوم الأوكراني المضاد: جاء تهديد “بريجوزين” الانقلابي في لحظة مناسبة لكييف، التي لم يحقق هجومها المضاد سوى مكاسب محدودة على الأرض، منذ بدأ في وقت سابق من هذا الشهر؛ ما أثار مخاوف بشأن قدرة الجيش الأوكراني على تحطيم المواقع الروسية الشديدة التحصين، غير أن المعضلة الروسية الأخيرة التي كشفتها محاولة التمرد، قد تمثل فرصة للقوات الأوكرانية، إذا تسببت في تنامي الخلافات داخل القوات الروسية، ودفعها إلى انقلاب بعضها على بعض، أو إذا تم سحبها من خط المواجهة للدفاع عن “بوتين”، فقد تنهار حينها هذه القوات في شرق أوكرانيا.
2– إسهام محاولة الانقلاب في رفع معنويات القوات الأوكرانية: برزت مؤشرات على مساهمة محاولة التمرد في رفع معنويات القوات الأوكرانية، ولعل ذلك اتضح مع شن القوات الأوكرانية هجوماً على الأهداف الروسية في عدة اتجاهات متوازية، بالتزامن مع الكشف عن محاولة التمرد، بجانب ظهور تقارير غير مؤكدة تفيد بأن القوات الأوكرانية عبرت جسر “أنتونيفسكي” بالقرب من خيرسون في جنوب أوكرانيا، إلى الأراضي التي تسيطر عليها روسيا على الضفة اليسرى لنهر “دنيبرو”.
3– استغلال الانقسام لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية: يعتبِر المسؤولون في أوكرانيا أن الخلافات في موسكو والصراع على السلطة في روسيا لم يؤدِّ إلى تغييرات جذرية في أرض المعركة، لكنه خلق فرصاً لاستغلال تشتيت انتباه العدو وتدمير معنوياته، عبر محاولة المسؤولين في أوكرانيا استغلال هذا الانقسام لصالحهم؛ ليس فقط عسكرياً، ولكن أيضاً في المجال السياسي وفي المجال المعلوماتي.
4– إتاحة الفرصة للقوات الأوكرانية لسد فراغ قوات “فاجنر”: من المتوقع أن يتيح التمرد للقوات الأوكرانية سد فراغ مجموعة “فاجنر”؛ بحيث تعتبر فرصة مواتية للقوات الأوكرانية لزيادة تحرير أراضيها بعد قيادة “فاجنر” بعض الانتصارات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، وهو الأمر الذي أكدته “إليسا سلوتكين” المسؤولة السابقة في البنتاجون والعضوة الديمقراطية في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، خصوصاً في ظل حقيقة استعانة “بوتين” أكثر مما يلزم بقوات “فاجنر” خلال الحرب الأوكرانية.