- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
لماذا تزايدت تحركات الأردن الإقليمية في الفترة الأخيرة؟
لماذا تزايدت تحركات الأردن الإقليمية في الفترة الأخيرة؟
- 2 يوليو 2022, 1:52:43 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عكست تصريحات العاهل الأردني الملك “عبد الله الثاني” التي أشار فيها إلى العمل على تشكيل “جبهة من مجموعة دول عربية” لحماية المنطقة، وتأكيده أن بلاده ستكون من أوائل الدول الداعمة لتشكيل “ناتو شرق أوسطي”، فضلاً عن المباحثات العديدة التي عقدها مع بعض الزعماء العرب خلال الأيام الماضية؛ سعيَ الأردن إلى استعادة وتفعيل الدور على المستوى الإقليمي، وهو التوجه الذي يبدو أنه مدفوع بالعديد من الاعتبارات، في القلب منها علاقة التأثير المتبادل التي تجمع الأردن بمحيطه العربي والإقليمي، وهو المحيط الذي يشهد العديد من التغيرات المتسارعة التي دفعت باتجاه تبني الأردن هذه التحركات النشطة.
تحركات متسارعة
شهدت دبلوماسية المملكة الأردنية تنامياً ملحوظاً في تحركاتها العربية والإقليمية في الفترة الأخيرة، التي عكست محاولات أردنية لتطوير حضورها الإقليمي وطرح نفسها بوصفها طرفاً هاماً في تفاعلات المنطقة. ويمكن بلورة أهم هذه التحركات فيما يأتي:
1– مباحثات أردنية مع مصر والبحرين: عقد العاهل الأردني الملك “عبد الله الثاني”، في 19 يونيو الجاري، مباحثات مع كل من الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، وملك البحرين الشيخ “حمد بن عيسى آل خليفة”، في مدينة شرم الشيخ، وهي المباحثات التي تناولت العلاقات بين الدول الثلاثة، ومسارات التعاون، وسبل تعزيز التنسيق تجاه مختلف القضايا محل الاهتمام المشترك، إضافةً إلى آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والتحديات التي تواجه المنطقة. وعقب اللقاء أكد الزعماء الثلاثة أهمية تكثيف العمل من أجل مواجهة تحديات الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وتكلفة الطاقة، الناجمة عن التطورات الدولية، فضلاً عن تأكيد ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك.
2- تأكيد محورية العلاقات مع السعودية: في إطار مباحثاته التي بدأها مع الزعماء العرب، استقبل العاهل الأردني الملك “عبد الله الثاني”، ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان بن عبدالعزيز”، الذي أجرى زيارة رسمية إلى الأردن يوم 22 من الشهر الجاري. وعقد العاهل الأردني، بحضور الأمير “الحسين بن عبدالله الثاني” ولي العهد الأردني، جلسة مباحثات رسمية مع ولي العهد السعودي، جرى خلالها استعراض أوجه التعاون بين البلدين في المجالات كافة، وبحث سبل تعزيزها بما يحقق مصالحهما المشتركة، كما ناقش الجانبان العديد من القضايا العربية والإقليمية الملحة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمة اليمنية، والملف السوري، وكذا ناقشا الملفين العراقي واللبناني، فضلاً عن الملف النووي الإيراني، وبحث سبل مواجهة موجات التطرف والإرهاب في المنطقة.
3– زيارة العاهل الأردني دولة الإمارات: توجه العاهل الأردني، في 23 يونيو الجاري، إلى دولة الإمارات، في زيارة عمل استمرت يوماً واحداً، التقى خلالها سمو الشيخ “محمد بن زايد” رئيس الدولة؛ حيث جرى التباحث حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وآفاق وفرص دفع التعاون بينهما في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية، فضلاً عن مناقشة التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، وهي الزيارة التي جاءت استمراراً للتحركات الإقليمية المكثفة التي يتبناها العاهل الأردني، للتنسيق مع الأطراف العربية بخصوص كافة التطورات الراهنة.
4– الدعوة إلى تشكيل “ناتو عربي” لحماية المنطقة: في السياق ذاته، أكد العاهل الأردني، في حوار مع شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية، نُشر يوم 24 يونيو الجاري، أن العمل جارٍ من أجل تشكيل جبهة من مجموعة دول عربية لحماية المنطقة، لافتاً إلى أن بلاده ستكون من أوائل الدول التي تدعم تشكيل “ناتو” خاص بالشرق الأوسط، مؤكداً أن مباحثاته مع زعماء المنطقة ركزت على بحث أمن المنطقة، وسبل دفع العمل العربي المشترك.
5– متابعة تطورات القضية الفلسطينية: استكمالاً لهذه التحركات النشطة، استقبل العاهل الأردني في عمان، يوم 26 يونيو الجاري، الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”؛ حيث بحث معه “التطورات الأخيرة في إسرائيل بعد حل الكنيست، وانعكاساتها على فرص تحقيق السلام، إضافة إلى المستجدات في المنطقة”. وأكد الملك عبد الله لعباس أن “الأردن في اتصال مستمر مع الجانب الأمريكي، ويعمل على أن تتصدر القضية الفلسطينية جدول أعمال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة في الشهر المقبل”، مشيراً إلى أن “الأردن سيدعم بكل طاقته حقوق الأشقاء الفلسطينيين، ويؤكد مركزية القضية الفلسطينية، خلال مشاركته في القمة المشتركة بمدينة جدة”، مؤكداً أن “لا شيء أهم من القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الأردن”.
دوافع متعددة
على مدار عقود سعى الأردن إلى تبني سياسة خارجية موسومة بدرجة كبيرة من الحذر في سياق إقليمي ودولي محتدم بالعديد من المتغيرات والتعقيدات؛ فمنذ نشأة الدولة الأردنية وهي تحظى بحالة من الخصوصية أدت إلى إنتاج علاقة تأثير متبادل بينها وبين النظام العربي القائم؛ حيث كان من الصعب على صانع القرار الأردني استبعاد المتغيرات الحادثة في النظام العربي؛ لأنها بطبيعة الحال تنعكس على الأردن. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن التحركات الإقليمية المتنامية للأردن في الفترة الأخيرة، مدفوعة بجملة من الدوافع الرئيسية؛ وذلك على النحو الآتي:
1– التنسيق العربي بخصوص قمة جدة: أحد الاعتبارات الرئيسية الحاكمة لهذه التحركات النشطة التي تبنتها الأردن، وكذا التحركات العربية بوجه عام، تتمثل في ارتباطها على نحو رئيسي بالقمة التي ستُعقد في جدة منتصف الشهر المقبل، والتي ستجمع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بقادة دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والأردن والعراق، وهو ما يُحتم بلورة رؤية عربية مشتركة إزاء القضايا التي ستُطرح خلال هذه القمة، ومن ثم فإن هذه التحركات تستهدف حشد الجهود والمواقف العربية قبيل القمة.
2– تصاعد التخوفات الأمنية للبلاد: حظي الملف الإيراني باهتمام كبير على هامش مباحثات العاهل الأردني مع الزعماء العرب، وهو ما تجسد بوضوح في التأكيد الأردني السعودي لضرورة دعم الجهود الدولية التي تحول دون امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وضمان سلمية برنامج إيران النووي، وتعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يأتي بالتزامن مع تصاعد التخوفات الأردنية مما يجري على الحدود مع سوريا، من حيث ازدياد حضور الميليشيات المدعومة من إيران، وتصاعد عمليات تهريب المخدرات التي تشرف عليها تلك الميليشيات، فضلاً عن عودة تهديدات تنظيم داعش، وهي مؤشرات تعكس تخوفاً أردنياً من تنامي التهديدات الأمنية المحيطة، وهي تخوفات يمكن في ضوئها تفسير دعوة الأردن إلى تشكيل “ناتو عربي”، فضلاً عن كون البعد الأمني والعسكري محدداً رئيسياً حاكماً للسياسة الخارجية الأردنية في عهد الملك “عبد الله الثاني”.
3– محاولة تخفيف الأزمة الاقتصادية الداخلية: يمثل العامل الاقتصادي محدداً رئيسياً حاكماً للسياسة الخارجية الأردنية في العقود الأخيرة، خصوصاً في ضوء أزمات الأمن غذائياً ومائياً التي تعاني منها البلاد، لكن الأزمة الاقتصادية تفاقمت في السنوات الأخيرة؛ وذلك في ضوء تداعيات جائحة كورونا، التي أضعفت الاقتصاد كثيراً، وزادت معدلات البطالة إلى 22.8% خلال الربع الأول من عام 2022، كما ارتفع العجز التجاري للبلاد في الثلث الأول من العام الحالي بنسبة 22.3% ليبلغ 3.118 مليار دينار، مقارنةً بـ2.549 مليار دينار في الفترة المناظرة من العام الماضي، وهي اعتبارات عززت حاجة البلاد إلى الاستثمارات الخارجية، خصوصاً الجانب الخليجي الذي يمثل سوقاً رئيسية للعمالة الأردنية، وكان من أهم الداعمين للأردن في مواجهة أزماته الاقتصادية.
4– تأكيد محورية الدور الأردني: أحد المُستهدفات الرئيسية لتحركات الملك “عبد الله” الأخيرة، ولسياسته الخارجية عموماً، يتمثل في الرغبة في تعزيز الدور الإقليمي، وتأكيد مركزية هذا الدور. وبطبيعة الحال فإن هذه المباحثات المكثفة، هي إحدى الآليات الرئيسية التي ستضمن استمرار فاعلية الدور الأردني إقليمياً، وتضمن المصالح الجيوسياسية والاقتصادية المختلفة في المنطقة. ويستغل الأردن في ذلك موقعه الجغرافي الذي يجعله طرفاً مركزياً ومحورياً في قضايا وأزمات مهمة، مثل القضية الفلسطينية، والأزمة السورية.
5– تعزيز العلاقات بالقوى الدولية الرئيسية: شكلت العلاقات بالقوى الدولية عاملاً هاماً في السياسة الخارجية الأردنية على مدار عقود لاعتبارات عديدة، في مقدمتها الحسابات الأمنية والاقتصادية لصانع القرار الأردني؛ إذ إن تعزيز العلاقات بالقوى الدولية يضمن، بطريقة أو بأخرى، للأردن تأمين مصالحه في سياق إقليمي محتدم بالأزمات، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية المتحققة من وراء العلاقات بهذه القوى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان تعتبران من أهم الحلفاء الدوليين للأردن. وفي سياق كهذا، يمكن القول إن التحركات الأخيرة للأردن في الإقليم تستهدف، في جانب منها، إعادة تأكيد الدور الإقليمي للأردن، وهو أمر يضاعف من أهمية عمان للقوى الدولية باعتبارها طرفاً يمكن الاعتماد عليه في بعض الملفات الإقليمية.
6– دعم المشروعات العربية المشتركة: لا تنفصل التحركات الأخيرة للأردن عن المحاولات التي بذلتها عمان خلال السنوات الأخيرة لدعم منظومة العمل العربي المشترك، وإحياء بعض المشروعات والتكتلات القديمة الهادفة إلى خدمة المصالح الإقليمية للأردن. وتجلى هذا التوجه في سعي الأردن إلى صياغة إطار للتعاون مع كل من العراق ومصر؛ إذ استضاف الأردن، في أغسطس 2020، قمة ثلاثية بين مصر والعراق والأردن، وشهدت أعمال القمة طرح مشروع “الشام الجديد” للتكامل الاقتصادي بين البلدان الثلاثة.
لا يمكن إغفال أن دعم الأردن لهذا المشروع، وغيره من المقترحات العربية المشتركة مثل أطروحة “الناتو العربي”، يخدم المصالح الأردنية من عدة زوايا؛ فهو يعطي السياسة الأردنية في الإقليم المزيد من الزخم بوصفها صاحبة مبادرة، ناهيك عن منح الأردن تنوعاً في خياراته الخارجية، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والأمنية التي يمكن تحقيقها عبر تعزيز التعاون بين الأردن والدول العربية الأخرى.
ختاماً.. يمكن القول إن تنامي التحركات الأردنية على المستويين العربي والإقليمي، سواء على مستوى عقد المباحثات الثنائية والمتعددة، أو عبر الدعوة إلى تشكيل أحلاف وتكتلات عسكرية وأمنية، يمثل أحد التجليات الرئيسية لسياسة الأردن الخارجية في السنوات الأخيرة، التي تستهدف لعب دور في زيادة التنسيق العربي المشترك في مواجهة التحديات والمتغيرات العديدة التي تشهدها المنطقة، بما يُتيح للأردن فرصة للعب دور إقليمي أكبر، ومواجهة التحديات المحيطة به، سواء التحديات المرتبطة بالبيئة الإقليمية، أو الداخلية خصوصاً الاقتصادية.
المصدر: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية