- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
لماذا أصدرت وزارة الدفاع البريطانية استراتيجيتها الدفاعية للذكاء الاصطناعي؟
لماذا أصدرت وزارة الدفاع البريطانية استراتيجيتها الدفاعية للذكاء الاصطناعي؟
- 20 يوليو 2022, 4:38:20 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
أطلقت وزارة الدفاع البريطانية رسمياً في 15 من يونيو المنصرم استراتيجيتها الدفاعية الأولى من نوعها في مجال الذكاء الاصطناعي؛ وذلك لمواكبة التحديات المستجدة والمتطورة في النظام الدولي، واستجابةً لتدهور الأمن العالمي، خاصةً أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حيوياً باعتباره المجال الأكثر تحويلاً للتكنولوجيا بما يوفره من قدرة على إعادة تشكيل الحروب المستقبلية واعتماد تحديد المنتصر أو الخاسر في النزاعات المستقبلية بدرجة كبيرة على السرعة والفاعلية التي تتمتع بها أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ وذلك بالنظر إلى ما كشف عنه عصر المنافسة العالمية من تهديدات مختلطة وبالنظر إلى دور الحرب الأوكرانية في التشديد على أهمية تعزيز وتحديث قدرات القوات المسلحة لكي تكون قادرة على الاستجابة للصراعات المختلفة وللمتطلبات التي تفرضها المنافسة عالمياً.
وتنطوي الاستراتيجية على توضيحات بشأن كيفية التحول لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الدفاع على نطاق واسع بأسلوب فعال، والمعايير التي تستند إليها للدفع في اتجاه دمج المفاهيم الجديدة والتكنولوجية المتطورة في القدرات العسكرية وتحويل وزارة الدفاع إلى منظومة جاهزة لاستيعاب الذكاء الاصطناعي بما يدعم الطموحات البريطانية الخاصة بتطلعها للتحول إلى قوى عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا بحلول عام 2030؛ حيث إنها تبني على الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي أطلقتها الحكومة البريطانية العام الماضي. ويضاف إلى ما سبق تضمُّن الاستراتيجية الإشارة إلى الأهداف المنشودة والركائز التي تعتمد عليها، وسُبل تحقيق هذه الأهداف فضلاً عن اقتراح خطوات لتسخير الذكاء الاصطناعي دفاعياً.
دوافع محفزة
أوضحت الاستراتيجية الأسباب التي دفعت وزارة الدفاع البريطانية إلى التحول للاعتماد على الذكاء الاصطناعي دفاعياً، عبر تقديم رؤية لفهم التهديدات التي تواجه البلاد من جراء استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل خصوم الدولة، سواء من الفواعل الدولية أو من غير الدول لتهديد أمنها ومصالحها الخاصة. وتتمثل أبرز هذه الدوافع فيما يأتي:
1– تحول التكنولوجيا إلى ساحة واسعة للمنافسة بين الدول: نظراً إلى تحول التكنولوجيا إلى أحد المجالات التي تتصارع بشأنها الدول لاكتساب المزيد من النفوذ، وما يرتبط بذلك من تفاقم التهديدات في ظل اعتماد التقنيات الجديدة بوتيرة أسرع من قبل خصوم بريطانيا وتوظيفها لتهديد مصالح الدولة على نحو معقد بما يصعب عمليات الردع؛ فقد تنامى إدراك القيادة البريطانية بأن مكانة البلاد الدولية وقدرتها في الحفاظ على الأمن مستقبلاً والاحتفاظ بالمرونة للتكيف مع المستجدات تتوقف على فهم التغيرات التكنولوجية، لا سيما تلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتسخيرها والتكيف معها.
2– تنامي الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي بكافة المجالات: أفضت مساهمة الذكاء الاصطناعي بدرجة متزايدة في إحداث تحولات في كافة قطاعات المجتمع بما في ذلك دفع النمو الاقتصادي والتأثير على كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية؛ إلى إدراك وزارة الدفاع البريطانية ضرورة محاكاة الاستخدام المتنامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الدفاعي أيضاً؛ إذ إن من شأن هذه التقنيات أن تحسن عمليات اتخاذ القرار وتساهم في تعزيز الوصول إلى القوات العسكرية وتمكينها من استخدام المركبات القتالية المستقلة المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تمكين الجنود الموجودين على خط المواجهة من الحصول على صور تفصيلية التقطتها الطائرات المسيرة التي تعمل بأنظمة ذكية.
3– استخدام الخصوم الذكاء الاصطناعي لتهديد أمن البلاد: لجأت وزارة الدفاع البريطانية إلى تسخير الذكاء الاصطناعي لأغراض دفاعية مع إدراكها التهديدات التي تثيرها هذه التقنيات، نظراً إلى اتجاه الفواعل، حكومية غير حكومية، نحو استخدام هذه التقنيات عسكرياً لتهديد الأمن القومي للدول، عبر طرق غير مقبولة لأسباب قانونية أو أخلاقية أو لاعتبارات تتعلق بالسلامة، كما هو الحال بالنسبة إلى الحروب السيبرانية. وبالنسبة إلى الفواعل الدولية، فإن عكوفها على تطوير أنظمة روبوتات عسكرية للذكاء الاصطناعي لاستخدامها في مجالات عدة، منها الحرب الإلكترونية وفي التحكم والقيادة وغير ذلك من النظم العسكرية تثير المزيد من التحديات، فضلاً عن مساعي الجهات الفاعلة غير الحكومية إلى تسليح المنتجات التجارية المتقدمة وتوظيفها لتعريض القوات البريطانية للخطر، بالإضافة إلى محاولتها الحصول على التقنيات الرئيسية وسرقة الملكية الفكرية في المجالين الأكاديمي والصناعي.
4– مضاعفة الذكاء الاصطناعي من تأثير الهجمات السيبرانية: تفرض التهديدات الإلكترونية المعززة بالذكاء الاصطناعي تحديات عميقة؛ إذ إن أنظمة الذكاء الاصطناعي تضاعف تأثير الهجمات السيبرانية من خلال قدرتها المرتفعة على اكتشاف الثغرات واستغلالها، بما يتجاوز قدرة أنظمة المراقبة التي تعتمد على العنصر البشري من التعامل معها. ولا تقتصر التهديدات على ما سبق فقط؛ إذ إن أنظمة الذكاء الاصطناعي تُستخدم لنشر الشائعات وتكثيف المعلومات المضللة واستهداف الأفراد إلكترونياً.
5– التنافس لاكتساب ميزة تنافسية بمجال الذكاء الاصطناعي: يستمر الحلفاء والخصوم على السواء في الاستثمار بكثافة لتعزيز القدرات البحثية ولتوظيف ذوي المهارات العالية في ظل التنافس العالمي لاكتساب ميزة تنافسية فيما يتعلق باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما دفع لندن إلى التطلع للاستفادة من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي عبر الاستفادة مما توفره نقاط القوة الوطنية في المجال البحثي، ودعم الانتقال إلى الاقتصاد المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والحرص على مواءمة هذه الاستراتيجية مع الأهداف المحددة في الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي.
أهداف منشودة
أشارت الاستراتيجية البريطانية إلى أنها تستهدف تحقيق العديد من المكاسب بشرط مراعاة بعض الشروط والمتطلبات، ويمكن توضيح ذلك عبر ما يأتي:
1– تعزيز مكانة وزارة الدفاع البريطانية على المستوي العالمي: أوضحت الاستراتيجية أن رؤية وزارة الدفاع فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي تدور حول تعزيز دور الوزارة لكي تكون “المؤسسة الأكثر فاعلية وكفاء وموثوقية وتأثيراً في العالم”. وتعتمد الاستراتيجية على ثلاث ركائز رئيسية؛ هي ضمان الاستخدام “الطموح والآمن والمسؤول” للذكاء الاصطناعي، وهي الركائز التي تؤسس لاستخدام الوزارة اقترابات جديدة للتعامل مع القطاع الخاص بشأن الذكاء الاصطناعي. وتتطلع بريطانيا إلى تحويل الفوائد المرجوة من الذكاء الاصطناعي من المؤسسات إلى الاستخدام الفعلي في ساحات المعركة؛ حيث تسعى إلى تشغيل الأنظمة العسكرية التي تدعم الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي.
2– تحويل القوات المسلحة إلى مؤسسة مؤهلة للذكاء الاصطناعي: أوضحت الاستراتيجية أربعة أهداف رئيسية، على رأسها تحويل القوات المسلحة البريطانية إلى مؤسسة مؤهلة للذكاء الاصطناعي من خلال توظيف المواهب البشرية، وتنمية قدرات القوى العاملة، وتحديث التكنولوجيا والتمكين الرقمي على نحو متسارع وعلى نطاق واسع، فضلاً عن اعتماد الذكاء الاصطناعي واستغلاله بوتيرة متزايدة لإحداث ميزة دفاعية، بالإضافة إلى تشكيل التطورات العالمية للذكاء الاصطناعي لتعزيز الأمن والاستقرار والقيم الديمقراطية عبر الاتجاه للتعاون الدولي مع الحلفاء والشركاء لتوظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير سياسة أمنية مستقبلية، وكذلك تعزيز النظام البيئي للذكاء الاصطناعي الدفاعي في بريطانيا من خلال تحفيز الشراكات عبر الحوكمة والصناعة والأوساط الأكاديمية ومعالجة الحواجز التجارية.
3– تحديد هيكل للحوكمة فيما يتعلق بتبني الذكاء الاصطناعي: اشتملت الاستراتيجية على تحديد هيكل واضح للحوكمة؛ لضمان استيعاب وتبني وزارة الدفاع للذكاء الاصطناعي؛ حيث إن الهيكل مصمم لتضمينه في المستويات العليا المنوط بها اتخاذ القرارات في الدولة. ويحدد هيكل الحوكمة الأدوار المنوط بكل جهة الاضطلاع بها لضمان نجاح دمج الذكاء الاصطناعي في المنظومة الدفاعية؛ إذ إن إدارة الذكاء الاصطناعي الدفاعي لن تقع على عاتق جهة واحدة شاملة. وأوضحت الاستراتيجية الجهات المسؤولة في هذا الإطار، التي تتمثل في المكتب الرئيسي لوزارة الدفاع البريطانية الذي سيضع استراتيجيات وسياسات الذكاء الاصطناعي وسيعمل على ضمان الاتساق العام، فضلاً عن الموظفين المتوقع أن يعملوا وفقاً للاستراتيجية والتوجيهات التي يقدمها المكتب الرئيسي علاوةً على القيادة الاستراتيجية.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإنه لضمان إدارة التماسك الاستراتيجي في إدماج الذكاء الاصطناعي في منظومة الدفاع البريطانية، كشفت الاستراتيجية عن مساعٍ لتأسيس مركز الذكاء الاصطناعي الدفاعي (DAIC) المعني بتطبيق الاستراتيجية الجديدة ودمج الجوانب التقنية لاعتماد الذكاء الاصطناعي، الذي سيعمل بالاشتراك مع وحدة الدفاع والذكاء الاصطناعي (DAU) الموجودة منذ فترة، التي تتبع نائب رئيس الدفاع وتتمثل مسؤولياتها في تحديد الأولويات الاستراتيجية والسياسية على مستوى الدفاع في تنفيذ الذكاء الاصطناعي.
4– تمتع جميع مسؤولي وزارة الدفاع بفهم للذكاء الاصطناعي: يستوجب تطبيق الاستراتيجية في مجال الدفاع عدداً من المتطلبات، أبرزها ضمان أن يتمتع جميع المسؤولين في وزارة الدفاع بفهم استراتيجي لما ينطوي عليه مفهوم الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة، وتأسيس مركز ذكاء اصطناعي دفاعي جديد (DAIC) يمتلك رؤية واضحة لدعم وتمكين وابتكار التقنيات الناشئة في القوات المسلحة البريطانية، وما يتبعه من تعيين مسؤول جديد للذكاء الاصطناعي وإتاحة المزيد من فرص العمل في هذا الإطار. كما وضعت الاستراتيجية إطار عمل للعاملين في الدفاع المعتمد على الذكاء الاصطناعي بما فيها مسارات التطور الوظيفي.
5– العمل على تأمين الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي: شددت الاستراتيجية على ضرورة توافق المعدات العسكرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مع القيم الأخلاقية والقوانين البريطانية؛ حيث لم تغفل وزارة الدفاع البريطانية عن تأكيد أنها ستتخذ الإجراءات التي تؤمن الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا بالتزامن مع تحقيق أقصى استفادة منها للاحتفاظ بثقة الجمهور وشركاء الدفاع عبر تحديد المبادئ الأخلاقية الجديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الدفاعي التي تم تطويرها بالتعاون مع مركز أخلاقيات البيانات والابتكار (CDEI).
وأكدت الوزارة أنها ستكون قدوة يحتذى بها في هذا الإطار من خلال ضمان أن يتوافق استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض دفاعية مع المعايير الديمقراطية، وأن يحترم سيادة القانون نظراً إلى ما تثيره هذه القضايا من مخاوف تتعلق بالانحياز والمساءلة والمسؤولية البشرية. ولذلك ستمتثل العمليات العسكرية لبريطانيا لالتزاماتها الوطنية والدولية مع مراعاة اعتبارات السلامة والاسترشاد بالمبادئ الأخلاقية وتأكيد أن العمل الجماعي بين الإنسان والآلة سيكون نهجها الافتراضي لاعتماد الذكاء الاصطناعي.
ضمان التفوق
وختاماً.. أكدت الاستراتيجية أهمية الذكاء الاصطناعي باعتباره مورداً وطنياً استراتيجياً يلعب دوراً محورياً في تعزيز القدرات الدفاعية لكي تكون القوات المسلحة البريطانية قادرة على الاحتفاظ بميزة استراتيجية وتشغيلية أمام تنامي اعتماد الخصوم على الأنظمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي؛ وذلك عبر بناء أنواع جديدة من الشراكات للعمل مع القطاع الخاص لمنح الأولوية للأبحاث والتجريب والتطوير بهدف إحداث ثورة في قدرات القوات المسلحة البريطانية، كما تضمنت الاستراتيجية الإشارة إلى طموحات مرتفعة وأهداف رئيسية تعتمد على المزايا التي ستوفرها أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويعتبر إطلاق هذه الاستراتيجية خطوة محورية لتحويل مؤسسة الدفاع البريطانية إلى قوة جاهزة لتبني استراتيجيات الذكاء الاصطناعي.