- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
لطفي العبيدي يكتب: متى تترجم تضحيات الشعب الفلسطيني إلى نتائج سياسية؟
لطفي العبيدي يكتب: متى تترجم تضحيات الشعب الفلسطيني إلى نتائج سياسية؟
- 19 مايو 2023, 12:23:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
جاء العدوان الإسرائيلي الأخير في ظل انعدام الأفق الواضح أمام إيجاد حلول جذرية للأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة المحاصر، قطاع يكابد الويلات تحت أنظار العالم، وصلت فيه الأوضاع المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور والمعاناة. ووسط قناعة متزايدة على أن ما يحدث في غزة منذ انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار، إنما هو إدارة للموقف الميداني والأمني، بشكل يجعل الفلسطينيين رهائن المزاج الإسرائيلي في كل مرة. وهو مسار تستمر فيه العربدة الإسرائيلية، والتلكؤ في تطبيق أدنى مستويات التفاهمات الإنسانية. كتلك التي اتفق عليها في تشرين الأول/أكتوبر 2018، بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصر وقطر والأمم المتحدة.
إسرائيل تلقي في كل مواجهة تفتعلها مع المقاومة، أطنانا من الذخيرة والمتفجرات على الأبراج السكنية، وعلى المدنيين في قطاع غزة للتنفيس عن الإحباط الذي أصابها بعد فشل حكامها في وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. وقد صرح مسؤولون عسكريون من داخل إسرائيل بهذه الحقيقة، تصريح ربما يعكس نفاد بنك أهداف سلاح الجو الإسرائيلي، وعدم القدرة على الحد من زخم الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة باتجاه الأراضي المحتلة، توازيا مع فشل منظومة القبة الحديدية في صد معظم صواريخ المقاومة وتحييدها.
هذا بحد ذاته دليل على نجاح المقاومة الفلسطينية التي تصر على عدم السماح لإسرائيل بفرض قواعد الاشتباك التي ترغب بها، وكسر محاولاتها لتثبيت ما تسميه الردع في كل مرة. وجولة المواجهة الأخيرة التي أرادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة لتجاوز أزمته الداخلية واسترضاء حلفائه المتطرفين من الصهيونية الدينية واستعادة العلاقة مع المؤسسات الأمنية والعسكرية التي واجهته في أزمة التعديلات القضائية، يبدو أنها لم تؤت أكلها، وفشلت محاولة الاستفراد بفصيل بعينه، كما تم سابقا، حيث رغب نتنياهو بمواجهة محدودة مع حركة الجهاد وجناحها المسلح سرايا القدس مع تحييد حركة حماس وقوتها العسكرية كتائب القسام. في المحصلة الميدانية للمواجهة الأخيرة التي تتزامن مع ذكرى النكبة، لم تسمح فصائل المقاومة الفلسطينية لنتنياهو بتحويل قطاع غزة إلى مسرح عمليات مستباح يلجأ إليه في لحظات الأزمات السياسية الداخلية الخانقة وتفاقم الاحتجاجات ضد حكومته التي تجمع المتطرفين، أو محاولات هروبه من الملاحقة القضائية بتهم الفساد. والأهم من كل ذلك، لم تعطه فرصة أن يفرض معادلة الاستفراد وشق الصف المقاوم، أو بتحقيق إنجازات أمنية وعسكرية على حساب الفلسطينيين.
لم تسمح فصائل المقاومة الفلسطينية لنتنياهو بتحويل قطاع غزة إلى مسرح عمليات مستباح يلجأ إليه في لحظات الأزمات السياسية الداخلية الخانقة
فشلت إسرائيل في تكرار استراتيجيتها الاستعمارية باعتماد نهج «فرّق تسد» من خلال استهداف حركة الجهاد الإسلامي لعزلها عن قوى المقاومة الأخرى. فكانت النتيجة معاكسة بمجيء الرد من غرفة العمليات المشتركة، والتفاف قوى المقاومة، والشعب الفلسطيني بكامله، حول حركة الجهاد. ترافقت معركة غزة الأخيرة مع مظاهر فشل عسكري واستخباراتي إسرائيلي، بما في ذلك فشله في توقع ردود أفعال المقاومة الفلسطينية التي أدارت المعركة بحكمة، وتخطيط علمي، من دون تسرع أو انفعال عاطفي بتوصيف مصطفى البرغوثي. فالمعركة الأخيرة في رأيه، أكدت عدم وجود فرق بين ما تسمى المعارضة الصهيونية، والحكومة الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بقمع الشعب الفلسطيني واضطهاده. إذ اندفعت المعارضة لدعم نتنياهو بكل طاقتها كما دعمته في تمرير قوانين عنصرية ضد الشعب الفلسطيني الذي يواجه مشروعا صهيونيا واحدا موحدا يسعى إلى تهويد وطنه وتصفية قضيته. لا سبيل لمواجهة حكومة الاحتلال العنصرية التي يمثل الفاشيان العنصريان المستوطنان المنتميان للأحزاب الدينية الأصولية اليهودية، بن غفير وسموتريتش، قوة مقررة داخلها تدفع بشكل متواصل نحو التصعيد الشامل، إلا بالمقاومة على الأرض وردع جرائم مثل هذه الحكومة الفاشية. وفصائل المقاومة الفلسطينية أكدت بعد انتهاء المواجهة ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أنها أفشلت بصمودها ووحدتها وقتالها المشرف مخطط العدو الصهيوني الغادر وجريمته القذرة، وأثبتت أنها قادرة على التحدي، مشددة على أنها ستكون دوما حاضرة ومتأهبة في كل الساحات وجبهات المواجهة. «فالرايات لم ولن تنكّس، وإرادة القتال لم ولن تتراجع أبدا». إنه صراع مفتوح ونضال يخوضه الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق حريته، وإنهاء الاحتلال وإسقاط كل منظومة الاستيطان والتمييز العنصري.
إسرائيل لم تقم من العدم، وإنما قامت على طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيا، فيما عرف بالنكبة. والوضع القائم في الشرق الأوسط لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه. وبالتالي، النشاط السياسي بات واجبا، خاصة على المستوى الدولي. والرهان ليس على وسائل الإعلام التقليدية الرسمية الموجهة، إنما على تغيير راديكالي للرأي العام يأتي من خلال وسائل الإعلام البديلة ووسائط التواصل الاجتماعي. ومن شأن وجود علاقة عادية أكثر، تلك التي كان فيها الدعم الأمريكي مشروطا، لا تلقائيا، أن يجبر الإسرائيليين كذلك على إعادة النظر في مسارهم الحالي. وبذل المزيد من أجل تحقيق سلام حقيقي ودائم. سيتعين عليهم، خصوصا، في تقدير ستيفن والت، إعادة التفكير في الاعتقاد بأن الفلسطينيين سوف يختفون ببساطة. وأن يبدأوا التفكير في حلول من شأنها ضمان الحقوق السياسية لليهود والعرب على حد سواء. والوضع غير الصحي داخل المؤسسات السياسية الأمريكية المساندة بشكل مطلق لكيان الاستيطان والاحتلال، يمنع كلا من الإدارات الديمقراطية والجمهورية من السعي خلف أفضل المواقف. ويضيف مشكلة أخرى إلى التضليل المتنامي الذي يعتري الخطاب الأمريكي العام. فحوى الأفكار وطبيعة المبادئ الحاكمة للسياسة الأمريكية لم تختلف، ومن الجيد أن يكشف دونالد ترامب مثلا في الفترة التي حكم فيها، عن حقيقة الوجه الأمريكي، عن التكبر الامبريالي الذي حول سياسات واشنطن نحو موقف أكثر تطرفا تجاه الشرق الأوسط وآسيا. وهو موقف لا ينفصل عن مركب الهيمنة العام الذي تمارسه على العالم. بما يكشف زيف القيم الديمقراطية التي تدعيها، وإخفاقها في ملامسة المعايير الأخلاقية والإنسانية المطلوبة في العلاقات الدولية، وخاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين العادلة.
المزيد من النشاط من أجل حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي دعا إليه كل من، نعوم تشومسكي وإيلان بابيه، على نحو كسر الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل. هذا هو المطلوب من كافة الأطراف إقليميا ودوليا، ولكن قلب الأدوار وتصوير الجلاد على أنه ضحية في نظرة مزيفة يصنعها الإعلام للرأي العام خاصة في الأوساط الغربية هي عقبة في حد ذاتها، وتحديدا بوجود مشاهد دائمة تصور «إسرائيل وهي تدافع عن نفسها»، أو «إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، مع إهمال متواصل لعوامل مثل التعدي المستمر على حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل بشكل تام، وسوء معاملة الأسرى في السجون، كذلك سياسات الاستيطان والتهويد في القدس والضفة، وما يجري من حصار وقتل وقصف على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات. كلها دلائل تشير إلى أن هناك سعيا للتخلص من الفلسطينيين من خلال مصادرة أراضيهم، وهدم منازلهم بشكل دائم، أو من خلال عزلهم كما هو الحال في غزة. بالتالي إسرائيل لا تسعى للسلام بل لتصفية كامل الحق الفلسطيني التاريخي، وطمس كل مقومات الوجود الفلسطيني.
كاتب تونسي