كمال يونس يكتب: هل حقًا.. نحن الآن الأمة الوسط؟!

profile
كمال يونس سياسي مصري وباحث إسلامي
  • clock 3 نوفمبر 2024, 1:22:19 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة البقرة مخاطبًا أمة الإسلام: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا) [الآية 143]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (الوسط هنا الخيار والأجود، كما يقال قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا وخيارها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه، أي أشرفهم نسبًا. ومنه جاءت الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات، وهي صلاة العصر كما في الصحاح). وتابع قائلاً: (لتكونوا شهداء على الناس، أي لتكونوا يوم القيامة شهداء على كل الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل) [تفسير ابن كثير 1/181].

وقال بعض المفسرين: المراد بـ(الوسط) هنا التوسط في الدين بين المفرط (بكسر الراء) والمفرط (بفتح الراء) وبين الغالي والمقصر في الأشياء. وهذا القول هو رأي الإمام الطبراني، فقال رحمه الله تعالى: (وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى: الجزء الذي هو بين الطرفين. وإنما وصفهم بالوسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو كغلو النصارى الذين غالوا وقالوا في سيدنا عيسى عليه السلام ما قالوا، ولا هم أهل تقصير كتقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به! لكن الأمة الإسلامية أهل توسط واعتدال، فوصفهم الله بذلك لأن أحب الأمور إلى الله أوسطها).

لكن المفسرين المعاصرين ذهبوا إلى معنى (الوسطية) أبعد مما ذكره المتقدمون؛ فذكروا أن وسطية الأمة وسطية شاملة وليست قاصرة على وسطية التشريع فحسب! بل هي (وسطية) في الاعتقاد والتصور؛ وهي وسطية في التفكير والشعور، لا تتبع كل ناعق ولا تقلد تقليد القردة المضحك، إنما تستمسك بدينها.

وهي (وسطية) في التنظيم والتنسيق، فهي ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب، وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب، وتزاوج بين هذه وتلك. فلا تُكل الناس إلى وسواس الشيطان ولا تُكلهم إلى وحي الوجدان، بل هي مزيج بين هذا وذاك.

وهي وسطية في الارتباط والعلاقات، لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تلغي ذاته، إنما تطلق من الدافع والطاقات لما يؤدي إلى الحركة والنماء.

وهي وسطية في المكان، فهذه الأمة هي التي تتوسط أقطار الأرض بين شرق وغرب وجنوب وشمال، وما تزال بموقعها هذا تشهد على الناس جميعًا.

وهي وسطية الزمان، تنهي عهد الطفولة البشرية من قبلها، وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها، وتقف في الوسط تنفض البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات، وتصدها عن الفتنة بالعقل والهوى، وتزاوج بين تراثها الروحي من عهد الرسالات ورصيدها العقلي المستمر في النماء، وتسير بها على الصراط المستقيم!

بعد كل هذه التفسيرات، يبقى السؤال:

هل حقًا.. نحن الآن الأمة الوسط التي ذكرها رب العباد في كتابه الكريم؟!

إن حال الأمة الإسلامية اليوم حال يندي له الجبين، فقد تبدل حالها من إيمان ويقين بالله تعالى إلى تعلق بالغرب والكفار.

أمة بدلت وغيرت شرع الله إلى شرائع وقوانين مأخوذة من الغرب الملحد.

أمة.. أبناؤها يصحون على السيجارة والكأس، وأخبار الفنانين والفنانات، وأهل الرقص، ولاعبي الكرة!

أمة بدلت المناهج التعليمية، وحذفت منها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وقصص وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والمجاهدين الفاتحين، واستبدلتها بقصص حياة أهل الفن واللاعبين، وجعلت منهم القدوة التي يجب أن تقتدى، والمثل الذي يجب أن يحتذى. فخرجت أجيال لا تعرف عن الإسلام إلا اسمه، ولا عن القرآن الكريم إلا رسمه!

أمة تركت الجهاد، وتركت نصرة المجاهدين في غزة ولبنان واليمن وفي كل مكان! بل.. وكثير منها يساعد المحتل الغازي بالدعم والعون، في الوقت الذي تشارك فيه بحصار هؤلاء المجاهدين!

أمة.. وهبها الله منهجًا يجعلها في مقدمة الأمم، فتخلت عنه، واتخذت مناهج ونظريات من صنع البشر، وبعيدة كل البعد عن المنهج الإلهي والصبغة الربانية، فذلت وهانت وضعفت!

فكيف لهذه الأمة أن تقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل هذه الآثام والذنوب والخذلان، وهي التي غيرت وبدلت منهجه صلى الله عليه وسلم ومنهج الله عز وجل؟

لقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل هذا، فقال في الحديث الذي رواه الإمام البخاري: (أنا فرطكم على الحوض، فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا؛ ليرد على أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم). قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، وأنا أحدثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم. قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري، لسمعته يزيد فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا، سحقًا لمن بدل معي) [رواه سهل بن سعد الساعدي، صحيح البخاري، ص 7050].

وشرح الحديث، إن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن مشهد من مشاهد يوم القيامة فيقول: أنا أتقدمكم على الحوض، فهو صلى الله عليه وسلم على حوضه، ويأتيه المؤمنون يشربون منه، ومن شرب منه لا يظمأ بعد ذلك أبدًا، ثم يأتي أناس يعرفهم النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفونه، فيبعدون عن الحوض ويمنعون من الوصول إليه. فيتساءل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب منعهم، فيقال له: إنهم غيروا وبدلوا بعدك. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: (سحقًا، سحقًا لمن بدل بعدي) أي: لمن بعدا، بعدا لمن غير وبدل بعدي.

وحاصل ما حمل عليه هذا الحديث، إنهم كانوا ارتدوا عن تعاليم ومنهج الإسلام، فتركوا الجهاد، وتخاذلوا عن نصرة إخوانهم المجاهدين، واستعانوا بعدوهم على إخوانهم. فقذف الله في قلوبهم الوهن، وهو حب الدنيا، وحب المناصب وكراهية الموت.

نسأل الله أن يرد كل من بدل دينه إليه، وإلى طريقه المستقيم، ردًا جميلًا. والله المستعان.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)