كلثوم الجوراني تكتب: مرايا البراءة

profile
  • clock 28 يوليو 2024, 9:56:49 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أنا حسناء 
في بيت كبير جدا وعدد من النساء والعبيد والصبية والفتيات عرفت أنني إحدى بنات عبادة ذلك المحارب القوي الذي تعتمد عليه قبيلتي ويخشاه كل من في القبيلة عبادة تزوج من أربعة نساء ماتت احداهن فتزوج الخامسة وكانت حسناء قد عشقها فأرادت أن تزيح باقي النساء لتبقى هي سيدة المنزل ، وبالفعل طرد ابي امي فطوم من بيته بحجة أنها ثرثارة ولأن الطلاق كان عارا في قبيلتي توسلت امي بابي أن لا يطلقها ولن تزعجه ابدا ووعدته بأنها ستتكفل بمعيشتنا وبالفعل فعلت ما وعدت به كانت امي سمراء لذيذة كأنها قهوة عربية وكنت أشبهها شبه كبير ، 

في العاشرة من عمري أصبح شباب القرية يطلبونني من أبي وكان العرف أن الفتاة تتزوج بعمر مبكرا جدا خطبني فرسان القبيلة وذواتها ولكن زوجة أبي الافعى كانت تحرض ابي أن لا يزوجني الا لراعيهم بحجة أنهم سيضمنون طاعته وبقاءه معهم دون أجرة وبالفعل فعل ابي ما أشارت عليه زوجته فزوجني الراعي زيدان كان زيدان هذا دميم الخلقة يتأتئ بكلامه وكانت اخلاقه سيئة للغاية ، كنت اندب حظي بالخفاء كي لا يسمعني أحد فيتهمني بأنني لا احب زوجي وهذا معيب باعراف قبيلتي ، كل أهل القبيلة يضربون المثل بجمالي وجمال صوتي حين اغني وانا اعمل في الارض كي اساعد زوجي في المعيشة ، 

أصبح لدينا بنتان جميلتان وحملت بطفلي الثالث كانت اعراض الحمل مختلفة عن حملي السابق أظنه صبي هذه المرة كنت فرحة جدا سيأتي الرجل الذي استند عليه بعدما رمتني اقداري في احضان نذل حقير ، عمري الان قارب السابعة عشرة ازداد جمالا كلما تقدمت في العمر وزيدان يزداد حقدا عليّ وعلى أبي الذي لا يكف عن إهانته ، في أحد الأيام أقام ابي وليمة كبيرة دعا فيها كبار القبيلة ووجهاءها ولأن زيدان كان صهره حضر تلك الوليمة وما أن وضعوا الطعام وتقدم الحاضرون ليأكلوا نظر ابي أن زيدان بين الحاضرين فصاح عليه (مكانك ليس هنا) قام زيدان ينفض يداه من الطعام وهو يكاد أن ينفجر من الغضب فقال لابي سأردها لك ضحك ابي مستهزئا به كيف سيردها هذا الراعي البائس ، مرت ايام قليلة على الحادثة وقلب زيدان يغلي من الحقد على أبي ، 

في إحدى الليالي قال لي أنه يريد أن يراني بابهى حلة وأنه قد دعا صديقه للعشاء معنا ففعلت كما أمر رتبت البيت الذي هو عبارة عن غرفة واحده ولكنها تشبه الجنة لشدة نظافتها وراىحة البخور التي تفوح منها ، أتى صديق زوجي فجلسنا نتناول العشاء معا ونحن كذلك واذا بزيدان ينهض كأنه نسي شيئا قال لقد نسيت سلاحي في المكان الفلاني وأخشى أن يسرقه أحد سأجلب السلاح واعود لكما كان الأمر طبيعيا ،

 بقينا على المائدة انا وصديق زيدان نتناول العشاء ونتحدث معا ونضحك وما هي إلا لحظات واذا بابي واخوتي يدخلون الغرفة شاهرين أسلحتهم وابي يقود (سودتي وجهي) لم افهم ماقاله ابي ولكنني عرفت فيما بعد أن زيدان دبر حيلة كي ينتقم من أبي وذهب لابي ليقول له وهو بالمجلس أنه أتى إلى بيته ليجدني انا وصديقه ، اقسمنا انا وصديق زوجي أننا ابرياء ولكن ابي رفض وعزم على قتلي ، كان أبي يعلم علم اليقين أنني بريئة وأنها حياة من زيدان إلا أنه يفضل قتلي على أن يلمزه أحد الناس بكلمة ، 

في تلك الليلة الباردة واني على وشك الولادة اخذ ابي واخوتي يسحبونني كالشاة إلى إحدى الخرائب ليذبحوني كنت أتوسل بهم أن يسمحوا لي والآخر مرة أن اقبل ابنتي وان احتضنهما ولكن ابي كان قاسيا ظالما ، قام ابي بنحري ومن بعد قطع اخي كف يدي دليلا على قتلي ليصلب الكف على باب الدار وهذا بعرف قبيلتي غسلا للعار ،
ماتت حسناء وفي تلك الليلة رأها احد أعيان القبيلة في الرؤيا وهي تحمل طفلها وقالت له قل لابي أن العمى بأنتظاره ولاخي سيموت شر ميتة ، وبالفعل بعد أشهر عمى عبادة وتحول من فارس القبيلة إلى ذليل تعنفه زوجته الشابة الصغيرة وتعيره بعماه وتصفه بأنه ثقل عليها وتتمنى موته ، أما اخو حسناء فكان يحرس الزرع من الخنازير فغلبه النوم فأكلته الذئاب ولم يجدوا منه إلا بقايا عظام وبعض من ثيابه الممزقة .
هل سأل أحد ماذا عن زيدان ، أما زيدان هذا فقد أصيب بالكوليرا وكان في ذلك الوقت يحرق كل من يصاب بالكوليرا كي لا ينتشر المرض فأحرقوه حيا ، انتقمت كف حسناء المحنطة على باب دار ابيها وبعد ذلك أيقنت القبيلة ببرائتها ولكن بعد فوات الاوان .

التعليقات (0)