- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
كلثوم الجوراني تكتب: مذكرات عانس
الكل من حولي يجامل الا مرآتي فهي صريحة حد الوقاحة كلما وقفت أمامها أشارت إلى كهولتي أرى فيها حربا بين لون شعري والشيب الذي يغزوه ويأبى الشيب إلا أن ينتصر ، أرى خطوط الزمن التي ظهرت جلية على وجهي ، جسدي الهزيل الذي ودع رونق الشباب ، تظهر لي مرآتي الحقيقة كما هي ، تجعلني اسخر من مجاملة الناس لي ، مازلت صبية ، ما اجملك ، تبدين أصغر من اقارنك كل هذه المجاملات تقتلها مرآتي بنظرة واحدة .
ها أنا في الثانية والأربعين من عمري ولم اتزوج ، ليلة البارحة تزوجت اختي التي تصغرني بسنتين بعمر السادسة عشر وها هي تحمل حفيدها الاول ، اوراقي ودفاتري التي اكتب عليها بعض الخربشات اسميها شعراً ، بعض القصص التي جالت في خاطري عند المراهقة فسطرتها في تلك الدفاتر كأنني كتبتها يوم امس ، كم كنت أحلم أن أصبح مثل اجاثا كريستي أو بديعة عمارة .
تقدم لي حبيبي حينما كنا في العشرين فرفضته أمي بحجة أنه فقير وكرر خطبتي مراراً وعندما يأس تزوج ، سمعت أن له ولدا في الجامعة .
لا اعلم كيف غافلني الزمن وسرق مني العمر في الأمس كنت العب مع صويحباتي في شارعنا واليوم صويحباتي أصبحن امهات وجدات
انا والزمن كأننا نلعب جر الحبل فكلما حاولت الحفاظ على شباب ملامحي ولياقتي جرني الزمن نحو الشيخوخة
سافرت امي إلى عالمها الابدي وسبقها ابي بسنتين ، زوجة أخي مشغولة بتربية اولادها وأخي مشغول بعمله ولطالما سمعت عبارات المدح والثناء من اقاربي لاخي وزوجته لانهما يأوياني في بيتهما وكأن وجودي في بيت اخي إنجاز لاخي وزوجته ، غفل الجميع عن تربيتي لاولاد اخي وما أعانيه كي اساعدهم في تحضير دروسهم وواجابتهم اليوميه ، غفل المشفقون عليّٓ أنني أنفق راتبي الشهري في مساعدة اخي لتوفير متطلبات عائلته .
عزائي الوحيد هو عملي ، فأنا اذهب كل يوم بكامل أناقتي لعملي أشعر بالحياة تتجدد في عروقي ولكن قصص زميلاتي تذكرني بخيبتي ، يجتمعن فيما بينهن متداولات اخر الاخبار عن حياتهن هذه تقول إن ابني سيتزوج الاسبوع القادم وثانية تقول تخرجت ابنتي من الجامعة وأخرى تتكلم عن احفادها ومشاكساتهم ، مع أن حديثهن يبدو حديث تافه لا معنى له إلا أنه يزيدني احباطا ويأساً على يأسي ابقى بينهن صامتة كالبكماء .
وأخيراً طرق الحظ بابي فقد تقدم لي ابن عمتي الذي يكبرني بعشر سنوات كان سيداً خمسينياً مثقف ووسيم لم يكن يعنيني أن أولاده وأحفاده من حوله وزوجته جهمة الوجه فكل ما أريده هو قلبه وأن أشعر بأن لي سندا في هذه الحياة استمرت خطوبتنا اشهر كان طيلة تلك الأشهر يسألني عن أدق التفاصيل في حياتي واكثر شيء يسأل عنه كان راتبي الشهري واين أنفقه ، ولأنني كنت كغريق يريد التشبث بأي شيء كنت اتشبث به ولم اكن انتبه كثيرا لاسألته وماذا كان يقصد من ذلك جلسنا نتحدث عن موعد زفافنا وعن بدلة العرس وكل ما يخص حفلة الزفاف وكنت احلق في سماء الامل فرحا ، أخيراً ابتسم القدر لي وقررت الدنيا أن تهادنني ، لم يتبق إلا القليل على موعد زفافنا وكنت كل يوم اصلي لله شكرا لأنني ساتزوج ويكون لي بيتا كقريناتي إلا أن فرحتي هذه لم تكتمل ، كأن اقداري ضرائر وخطيبي كان اجملها فأبت الأقدار الا أن تبعده عني ، لقد تعرض لوعكة صحية أفقدته النطق والحركة وأصبح طريح الفراش لا يعرف احد من حوله .
وها أنا اعود لخيبتي ولمرآتي .
وقفت مرة وانا انشد الموت يائسة بائسة فأذا بيد ضميري تصفعني لا تسلمي لليأس ما زال هناك أمل ، قلبك ينبض وفكرك نير ولا زالت الحياة جميلة ، رمتت ما هدمه القدر من روحي وامسكت قلمي وعدت للكتابة مرة أخرى ، خط قلمي طريق الحياة لي من جديد وصدر لي كتابي الاول اسميته (مذكرات عانس ).