- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
فيصل محمد يكتب: مؤتمر القاهرة خطوة للأمام
فيصل محمد يكتب: مؤتمر القاهرة خطوة للأمام
- 15 يوليو 2023, 6:53:30 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
صار موضوع احتمالات التدخل الدولي في السودان حديث الساعة، لا يتوقف الجدل حوله في جلسات السودانيين ومنتدياتهم، أو في منتديات مواقع التواصل الاجتماعي، وكما هو متوقع فدرجة حدة النقاش مرتفعة جداً، تتوزع فيه اتهامات استرخاص دماء السودانيين والرغبة في تحقيق نصر سياسي بأي ثمن حتى لو أدى ذلك لتدمير كل البلد، مع اتهامات مقابلة بالخيانة والرضوخ للإملاءات الخارجية والعمالة للأجنبي. وتتبع ذلك تفسيرات متناقضة للتدخل الدولي، فمن الواضح أنه ليس مرفوضاً من حيث المبدأ، لكن يتم قبوله ورفضه بحسابات مصالح كل طرف، كما أن من يرفضونه يحصرونه في وجود قوات أجنبية بالبلاد. لهذا رفض المتحدثون باسم الطرف الحكومي التدخل الخارجي لـ«الإيقاد»، ورحبوا بالتدخل الخارجي لدول جوار السودان، كما رحبوا بمنبر جدة التفاوضي من قبل، فيما يعلن المتحدثون باسم «الدعم السريع» قبولهم بأي مقترح يؤدي لوقف الحرب، أو هكذا يصرحون، من دون اختبار حقيقي لهذا الموقف.
الحقيقة التي يتجاهلها البعض أن الجهود الوطنية لاحتواء النزاع وتجنب الصدام العسكري تم وأدها مع انطلاق الرصاصات الأولى صباح يوم 15 أبريل (نيسان)، والمدهش والمحزن في الوقت نفسه أن الجهود كانت متواصلة حتى ساعات الفجر الأولى، وتم تحديد اجتماع حاسم ظهر يوم السبت، لكنه بالطبع لم يتم. بعد ذلك بدأت لعبة التصنيفات بمنطق من ليس معي فهو ضدي، وتم تخوين المجموعات الرافضة للحرب، وانهد جدار الثقة، ولم تعد هناك فرصة للجهود الوطنية الداخلية، وانفتح الباب بالتالي أمام الجهود الإقليمية والدولية.
الطرف الأقرب للحكومة والقيادة الحالية للقوات المسلحة اعتبروا مقررات مؤتمر لجنة الأربعة لمنظمة الإيقاد التي عقدت بأديس أبابا في 10 يوليو (تموز) الحالي نوعاً من التدخل الخارجي المرفوض. فهو لا يعترف بالحكومة السودانية كطرف في مواجهة قوة متمردة، كما تريد الحكومة، وإنما تعامل معهم كـ«طرفي النزاع». ثم إنه رفض الاستجابة لطلب تغيير رئيس اللجنة الرئيس الكيني وليام روتو، الذي وصفته الحكومة بعدم الحياد، وأخيراً أشارت المقررات لإمكانية إرسال قوة من قوات التدخل الاحتياطي لشرق أفريقيا للفصل بين المتحاربين.
من جانب ثانٍ، تم الترحيب من كل الأطراف بمؤتمر دول جوار السودان، الذي دعت له مصر، وعقد يوم الخميس 13 يوليو الحالي، رغم أنه تحدث أيضاً عن «طرفي النزاع»، ودعا إلى وقف إطلاق النار، ودعا إلى مشاورات واسعة تشارك فيها القوى المدنية، وكوّن آلية من وزراء الخارجية سيجتمعون لمتابعة التوصيات. الأقلام والأصوات المرحبة تجاهلت أن الأطراف السودانية، بما فيها الطرف الحكومي، لم تكن مدعوة للمشاركة، والتقطت فقرة قالت إن النزاع هو شأن داخلي سوداني. ولم يقف أحد ليسأل؛ لماذا يجتمع رؤساء 7 دول ومنظمتين دوليتين لمناقشة أمر داخلي سوداني....؟
ما يهمنا الآن أن مخرجات مؤتمر القاهرة، رغم أنها لم تحمل شيئاً جديداً، وجدت قبولاً من كل الأطراف المسلحة والقوى السياسية، لكن أهم ما نتج عن مؤتمر القاهرة أنه ردّ الاعتبار للدور المصري وفتح له نافذة مهمة بعد أن تم استبعاد مصر من عمل اللجنة الرباعية التي ضمت السعودية ومصر والولايات المتحدة والأمم المتحدة، ما دفع مصر لمعارضة الاتفاق الإطاري ومحاولة خلق منصة موازية له.
الواضح الآن أن خيار وساطة منظمة الإيقاد قد ضعف جداً، وربما لم يعد مطروحاً طالما رفضه أحد الأطراف، كما أن المنظمة وأعضاء اللجنة، خصوصاً الرئيس الكيني وليام روتو، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، قد حرقوا أوراقهم مع الحكومة بعد تصريحاتهم المتشددة حول الفراغ القيادي في السودان، وسيصعب إقناع المجتمع الدولي بتبني تدخل عسكري دولي أو إقليمي دون موافقة الحكومة السودانية، وإن حدث ذلك فسيفتح الباب أمام حالة التجييش والتعبئة التي تنشط فيها الجماعات الإسلامية المتطرفة. ومن غير المفهوم الإصرار على استمرار الرئيس الكيني في رئاسة اللجنة، بينما كان من الممكن أن يترك الرئاسة لغيره، ويكسب بالتالي فرص نجاح أكبر لمبادرة «الإيقاد».
يتبقى في الساحة خياران، إما أن تنشط آلية دول الجوار بسرعة وتقنع الطرفين بالدخول في مفاوضات سريعة بمراقبة ومشاركة «الإيقاد» والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وهناك إمكانية لنجاحها بحكم علاقة الطرف الحكومي، خصوصاً الجنرال البرهان، بمصر، أو العودة لمنبر جدة مرة أخرى بعد إعادة تنشيطه ورفده بأفكار مما دار في قمة الإيقاد وقمة دول الجوار. ولمنبر جدة أيضاً فرصة في النجاح بحكم أنه يتم تحت رعاية الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والدولتان مهمتان ومؤثرتان في سياسة الإقليم والمنطقة، ولهما وزن سياسي واقتصادي كبير.
سواء عاد الطرفان لمنبر جدة، أو التقيا على مائدة دول الجوار، فإن المطروح متشابه ومجمع عليه؛ وقف إطلاق النار، والفصل بين القوات، وفتح منبر حوار بمشاركة القوى المدنية، يناقش مستقبل البلاد بعيداً عن فوهة البندقية.