محمد دوير يكتب : عن عبدالحليم حافظ في ذكرى رحيله

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 30 مارس 2021, 5:24:29 م
  • eye 950
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أنا من جيل لم يعاصر عبد الحليم حافظ ، فقد رحل عن عالمنا ونحن أطفال، ولكننا أدركناه في سن الشباب، كحالة طرب كانت مهيمنة علي الساحة في الثمانينيات، ظلت تجربته هي الشريان الذي يمد مشاعرنا الانسانية والوطنية بطاقة حب وانفعال ، فاستطاع صوته واحساسه أن يضبط إيقاع مشاعرنا، أن تتجسد في كلمات أغانيه وألحانها صورة الحبيب، سواء وطنا أو إنسانا.


.. وتجربة عبد الحليم الفنية والانسانية، جعلت منه حالة درامية فيها كل زخم الحياة، العذوبة والمرض/ الشهرة والشعور بالوحدة / الغناء الوطني والعاطفي .. الخ ، وكان مرافقا لأحلام الوطن وأمانيه، لأنتكاساته وهزائمه، ومؤسسا للملايين من حالات العشق والحب ، وتحولت تجربته الي إحدي ربات الهوي والغرام لأكثر من جيل، فأصبح جزءا من وجدان وثقافة هذه الأمة في النصف الثاني من القرن العشرين.


.. ورغم أنه مات مبكرا – 47 سنة – بمرض المصريين الشهير – الكبد – إلا أن زمنية موته وتوقيتها، كانت تعبيرا وتزامنا مع تحولات جذرية جرت علي الواقع العربي، والمصري بوجه خاص ، انتقل بموجبها الوجدان المصري الي مرحلة أخري استجابة لمتغيرات شوهت الشخصية العربية والمصرية، ففي نهاية الثمانينيات وحتي اليوم، بدأ الغزو علي الثقافة والفن ، فانتقلنا من مرحلة عزيز صدقي الي عثمان أحمد عثمان، ومن مرحلة التحرر الوطني الي مرحلة التحرر الاقتصادي، ومن فكرة النسيج الوطني الي نظرية الاسلام دين ودولة، ومن دولة العمال والفلاحين الي دولة العلم والايمان، ومن عبد الحليم حافظ الي أحمد عدوية، ومن أفلام مثل الايدي الناعمة الي الباطنية، ومن عدي النهار، وقارئة الفنجان الي سلامتها أم حسن ، ومن أحمد رامي الي أي مؤلف أغاني علي مقهي...الخ


.. وكلما ابتعد المجتمع المصري وانفصل عن ذاته، كلما ابتعد عبد الحليم وتجربته عن صياغة وجدان الأمة والتعبير عن مشاعرها، وظللنا نتراجع حتي صار الفن حراما، والغناء من عمل الشيطان، وتفسخ الحس الشعبي، وتجزأ المجتمع، فظهرت الأغاني الاسلامية في الأفراح بين الأسر المحافظة، والأغاني الأجنبية بدءا من جون ترافولتا ومايكل جاكسون حتي مطربي اليوتيوب اليوم بين أوساط الأجيال الجديدة.


.. وكما انقسم التعليم المصري الي ( حكومي – اجنبي – ديني ) انقسم الغناء أيضا الي تلك المستويات الثلاثة فأصبح عبد الحليم – كحالة ورمزية – هو الصوت المعبر فقط عن اتجاه معين بين الناس، وشريحة محددة منهم ، ومزاج معين دون غيره وكأنه مات مرتين، الأولي في مثل هذا اليوم 30 مارس 1977، والثانية تحققت تدريجيا، عندما تشتت الوجدان الجمعي للمجتمع، ودخل في خصومة، ليس مع عبد الحليم فقط، ولكن مع جيله من المطربين والفنانين ولم تفلح محاولات أبناء عبد الحليم أمثال الحجار وصالح والحلو ومنير من البقاء علي قيد الحياة وحماية الأغنية الحقيقية..


.. لقد تغير كل شيء، ليست أغنية عبد الحليم فقط، ولكن جمهور عبد الحليم أيضا، والمناخ الذي أفرز عبد الحليم ، لدرجة تدعو للدهشة ، كيف كان بإمكان شعب قادر علي سماع الاطلال وحاول تفتكرني وعش أنت ..الخ أن يتحول الي مدمن مهرجانات ؟؟


.. رحم الله عبد الحليم، الانسان، والمطرب، والحالة الفنية التي نسعي للتمسك بها قدر تمسكنا بكل قيمة فنية ونغمة لحنية وكلمة عذبة في زمن استأسد فيه الضباع.

.

..أنا من جيل لم يعاصر عبد الحليم حافظ ، فقد رحل عن عالمنا ونحن أطفال، ولكننا أدركناه في سن الشباب، كحالة طرب كانت مهيمنة علي الساحة في الثمانينيات، ظلت تجربته هي الشريان الذي يمد مشاعرنا الانسانية والوطنية بطاقة حب وانفعال ، فاستطاع صوته واحساسه أن يضبط إيقاع مشاعرنا، أن تتجسد في كلمات أغانيه وألحانها صورة الحبيب، سواء وطنا أو إنسانا.


.. وتجربة عبد الحليم الفنية والانسانية، جعلت منه حالة درامية فيها كل زخم الحياة، العذوبة والمرض/ الشهرة والشعور بالوحدة / الغناء الوطني والعاطفي .. الخ ، وكان مرافقا لأحلام الوطن وأمانيه، لأنتكاساته وهزائمه، ومؤسسا للملايين من حالات العشق والحب ، وتحولت تجربته الي إحدي ربات الهوي والغرام لأكثر من جيل، فأصبح جزءا من وجدان وثقافة هذه الأمة في النصف الثاني من القرن العشرين.


.. ورغم أنه مات مبكرا – 47 سنة – بمرض المصريين الشهير – الكبد – إلا أن زمنية موته وتوقيتها، كانت تعبيرا وتزامنا مع تحولات جذرية جرت علي الواقع العربي، والمصري بوجه خاص ، انتقل بموجبها الوجدان المصري الي مرحلة أخري استجابة لمتغيرات شوهت الشخصية العربية والمصرية، ففي نهاية الثمانينيات وحتي اليوم، بدأ الغزو علي الثقافة والفن ، فانتقلنا من مرحلة عزيز صدقي الي عثمان أحمد عثمان، ومن مرحلة التحرر الوطني الي مرحلة التحرر الاقتصادي، ومن فكرة النسيج الوطني الي نظرية الاسلام دين ودولة، ومن دولة العمال والفلاحين الي دولة العلم والايمان، ومن عبد الحليم حافظ الي أحمد عدوية، ومن أفلام مثل الايدي الناعمة الي الباطنية، ومن عدي النهار، وقارئة الفنجان الي سلامتها أم حسن ، ومن أحمد رامي الي أي مؤلف أغاني علي مقهي...الخ


.. وكلما ابتعد المجتمع المصري وانفصل عن ذاته، كلما ابتعد عبد الحليم وتجربته عن صياغة وجدان الأمة والتعبير عن مشاعرها، وظللنا نتراجع حتي صار الفن حراما، والغناء من عمل الشيطان، وتفسخ الحس الشعبي، وتجزأ المجتمع، فظهرت الأغاني الاسلامية في الأفراح بين الأسر المحافظة، والأغاني الأجنبية بدءا من جون ترافولتا ومايكل جاكسون حتي مطربي اليوتيوب اليوم بين أوساط الأجيال الجديدة.


.. وكما انقسم التعليم المصري الي ( حكومي – اجنبي – ديني ) انقسم الغناء أيضا الي تلك المستويات الثلاثة فأصبح عبد الحليم – كحالة ورمزية – هو الصوت المعبر فقط عن اتجاه معين بين الناس، وشريحة محددة منهم ، ومزاج معين دون غيره وكأنه مات مرتين، الأولي في مثل هذا اليوم 30 مارس 1977، والثانية تحققت تدريجيا، عندما تشتت الوجدان الجمعي للمجتمع، ودخل في خصومة، ليس مع عبد الحليم فقط، ولكن مع جيله من المطربين والفنانين ولم تفلح محاولات أبناء عبد الحليم أمثال الحجار وصالح والحلو ومنير من البقاء علي قيد الحياة وحماية الأغنية الحقيقية..


.. لقد تغير كل شيء، ليست أغنية عبد الحليم فقط، ولكن جمهور عبد الحليم أيضا، والمناخ الذي أفرز عبد الحليم ، لدرجة تدعو للدهشة ، كيف كان بإمكان شعب قادر علي سماع الاطلال وحاول تفتكرني وعش أنت ..الخ أن يتحول الي مدمن مهرجانات ؟؟


 رحم الله عبد الحليم، الانسان، والمطرب، والحالة الفنية التي نسعي للتمسك بها قدر تمسكنا بكل قيمة فنية ونغمة لحنية وكلمة عذبة في زمن استأسد فيه الضباع...


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)