- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
عماد الصابر يحقق مذكرات البكباشي جلال ندا (1 ) ويكشف الدور الخفي للإخوان في 48
عماد الصابر يحقق مذكرات البكباشي جلال ندا (1 ) ويكشف الدور الخفي للإخوان في 48
- 1 يوليو 2021, 3:46:29 م
- 1281
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مقدمة
في يوليو حدثت الثورة ، وقبلها بنحو أربع سنوات، حدثت مسببات النكبة العربية، في يوليو أيضا، لا في مايو كما يعتقد الذين أرَّخوا لها ببداية الحرب ومفاوضات الهدنة، فيما الأحداث كلها تشير إلي أن يوليو الذي كان شهرا للنكبة والهزيمة في 1948، تحول بعد تشكيل اللبنة الأولي للضباط الأحرار بعدها، ليكون شهر الثورة التي غيرت مجري الأحداث في مصر ... في هذه السلسلة من الحلقات نتحدث عن الحرب وذكرياتها، من خلال أوراق الراحل البكباشي جلال ندا التي استودعها أمانة لدي الكاتب، وفيها أيضا الكثير من الوقائع التي ذكرها علي لسانه باعتباره شاهدا علي مجريات الاحداث، أو علي ألسنة قادة الثورة أنفسهم، كاشفا ما غم علي كثير ممن أرخوا للحدث العظيم في تاريخ مصر الحديث، ومع تتابع الحلقات سنتعرف علي ندا شخصيا مصحوبا بذكرياته عن الحرب التي شارك فيها، وكيف أنقذ جمال عبد الناصر من الموت، بينما هو قعيد مصاب لا يجد منفذا لعلاجه، وكيف كانت قيادة البطل احمد عبد العزيز للفدائيين، وعن الهدنة التي خربت التاريخ المعاصر للعرب، وتسببت في هزيمتهم بالشكل الذي يؤرخ له المؤرخون باعتبارها النكبة العربية، ودور الاخوان المسلمين في هذه الهزيمة، وخطة القائد عبد العزيز لاحتلال القدس، ونتيجة رفض القيادة لها، وبعدها نستمع لشهادته عن بدء تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وكيف تشكلت علاقة محمد حسنين هيكل بعبد الناصر، ثم الحوارات التي أجراها مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتحقيقنا لبعض مما ورد فيها، عبر شهادات أخري لم ترد في مذكراته ، سعيا للبحث عن حقيقة ما حدث في مصر منذ العام 1948 إلي قيام الثورة لنصل إلي ذهاب السادات إلي القدس، ورأي المعاصرين لعهده في هذه المبادرة، كل هذا وأشياء أخري ستمثل مفاجآت نتركها لوقتها ......
عماد الصابر يحقق مذكرات البكباشي جلال ندا (1)
الدور الخفي للإخوان في نكبة فلسطين
أسرار استشهاد البطل أحمد عبد العزيز ومفاوضاته مع موشي ديان لدخول القدس
القائد رفض خطة حرب العصابات التي اقترحها "عبد العزيز"لحماية الجيوش النظامية قبل استشهاده بأيام
ندا : حاولت إثناء الإخواني "الخفي" عن قبول الهدنة باعتباره القائد العام المسئول لكنه رفض واتهمني بالجنون
الشهيد طلب مهلة يوم واحد لاحتلال القدس قبل الهدنة لكن القيادة رفضت بعد أن أرسل "المواوي" يستعديها ضده
سوف أموت اليوم .. قالها وكأنه كان يستشرف حدثا علي بعد خطوات منه، يقف علي عتباته أو يقترب منه في صمت، لم يدم سوي أيام معدودة من العام 2003 ، قال لي :" لم أمت برصاص العصابات الصهيونية ولا بشظية لا تزال عالقة بكبدي، لكني أري اليوم فلسطين جديدة تضيع، إنها كل الوطن بينما الجميع صامت أو متآمر أو متخاذل، .. الأفضل لي يا بني أن أموت اليوم قبل أن يحملني الأحفاد علي محفة العار إلي قبر ترابه محتل".
قالها من لقبته الصحافة بالشهيد الحي، القائمقام جلال ندا أحد أبطال حرب فلسطين عام 1948 ، ثم مسح بمنديله دمعة مكابرة، فأطرقت وجلا دون أن أدري أن اليوم هو آخر أيام لقاءاتي به، وأنها ستكون المرة الأخيرة التي أراه فيها حيا، كان اليوم هو الأربعاء الأخير من يناير 2003 ، وكنت أزوره كعادتي بعد أن حملني أمانة السؤال عنه في ظل تَنَكُّر الكثيرين له، وأمنني علي وريقات يحكي فيها تاريخه وتاريخ الوطن الذي التصق به، علي أن أذكر للتاريخ من هو جلال ندا؟ وماذا فعل لوطنه ضابطا مقاتلا وصحفيا وفدائيا؟، حمل من ذكريات الدفاع عنه في ميدان القتال شظية، علقت بكبده واستقرت فيه، كان استمرارها خطرا علي حياته – كما أكد له الأطباء- لكنه قال في لهجة عسكرية صارمة "اتركوها "، ولما علمت "اسرائيل" عرضت علاجه عن طريق الصليب الأحمر لكنه رفض وفضل البقاء بين جنوده وزملاءه، .. كان يشير إليها وكأنها تذكره، بما كان إذا ما حملت عليه الأيام ونال منه اليأس.
روي لي قصصا مثيرة عن حرب فلسطين، وعبد الناصر ونجيب وباقي أعضاء مجلس الثورة، التي انتقد قادتها وتحاور معهم دون أن يستغل صداقتهم له، في تحقيق مصلحة شخصية ولو كانت حصوله علي معاشه الذي حارب ليحصل عليه طويلا دون مجيب، منذ أن أحاله الملك فاروق للاستيداع، ورفض ترقيته التي كان يستحقها، انتقدهم لكنه أبدا ما شكك في وطنية أحدهم، معتبرهم طول الوقت مخلصين، لكن وسيلتهم في إدارة البلاد لم تؤت الهدف المرجو منها.
تذكرت صوته فعدت مرة أخري للواقع حينما قال لي : لا يقلقني سوي أولادي وحكاية المعاش.. صدقني سوف أموت اليوم، لكنه لم يمت في ذلك اليوم منذ ما يقرب من عشرين عاما، بل مات بعده بثلاثة أيام لينهي بذلك حلقة مريرة يزيد عمرها علي 60 عاما.. قال عنه الرئيس محمد نجيب يوما :" جلال ندا مثل فرسان العصور الوسطي الذين اندثروا بعد أن تفشي الانحلال"، وقال لزملائه بعد أن استشهد شقيقه النقيب فريد ندا في 25 يناير 1952 :" هنئوني لقد استشهد" .
كان يري أن حقه " ضاع قبل الثورة وبعدها، .. فقبل يوليو بأشهر رفع دعوي قضائية ضد الملك السابق فاروق، عندما أمر بحل مجلس إدارة نادي الضباط، وكان جزاؤه الإحالة للاستيداع ليحصل علي معاش قدره 40 جنيها فقط، لكنه لم ييأس فواصل حياته كجندي متطوع لتدريب الفدائيين وقيادة كفاحهم ضد الاستعمار الانجليزي في منطقة القناة .
تخرج ندا من الكلية الحربية في نفس الدفعة التي شهدت تخرج الزعيم جمال عبد الناصر، فبينما كان ناصر يدافع عن "الفالوجا" كان هو مع رفاقه يصدون الهجمات عن "عراق سويدان".. هذه هي بداية قصة جلال ندا المحارب، التي بدأت بطلب استعجال أرسلة إلي الفريق حيدر باشا، القائد العام للقوات المسلحة وقتها، عبر برقية قال فيها : " أخشي أن تنتهي المعركة في فلسطين، قبل أن أشارك فيها لآخذ بثأر صديقي عبد القادر الحسيني "، حتي أن جاء يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1948، يحمل أمر النقل ليغادر جلال ندا القاهرة متوجها إلي فلسطين، وهناك تولي قيادة إحدى السرايا بدلا من الشهيد الصاغ عز الدين صادق الموجي، ويتولى ورفاقه وظائف الشهيدين مصطفي كمال وأحمد تيسير بشير.
أحمد عبد العزيز
.. من ميدان المعارك تشرق قصص البطولات، ومنها ما رواه ندا عن الفدائي الأول كما أطلق عليه بقوله :" هاهو يقف وقفته الرائعة وسط رجاله، كذلك كان البطل المرحوم أحمد عبد العزيز، حين يتكلم :" أيها الرفاق البواسل إن مهمتنا عظيمة، هائلة ، أنتم تشعرون بها تدركون تماما ماهي الأخطار، التي ستتعرضون لها كعصبة محدودة العدد من الأبطال، إن مهمة الفدائي أخطر المهمات، ولكن قوتنا قليلة ستعرف كيف تنفذ من جميع الجهات، لتصل إلي أعناق أولئك الدخلاء الذئاب، سنجعل .. وأقسم إننا سنجعل منهم عبرة لكل غاصب، أيها الرفاق إن الله معنا، ونعلم انه من المستطاع قتلنا لكن ليس من الممكن التغلب علينا، إنني أقدم نفسي فداء للمجاهدين، فتعالي الهتاف الذي دوي كالرعد "الله أكبر"، فانطلقوا في صمت حتي وصلوا إلي أنقاض متناثرة، فوق هضبة خفيضة، بعض الشيء، وهناك أخذوا يوزعون الأسلحة التي لم تكن سوي مدافع سريعة الطلقات وبنادق عادية بعيدة المدي ومسدسات وخناجر"
وكما قال :" لم يمتد بهم الوقت حتي رأي المُراقب جموعا تتقدم في حذر، وكشف المنظار انهم من عصابات الهاجاناه ، فأبلغ القائد الذي أصدر أوامره لجنوده بالاستعداد للمواجهة، .. كان الموقف رهيبا فالقوة المهاجمة تزيد عن 200 فردا من هذه العصابات، قال القائد لجنوده :" لا تطلقوا النار حتي أصدر أمري، ومن نظرة خاطفة أدرك انه لابد ان يكون البادئ لتكون له الجولة الأولي ، فأصدر أمره فكانت جهنم مكشوفة الغطاء، فأخذ العدو علي غِرَّه حتي أن رده لم يكن سريعا، وظهرت في الصفوف حركة تراجع واضطراب مكن الفدائيين من كسب المعركة".
كان البطل يعارض بشدة دخول الجيش المصرى الحرب، على أساس أن قتالهم يجب أن تقوم به كتائب الفدائيين والمتطوعين، لأن دخول الجيوش النظامية يعطى اليهود فرصة كبرى لإعلان أنفسهم كدولة ذات قوة تدفع بالجيوش العربية إلى مواجهتها، .. وهنا نتذكر شهادة اللواء محمد رفعت وهبة حول البطل أحمد عبد العزيز، ودوره في حرب فلسطين ، حيث قال في حوار له مع إحدي الصحف المصرية :" البطل "أحمد عبد العزيز" اختلف مع اللواء أحمد المواوي وحدثت بينهما مشادة كبيرة، وقد كنت جالسا أثناء ذلك الموقف وقلت للمواوى باشا، إن أحمد عبد العزيز قائد ذو شأن وخطته جيدة للغاية، فقام بطردى من حجرة الاجتماعات، بسبب عبد العزيز الذي كانت خطته تتمثل، في ألا نتوقف عند مستعمرة بعينها ونستمر فى قتالها، حتى لا تستنفذ طاقتنا فى مكان واحد، لكن نقوم بالسير عبر المستعمرات حتى نصل إلى مدن "حيفا" و"القدس" و"تل أبيب"، وأن تكون الحرب عبارة عن "حرب عصابات" ولكن المواوى رفض تلك الخطة نهائيا.
وعن قصة استشهاد البطل "أحمد عبد العزيزقال :" فى الحقيقة لا أعتقد أن مقتل البطل أحمد عبد العزيز كان مدبراً، كما كان يُعتقد، فأنا حضرت حادثة استشهاده شخصيا، ..الذى حدث عندما دخلنا الحرب كنا نقيم كمائن للحراسة.. عبارة عن "حفرة" يجلس بها طاقم الحراسة، ويخرج منها جندى واحد وعند مرور سيارة البطل "أحمد عبد العزيز"، أخذ الجندى المكلف بالحراسة فى هذه الليلة بالإشارة إليه لكى يتوقف، ولم يكن يعلم هوية تلك السيارة أو قائدها ولم يرَ عبد العزيز الإشارة، وكان يقود السيارة بنفسه، فقال له الجندى "من أنت؟"، لكنة لم يسمعه بسبب الضوضاء وصوت الرياح، فأصيب برصاصة أطلقها الجندى عليه، واستشهد على الفور عن طريق الخطأ من الجانب المصرى".
كثيرٌ من شباب هذه الأيام لا يعرفون من هو البطل أحمد عبد العزيز، ولو أن هؤلاء الذين لا يعرفون البطل، رأوا صورته النادرة وهو يتفاوض مع موشى ديان- قائد قوات قطاع القدس آنذاك- من الوضع واقفا، رافضا أن تجمعهما طاولة واحدة، ذلك بعد أن تكبدت القوت الإسرائيلية خسائر كبيرة في معركة "جبل المكبر" قرب القدس أمام قوات المتطوعين، فكانت الهدنة التي دعت إليها هيئة الأمم، وقالت مصادر عسكرية أنها بطلب من الجانب الإسرائيلي، .. الصورة هي إحدى الوثائق النادرة التي كشف عنها الفيلم الوثائقي "الطريق إلى القدس" الذي نفذته شركة "إيمدج باور" المصرية، وأعده وأخرجه رضا فايز، وهو الأول من نوعه عن البطل، عام 2008 بمناسبة مرور 60 عاما على نكبة فلسطين ومقتل عبد العزيز.
صورة القائد البطل أحمد عبدالعزيز اثناء التفاوض مع ديان حول دخول القدس
يلقى الفيلم الضوء على جوانب هامة من حياة البطل الراحل، ويسجل جوانبا من يوميات معاركه ضد العصابات الصهيونية التي أصبحت فيما بعد قوات دولة الكيان الصهيوني، ويكشف عن الوثيقة التي يأمره فيها قائد الجيش المصري النظامي، بوقف التقدم نحو القدس الغربية!!!، قبل يوم من قبول الحكومات العربية للهدنة الثانية، بعد أن كانت قواته تكبد القوات الإسرائيلة، خسائر كبيرة وتقطع خطوط اتصالاتهم، وبعد أن طلب عبد العزيز أن يمهلوه يوما واحدا، لكي يستولي على كل المستعمرات الصهيونية، وتصبح كل القدس في أيدي القوات العربية، تظل قوات المتطوعين مرابطة ما بين بيت لحم وصور باهر قرب القدس، إلى حين الحادث الغامض الذي قتل فيه أحمد عبد العزيز في أغسطس 1948، بعد ساعات من اجتماعه مع موشى ديان، وأثناء توجهه في سيارة جيب إلى مقر قيادة الجيش المصري في غزة، لينقل لهم ما دار في الاجتماع.
بالإضافة إلي رواية جلال ندا واللواء وهبة، تتعدد الروايات حول مقتله، وما نشر من روايات رسمية ومنها رواية صلاح سالم أن السبب نيران صدرت بالخطأ من كتيبة مصرية كانت تعسكر في منطقة "عراق المنشية" واشتبهت في السيارة، - وهو ما قاله جلال ندا - بينما تشير رواية أخرى أنها مجموعة فلسطينية مقاتلة تقوم بعمليات عشوائية واشتبهت أيضا في السيارة، ويلمح البعض إلى دور قيادة الجيش المصري الغاضبة من أحمد عبد العزيز، وحماسه وعدم التزامه التام بالأوامر، وهناك روايات عديدة تلمح إلى أنها عملية اغتيال ورائها الملك فاروق، الذي خشي من تصاعد نجم عبد العزيز الذي بدأت الصحافة تصفه بـ"البطل"، هناك رواية أخرى تلمح إليها بعض المصادر من مؤرخي "الإخوان"، عندما تنقل إشارة حسن التهامي إلى أن كتيبة"عراق المنشية" كانت في ذلك الوقت تحت قيادة جمال عبد الناصر!!!.
معركة عراق سويدان
لا يزال الراحل جلال ندا عبر أوراقه وبخط يده يحكي قصة الحرب، التي مهدت الطريق إلي ثورة يوليو، وفي أكثر من رواية أن فيها تأسس تنظيم الضباط الأحرار، ليستمر في سطوره التي كتبها مؤرخا للحرب :" قبل الهدنة بنحو خمس ساعات حاول اليهود أن يحققوا نصرا عسكريا، باحتلالهم مركز عراق سويدان، ومنه يمكنهم السيطرة علي كل المواقع وقطع خطوط المواصلات، فشنوا هجوما مركزا في الساعة الثانية و45 دقيقة، لكننا كشفنا أمرهم بمحض الصدفة فقد كنت في موقع المراقبة، وأشعلت مصباحا كشافا لأنير الطريق أمام ضابط حضر إلي من بلدة عراق سويدان، ليتزود بصندوق ذخيرة، وفي هذه اللحظة وجه العدو نيرانه ناحية الكشاف فدمرته، وساعتها تنبهنا لوجودهم".
تسلح اليهود بجميع أنواع الأسلحة الخفيفة والهاون والطوربيد المحشو بالديناميت، ومتفجرات لفتح الثغرات في جدران الحصن، لكنهم رغم كثرة عددهم والظلام الدامس لم يستطيعوا إشعال "بنجلور" واحد – قنبلة مضيئة- او قذف طوربيد، ذلك بسبب تطبيق خطة مبتكرة، فقد كان معنا في هذه الليلة البكباشي يوسف حبيب من المدفعية، وبعد التأكد ان كل الجنود مشتبكين مع العدو تحت إشراف صف الضباط، أخذت باقي الضباط ومعنا يوسف حبيب، وصعدنا إلي سطح القسم وبحوزتنا ما لدينا من قنابل يدوية، وبدأنا نقذف العدو بالقنابل ال"ميلز" التي كان لها أكبر الأثر في منع تقدمه، وإيقاع أكبر خسائر في صفوفه، مما اضطره للانسحاب وهو يلملم خسائره ويسحب قتلاه، لكنه نسي قتيلا واحدا، التقطنا صورا بجواره ثم دفناه في مزرعة للكروم مواجهة للحصن".
السياسة تطل برأسها
:"عادت السياسة تطل برأسها فتم إعلان الهدنة، بداية من الساعة الثامنة من صباح يوم 11 يونيو 1948 ، وجيوشنا قد بلغت الهدف قبل الأخير في نصر سريع حاسم واكتساح عسكري بالغ الروعة، كانت القوات المصرية الغربية زاحفة تجاه حيفا، بينما القوات الشرقية بلغت مشارف القدس، وكذلك وصلت القوات العراقية المشاركة إلي مشارف تل أبيب شمالا، واتخذت القوات السورية واللبنانية خطة الهجوم العام، في موقعة كبيرة وقامت قوات شرق الأردن بهجوم عنيف علي القدس للسيطرة عليها".
ليتها لم تعلن .."هكذا قال"، وسمعت صوت تنهيدته الحارة حتي بين سطور كتبها فقال :" لقد أُعلنت وقبلنا مرغمين، وهكذا أفلتت من بين أيدينا مفاتيح الموقف، وضاعت ثمرات انتصار جنودنا البواسل .. قبل ذلك بأيام وتحديدا في يوم 8 يونيو مر علينا القائد العام اللواء أحمد علي المواوي، وأثناء الحديث قال :" يظهر انهم هايفرضوا علينا الهدنة" قلت له :" تبقي غلطان ياباشا لو قبلتها"، فقال :" انت مجنون ياجلال؟"، فقلت له –خليني أكمل يا باشا –دلوقتي انت القائد العسكري المسئول هنا، ولو قبلت الهدنة، مش هانكسب معركة بعدها، والأحسن انك تقول للي قبلوا الهدنة، انهم يحلوها سياسي أشرف وأكرم لنا، فقال : لا أنت اتخبلت خالص".
الغريب هو أن ما ظهر في شهادة جلال ندا وحواره مع اللواء المواوي، وكذلك طريقة استقباله للضابط القادم للحصن بنور الكشاف، ثم شهادة اللواء محمد رفعت وهبة، ثم ما جاء في الفيلم الوثائقي، حول اللواء المواوي يجعلنا نشير إليه بعلامات التعجب خاصة أنه " المواوي " انضم لجماعة الإخوان بعد خروجه من الجيش مباشرة، وكان صوتهم الذي ارتكنوا إليه في ادعاءاتهم بمشاركة قوات منهم في حرب 1948، ليتبقي سؤال بالغ الخطورة، وهو هل تسبب المواوي برفضه خطة البطل أحمد عبد العزيز، لاحتلال القدس ومن ثم استشهاد الأخير أثناء عودته لإبلاغ القيادة في وقوع الهزيمة؟، المعروف أن المواوي شهد أكثر من مرة أمام المحاكم المصرية، وتضمنت شهادته كل ما هو لصالح جماعة الإخوان، ضد الدولة التي كانت تحاكم أفرادا منها !.
وفي الحلقة القادمة : تفاصيل الخيانة الكبرى في معركة فلسطين