علاقات تتجاوز الاقتصاد.. إلى أين يمضي التقارب الاستراتيجي الصيني العربي؟

profile
  • clock 8 يناير 2023, 6:30:45 ص
  • eye 374
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رأت مؤسسة جيمس تاون للأبحاث، أن الصين تمكنت من اكتساب موطئ قدم في سوق السلاح الإقليمي من خلال تقاربها الاستراتيجي والدفاعي المتزايد والمتجذر مع السعودية، والذي يسبق العلاقات الرسمية.

جاء ذلك، في تحليل مطول نشره موقع المؤسسة لـ"سين اوزكاراساهين" محلل شؤون الأمن والدفاع في مركز أبحاث السياسة الخارجية والاقتصاد "إدام"، ومقره في إسطنبول.

وذكر التحليل أن الصين استغلت بشكل دقيق وجيد التخطيط الثغرات التي فتحتها تحولات السياسية الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، وتحويل بوصلة اهتمامها إلى أسيا.

واعتبر أن زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى السعودية أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، بناءً على دعوة العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" تجسد التحسن الأخير ليس فقط في العلاقات السعودية-الصينية ولكن في العلاقات الصينية-العربية.

وإضافة إلى تعميق التقارب السياسي بين بكين والعديد من الدول الإقليمية، تقيم الصين في الوقت نفسه علاقات عسكرية استراتيجية مهمة مع دول الشرق الأوسط الرئيسية.

ولفت التحليل إلى أن الطائرات بدون طيار صينية الصنع موجودة بالفعل في ترسانات العديد من الدول العربية، وأن التعاون التكنولوجي بين بكين ونظرائها الإقليميين يتزايد بسرعة.

وأوضح التحليل أن المثال الأبرز في هذا الصدد هو دولة الإمارات، التي ألغت صفقة لشراء مقاتلات (إف-35) الأمريكية، لأنها قيدت تعاونها مع شركة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا والاتصالات فيما يتعلق بتقنية "5G".

مع تزايد شكوك العديد من الدول العربية حول التزام واشنطن بالأمن الإقليمي، أصبحت العديد من الدول منفتحة بشكل متزايد على التعامل مع الصين.

من خلال عقد شراكات مهمة في مجالات التكنولوجيا ونقل الأسلحة، أصبح النفوذ الصيني في المنطقة بالفعل أكثر اتساعًا مما يدركه الكثيرون.

ووفق التحليل، بينما تعمل الصين على تحسين علاقاتها مع حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا مقربين من قبل، تواجه واشنطن خطرين وشيكين، الأول اقتصادي، والثاني استراتيجي.

ويكمن الخطر الاقتصادي في أن واشنطن تخسر بالفعل سوق الأسلحة الأكثر ربحًا أمام أكبر منافس لها. ويتعلق الخطر الثاني بالجغرافيا السياسية وله آثار استراتيجية.

في الوقت الذي يمتلئ فيه سوق الأسلحة المزدهر ببدائل للموردين الغربيين، تعمل الصين أيضًا على توسيع العلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية الرائدة، والتي يمكن أن تعيد ضبط ميزان القوى في جميع أنحاء المنطقة.

التعاون الدفاعي بين بكين والرياض

وفق التحليل، سبق التعاون الدفاعي بين السعودية والصين الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، العلاقات الرسمية التي أقيمت رسميا في 1990، بما في ذلك عملية بيع صواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز (DF-3).

وارتفع عدد صفقات الأسلحة بعد عام 2014، مع توتر العلاقات الأمريكية السعودية، في أعقاب أزمة النفط في "أوبك+" ومقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في 2018.

وفي يناير/ كانون الثاني، أعدت الصين وثيقة السياسة العربية، والتي تهدف إلى تعزيز الحوار والتعاون بين بكين ودول الشرق الأوسط، وبعد فترة وجيزة، أعلنت السعودية والصين عن خطة خمسية لاتفاقية أمنية معززة.

مدعومة بـ17 اتفاقية مختلفة رفيعة المستوى، تضمنت الخطة شراكات بين البلدين في العلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى التعاون في مكافحة الإرهاب والتدريبات العسكرية المشتركة.

وفي أكتوبر/ تشرين أول 2016، تم إجراء أول مناورة ثنائية مشتركة لمكافحة الإرهاب، وتبعها في السنوات التالية تنفيذ تمارين مختلفة، مثل التدريب البحري "Blue Sword" في 2019.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زادت السعودية من مشترياتها من الأسلحة من الصين.

وانتشرت أخبار غير رسكية بعد معرض تشوهاي الجوي في نوفمبر/ تشرين الثاني تشير إلى شراء الرياض ما قيمته 4 مليارات دولار من المعدات العسكرية والأسلحة من بكين.

وكما لوحظ، فإن المبيعات الصينية للصواريخ الباليستية إلى السعودية ليست جديدة، ولكنها تعود إلى أكثر من 3 عقود حتى عام 1987، عندما تم توقيع صفقة لصواريخ (DF-3) التي يبلغ مداها 3000 كيلومتر.

وفي عام 2007، اختارت السعودية حلولاً صينية أخرى لتوسيع ترسانتها من الصواريخ الباليستية، وكانت صواريخ (DF-2) هي أحد الأمثلة البارزة.

وعرضت الرياض صواريخ صينية في عرض عسكري وطني اعتبره العديد من المحللين رسالة سياسية للولايات المتحدة.

ومن المعروف أن السعودية لديها رغبة طويلة الأمد في بناء برنامج صواريخ محلي خاص بها، إلا أنها تفتقر إلى حد كبير حتى الآن إلى الوسائل اللازمة لبدء مثل هذه المبادرة.

وتضع المعرفة بتقنيات الصواريخ الباليستية الصينية الصين في مراتب أعلى في نظر السعوديين كشريك موثوق به.

وفي ديسمبر/كانون أول المنصرم، صرح متحدث باسم وزارة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية أن الدولتين (الصين والسعودية) شريكان استراتيجيان يتعاونان في العديد من المجالات، بما في ذلك التجارة والدفاع.

وبالتالي، يبدو أن الصين هي الشريك الأكثر موثوقية للسعودية في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية. وفي أواخر عام 2021، كشف السناتور الأمريكي "إد ماركي" أن السعودية بدأت في تصنيع صواريخها الباليستية.

وأكدت صور التقطها الأقمار الصناعية الخاصة بين 26 أكتوبر/تشرين أول و9 نوفمبر/تشرين ثان 2021 هذا الادعاء.

وتُظهر الصور موقع إنتاج يقع في مدينة الدوادمي التي تبعد 200 كيلومتر عن مدينة الرياض، وتظهر منطقة لإنتاج الوقود الصلب ومنصة اختبار المحرك.

بالنظر إلى الشراكات السابقة، والشعور المتزايد بالثقة، ونقل التكنولوجيا السخي، والإلمام السابق بتقنيات الصواريخ الصينية، تبدو بكين الشريك المحتمل للرياض في هذا المشروع الطموح.

تداعيات إقليمية

ومع ذلك، فإن تطوير الرياض لبرنامج صواريخ باليستية محلي يشكل عددًا من المخاطر التي تهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال تكثيف المعضلة الأمنية بين السعودية وإيران، والتي يمكن أن تغذي سباق تسلح خارج نطاق السيطرة في المنطقة.

مع تعمق علاقاتها مع الرياض، ستكافح بكين بشكل متزايد للحفاظ على التوازن في استراتيجيتها في الشرق الأوسط.

ورأي التحليل أن مثل هذا المشروع المصمم تحت التأثير الصيني سيكون له أولا تداعيات على تصورات التهديد الإقليمي، وثانيًا، سيسمح للصين بتعميق وجودها الاستراتيجي العسكري في المنطقة، من خلال ترسيخ مكانتها كبديل موثوق به عن الغرب.

وثالثًا، يقصر المسار السعودي المسافة إلى الضربة النووية المحتملة، في حالة حصول الرياض على رؤوس حربية نووية، لأن العديد من الصواريخ الباليستية الصينية ذات استخدام مزدوج وقادرة على حمل حمولات نووية.

وخلص التحليل أن الدافع الأساسي وراء رغبة السعودية في تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية هو التهديد الإيراني. لذلك، فإن القيود المتصورة لواشنطن في قدرتها على مواجهة السلوك العدواني لطهران تجاه حلفائها الإقليميين لها تكاليف في الشرق الأوسط.

لقد تجاهلت واشنطن الرياض بعد طلباتها المتكررة لشراء صواريخ باليستية أمريكية الصنع (وطائرات بدون طيار سابقًا) ، وقد بدأت السعودية في البحث عن بدائل لمواجهة قوة ونفوذ إيران المتزايدين.

ويخلص التحليل إلى أنه في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب، ستواجه واشنطن صعوبة في محاولة مواجهة الصين في الشرق الأوسط، ولكن على المدى الطويل ينبغي عليها أن تسعى إلى إعادة بناء العلاقات واستعادة الثقة مع حلفائها الإقليميين المقربين من قبل.

ويرى أن تجنب تجميد الأسلحة في المستقبل وتحسين الحوار هما الخطوتان الأهم في هذا الصدد. جانب آخر مهم هو إقناع الرياض بأن العمل مع الصين يمكن أن يجري ضد مصلحتها على المدى الطويل، لا سيما بالنظر إلى العلاقات الوثيقة إلى حد ما بين الصين وإيران.

ويخلص في النهاية إلى أنه على الرغم من أنه قد يكون قد فات الأوان للعودة بالزمن إلى الوراء وعكس مسار الشراكات الاقتصادية بين بكين والرياض، كما يتجلى في مبادرة الحزام والطريق، لا يزال هناك وقت لتصحيح الأمور وتجنب وصول الشراكة الاستراتيجية الصينية السعودية إلى وضع لا يمكن تغييره.

 

المصدر | سين اوزكاراساهين/ معهد جيمس تاون-

التعليقات (0)