- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
عز الدين جلولي يكتب: الدجل السياسي باسم الاقتصاد الإسلامي
عز الدين جلولي يكتب: الدجل السياسي باسم الاقتصاد الإسلامي
- 5 أبريل 2023, 3:39:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عندما حدثت الخضات المالية العالمية في بدايات هذا القرن، تدارس علماء الاقتصاد الغربيون نماذج التعاملات المالية فوق البسيطة، فألْفَوا في النظرة الإسلامية للمال معتصما من الانزلاقات الرأسمالية، ولأن الإنسان الغربي نفعي بطبعه، فقد درس فقه المعاملات عند المسلمين عن كثب وخصص له مقاعد في كبرى جامعاته، من دون أن يثير فضل الإسلام على غيره في هذا الميدان، استجابة لما يختزن من كفر بالملة وعداوة تاريخية دفينة لا تخطئها العين.
معلمان غائبان في أسلمة الاقتصاد
غير أن العقل الغربي أخذ مجتزئا من الاقتصاد الإسلامي بعض مبادئه وأدرجها في كليات علم الاقتصاد الغربي وجزئياته، مدفوعا بحكم الضرورة لا غير. ولا أحسبه موفقا في عصمة معاملاته المالية من هزات مقبلة لا محالة؛ لأن مَعلَمين أساسيين في التعاملات المالية الإسلامية غائبان في النظام المالي الغربي الجديد، هما ارتباط المال بخالقه، وما يترتب عن ذلك من تسليم بتعاليم منزلة في التعامل مع المال هي من مقتضيات الإيمان بالله والرسول عند المسلمين، تشكل وقيم الغرب مفترق طرق، لا يسع الغرب الالتفاف فيها عما يؤمن وإلا فقد أسلم أمره لله.
أما المعلم الثاني فحرمة العدوان والاستغلال في المعاملات المالية، والربا صورة من أبشع صور هذا التعدي، لا ينفصم عنه مفهوم المعاملة المالية في الفكر الاقتصادي الغربي، كما لا يمكن فك التلازم فيه بينه وبين الاستثمار وإلا فقد تم القضاء على خصوصية الرأسمالية ابتداء، ومن ثم ستتداعى باقي المفاهيم الغربية للمال لتصير تلك المجتمعات في مهب الفوضى، عارية أمام العالم الشرقي بشتى قيمه المتباينة، ما يحيله عرضة للانخساف إلى هذا الفلك أو ذاك، سيكون أقواها جذبا الإسلام بلا ريب؛ وساعتذاك ستحوم بشائر السعد على الغرب، وسيحلّ على أزماته الاقتصادية التي تترى الفرج القريب.
أصيبت الجزائر وكثير من دول الشرق المسلمة بالبوار، فأنظمهم السياسية تدرك أهمية الإسلام في حياة الشعوب التي تحكمها، لكنها تنكفئ عنه وجلا من زوال السلطة عنها، لكونها تفتقد الشرعية والمشروعية معا.
وقد أضحت محرجة من شعوبها وهي تبصر كيف استلهم الغرب، وهو مثلها الأعلى، من دينها ركائز ابتغاها لنظامه المالي كانت هي أحرى بها. فلا الغرب إذن أخذ بالنظام المالي الإسلامي كله فدخل به في الإسلام، ولا قادة المسلمين استمتعوا بعدالة النظام المالي في الإسلام وأمتعوا شعوبهم به؛ فبقي الجميع شرقا وغربا في منزلة بين المنزلتين.
لا يبصر الهدى الرباني إلا من آمن به، ومن لم يؤمن يتعذر عليه الربط بين المعاملة الربوية وبين تأثيرها المدمر في الحياة السياسية والاجتماعية، كما هو الحال في لبنان اليوم؛ حال اقتصادية متهالكة تكاد تعصف في الدولة والمجتمع معا. وقلما تجد من حظي بروح شفافة ليصدقك القول إن ربا الجاهلية الذي طرحه الإسلام في حجة الوداع جنى على الإنسانية في حياتها المعاصرة، كما جنى على أمم غابرة.
السياسات الراهنة
الاقتصاد الإسلامي والربوي متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان
يتداول مسوقو السياسات الراهنة في الجزائر أهمية الاقتصاد الإسلامي في “استرجاع” أموال تقدر بالمليارات يتداولها الشعب خارج المعاملات الرسمية، كفيلة بحفظ التوازن في موازنة الحكومة. ويزعم هؤلاء أن فتح نوافذ في البنوك الرسمية الربوية ستشجع الجزائريين على إيداع ما يمتلكون في تلك المؤسسات على صورة ادخار أو وديعة أو غير ذلك، بدلا من استبقائها مكتنزة في الجيوب محرومة من الاستثمار. بالإضافة إلى كون المعاملات المصرفية الإسلامية آمنة بالمقارنة مع غيرها في زمن الأزمات والجوائح، وما إلى ذلك من حجج ظاهرها حق وباطنها خلاف ذلك.
مقولة استرداد أموال غير مصرح بها فيها ظلم وتجن، فالمال العام والخاص كله ملك لله في يد الشعب، ولا يعني عدم التصريح به أنه غير مشروع وبالتالي يحق للسلطة استرجاعه للخزينة العمومية بهذه الطريقة أو تلك.
ولحكمة ما تمنّع الشعب الجزائري من التصريح بما لديه من منقولات وعقارات ونقود خوفا من استحواذ سلطته عليها في منعرج من المنعرجات المعروفة عنها. كما أن الشعب الجزائري ينكر على السلطة استفرادها بالاحتياطي النقدي وينقم عنها تصرفها فيه كما تريد وترغب، نأيا بهذا المال عن مستحقيه الحقيقيين الذين يدركون إدراكا واعيا سبل استثماره في الداخل أفضل من إيداعه في الخارج لدى بنوك أجنبية مرابية، لقاء حاجة في النظام نفسه يروم قضاءها، تكشّفت إبان الحراك الفارط، كانت عناوينها البارزة النهب والتبذير والارتشاء لضمان البقاء في الحكم.
إن المزاوجة في السوق المالية بين ما هو مشروع وبين ما هو غير مشروع، كطريقة فتح نوافذ للمعاملات المصرفية الإسلامية داخل البنوك الربوية، يعد استهزاء بالإسلام واستخداما له في أغراض دنيوية نفعية، لا تراعي طهارة المعاملة المالية في الدين؛ وهذا إن طبق سيكون تشويها للنظامين الماليين معا لا تنويعا.
ناهيكم أن الدوافع من وراء هذه الإجراءات المنوي اتخاذها غير نابعة من عقلية متعبدة، مذعنة لأوامر المعبود ومنتهية عن محارمه، مراعية لطبيعة المال، الذي هو بالنهاية مخلوق من مخلوقات الله، إن لم تحترم خصائصه الفطرية فلن يستجيب للنماء بقوة ما استودع فيه خالقه من بركة؛ وبالتالي افتقد القائمون على السياسة الاقتصادية في خططهم كلها شرطي الإخلاص لله تعالى والامتثال التام بتعاليمه.