عزمي عبد الرازق يكتب: حرب الغوريلا وسيناريو الحفر بالإبرة.. أيام الخرطوم الدامية!

profile
  • clock 22 أبريل 2023, 7:04:39 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من خلال التعزيزات العسكرية، وحرب الشوارع، وحصار مناطق مأهولة بالسكان، بدا أن القتال بين الجيش السوادني وقوات الدعم السريع، أخذ منحى بالغ الخطورة، وأن الخرطوم التي ظلت سنوات طويلة بعيدة عن مرمى النيران، ولا يكترث كثير من سكانها لما يدور في الأقاليم، سوف تتعود على هذه الأجواء العنيفة، وليس أمامها من خيار سوى التكيف مع أصوات الرصاص والطيران الحربي، ومناظر الدماء المتخثرة على الجدران.

ساعة الصفر من وراء الحصون

الأطراف التي على خط النار، الجيش والدعم السريع، وبالأحرى الفريق عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان حميدتي، كلاهما عرف وذاق الحرب، وحين بعثوها بعثوها ذميمة، على قول الشاعر زهير بن أبي سُلمى، ولذلك كانا يُعدّان لها. حميدتي صرف أموالا طائلة لتدريب قواته وتسليحها، واستعان بمنظومة فاغنر الروسية العسكرية، وسعى لصناعة قوة موازية للجيش، من أجل هذه المواجهة التي حدد لها ساعة الصفر، بينما شيد البرهان جدارا أسمنتيا حول القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، وهو يُعد نفسه لهذا العدوان، ومع ذلك فاجأته قوات الدعم السريع، من داخل تلك الحصون الأسمنتية، حين سمح لها بالوجود داخل أسوار القيادة.

قبل نحو أسبوع من اندلاع القتال، تحدّث قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان عن استراتيجية المواجهة المحتملة، وقال إن القوات المسلحة علمتهم الصبر و(الحفر بالإبرة) للوصول إلى ما يريدون، رافضا تفسير مواقفهم بالضعف، ويقصد بذلك، الاستفزازات التي ظل يوجهها إليه قادة الدعم السريع، حميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو، وهو يدرك، على نحوٍ لا يقبل الجدال، أنه حضّر هذا العفريت، الذي يُسمى حميدتي، وأغراه بالسلطة، وبالتالي هو الوحيد الذي يتحمل مسؤولية صرفه، بوتيرة أسرع من الحفر تحته بالإبرة، ليسقط مرة واحد وإلى الأبد، وهو ما يحدث الآن تقريبا، رغم أن الحرب في أولى ساعاتها، أفقدت حميدتي السيطرة على قواته، وتم ضرب معسكرات الدعم السريع وخطوط الإمداد بالطيران الحربي، ولذلك حرك كل قواته إلى الخرطوم، لأنه يدرك أنها المدينة الأكثر أهمية للسيطرة على الدولة، ولديها رمزية كبيرة، وفيها قيادة الجيش والقصر الرئاسي، من يسيطر عليها يكسب المعركة الإعلامية قبل الحربية، ويتجنب مخاطر الأرض المحروقة.

حميدتي وحرب الغوريلا

وجود قوات حميدتي في العاصمة الخرطوم، من خلال فكرة الدعم السريع نفسها، أي تلك القوات التي تتمتع بسرعة التحرك والانسحاب، يبدو أنه سيحتفظ بالمساحات التي سيطر عليها لأطول مدة، ويخوض معارك غير تقليدية، أشبه بحرب الغوريلا، التي تعتمد على الغارات الخاطفة، وتوزيع القوات إلى مجموعات صغيرة، من خلال التحرك بسيارات “التاتشر” المدججة بالأسلحة، والقيام بغارات صغيرة، ونصب الكمائن، وأسْر الضباط وتصويرهم عبر شاشات الهواتف، لإضعاف الروح المعنوية للجيش، وفي الوقت نفسه الهجوم على مخازن الأسلحة، واحتلال المصانع ومحطات المياه، لإمداد قواته المُنهكة بالطعام والشراب، ولذلك حرص حميدتي على احتلال منطقتي سوبا الصناعية جنوب الخرطوم، وضاحية بحري، وقصد بذلك التموضع في مناطق مهمة، وفتح جسور على الأرض، تعينهم على الصمود لأطول فترة ممكنة، في مواجهة الجيش النظامي، وبلا شك، هذه ليست طريقة تفكير حميدتي، وإنما تقف خلفها خبرات عسكرية، من داخل السودان وخارجه، يتعاونون معه في السر، وتساندهم قوى دولية، لديها مصلحة في أن يكون هو الرجل الأقوى في السودان، لكن ثمة نقطة ضعف لم يتخلص منها، وهى أن قواته بطبيعتها البدوية، تعيش على الارتزاق، وليس لديها عقيدة عسكرية، ولذلك كان معظم أفرادها يقاتلون في ليبيا، إلى جانب الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

فاغنر والدعم السريع

المثير في الأمر، أن حميدتي في آخر مقابلة صحفية، قال إنهم سيتعاملون مع ضباط القوات المسلحة في الميدان بطريقة لم يتعلموها في الكلية الحربية، وهو بذلك يقر ضمنيا أن قواته تتلقى تدريبات خاصة من شركة فاغنر، التي تحترف القتل والتصفيات، لكنها تظل دعاية حربية، لإخفاء خسائره الفادحة، خصوصا وأنه في هجوم واحد من الجيش فقد 60 من قواته الخاصة التي تحرسه، من بطون أهله وعشيرته الأقربين، وربما يكون أصيب في ذلك الهجوم، والصحيح أنه لم يسيطر بالهجوم، لا على القصر الجمهوري ولا على القيادة ولا الإذاعة والتلفزيون، لأن قواته بالأساس كانت موجودة هنالك، وبأعداد كبيرة، حيث غدرت بأفراد الحراسة من الجيش الذين أُخذوا على حين غرة، وقد انحصرت خطة حميدتي الأولى في الهجوم على بيت الضيافة، مقر سكن البرهان وكبار قادة الجيش، بهدف اعتقالهم، ونجح بالفعل في أسْر المفتش العام للجيش، ومع ذلك كانت محاولات بلا جدوى، لأنها لم تمنحه ميزة على الأرض، ولم تحسم المعركة لصالحه حتى الآن ، لسبب واضح، وهو أن الجيش يعتمد على التراتبية العسكرية، إذا فُقد البرهان أو رئيس هيئة الأركان فهنالك من سيخلفه بالضرورة، دون أن يعيق ذلك سير العمليات العسكرية.

مصير المليشيا

قوات الدعم السريع تفوق 100 ألف مقاتل، أغلبهم من الشباب الصغار، ومن مناطق معيّنة في السودان، وفيها أفراد من دول مجاورة، ومع ذلك كانت أقل فعالية في هذه المعركة، وخسرت كل قواعدها ومعسكراتها، من بينها قاعدة شفرليت، على بُعد 640 كيلومترا غرب ليبيا، وفقدت أيضا قاعدة مروي العملياتية، التي هي من أهم المطارات الحربية، وبالتالي لم تتمكن من تحييد سلاح الطيران، الذي منح القوات المسلحة الأفضلية في القتال، إلى جانب أن الجيش يتحرك بخطط مدروسة بعناية، وخطوط إمداد مفتوحة، وخبرة طويلة في الحروب، وعقيدة وطنية، ويراهن أيضا على نفاد صبر قوات حميدتي التي تعتمد على الكر والفر، وتفتقر إلى التشكيلات العسكرية الاحترافية، كما أنها بلا ظهير اجتماعي، وهى بالنسبة لمعظم السودانيين، مليشيا إجرامية، تقاتل من أجل الأموال فقط، وتريد أن تهيئ المسرح للتدخل الأجنبي، ونهب ثروات البلاد، ومهما كانت التحفظات على قادة الجيش السوداني، فإن قوات الدعم السريع لا يمكن إطلاقا أن تكون بديلا للقوات المسلحة.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)