- ℃ 11 تركيا
- 13 نوفمبر 2024
عزت النمر يكتب: قراءة هادئة في انتخاب " السنوار"
عزت النمر يكتب: قراءة هادئة في انتخاب " السنوار"
- 15 أغسطس 2024, 3:45:41 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حقيقة واضحة ومؤكدة لا يمكن تجاوزها ولم تفاجئنا؛ تمثلت في حالة إحتفاء بادية في الأمة بانتخاب يحيى السنوار.
(1)
هذا الاحتفاء ليس حصراً فقط على النخب، وليس على قطعان مثقفة فحسب، بل امتد الإحتفاء وربما الفرح ليصبح حالة عامة تعتري الأمة بأسرها من محيطها الى خليجها.
نعم قد يكون هذا من بركة الجهاد، ومن شرف القضية الفلسطينية وحيويتها في نفوس الأمة، أو لأنها ترى في النموذج الغزي حالة من الاستقلالية والعزة لا تتوفر في واقع دولها المباشر.
قد يكون الاحتفاء أيضاً نكاية في حكومات وحكام تناصبها الشعوب العداء خلسة وتكرهها حد المقت؛ ليست فقط لأنها أفقرت حياتها وسودت واقعها، وإنما أيضاً لأن هؤلاء الحكام والحكومات خانوا عروبتهم واصطفوا بمنتهى الخسة والندالة والعمالة في جانب الكيان الصهيوني ودعموا مجرم الحرب نتنياهو.
إن قطاعات الأمة العريضة التي احتفت وفرحت بانتخاب السنوار، ربما رأت فيه النموذج الأوحد للثائر المقاوم الذي استطاع أن يرغم أنف الصهاينة في التراب ويجعل من الجيش الذي لا يقهر أكذوبة وهمية ساقطة، في الوقت الذي استكانت وجبنت جيوش الأمة الوظيفية وقادتها العسكريين الكرتونيين.
إنه نموذج اعتزت به الأمة لأنه لا يوجد له شبيه أو نظير في جنبات الأمة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ولو بحثنا عن منافس ومقارب للثائر المقاوم يحيى السنوار سينقلب البصر خاسئا وهو حسير على حال الأمة، وستقتصر المنافسة على الداخل الغزاوي في البطلين؛ محمد الضيف وأبوعبيدة.
إنها حالة ينبغي أن تستقرأ جيداً وتتقصى بالدراسة والفحص؛ لأنها تكشف على أننا أمة حية لا تستنكف الجهاد والمقاومة ولا ترفض التضحية والفداء والبذل، بقدر ما افتقدت نموذجا ترجوه في القادة والرموز، ويبدو أنها عافت رموز السياسة والحوارت و فرقاء "الهري" الإعلامي، وتنتظر وتبحث عن قادة الميدان ومقتحمي الأخطار لتُسْلِم لهم القياد وتسعى معهم في طلب العزة والاستقلال وتقدم في سبيل ذلك مباذل التضحية والفداء.
(2)
ملاحظة أخرى تسترعي الإنتباه رغم كونها شديدة المرارة تغص الحلق وتدمي القلب في محيطنا الإقليمي البائس، حينما نتذكر أنها غزة فقط - وفي هذه الظروف القاسية - المكان الوحيد الذي تجرى فيه انتخابات حقيقية، ليست هذا فحسب بل انتخابات تُعَلًّق عليها الآمال.
كل الحق والتقدير والاحترام لكل من قدم التهنئة لحركة حماس؛ أن لها مؤسسات شورية تُجِري انتخاباتها وتمارس "ديمقراطيتها" الراقية في هكذا واقع وتحت القصف وفي أتون معركة إبادة جماعية شارك فيها كل من يدَّعي التحضر ويزايد كذباً بحقوق الإنسان.
إن انتخاب يحيى السنوار بممارسة الديمقراطية وآليات شورية في هذا الظرف الذي تعيشه غزة والحركة، تمثل بصقة كبرى ومستحقة على كل المؤسسات الدولية التي تمنح قوانينها الحق في مقاومة المحتل، وتحرمه فلسطين الأبية وغزة العزة.
(3)
لا تفوتنا مقارنة مستحقة وساخرة بين ديمقراطية نظيفة سَلِسَة وهادئة، اثمرت انتخاب السنوار في ثلاثة أيام وفي هذه الوقع الملتهب، وبين تصريح صدر أمس من الرئيس الأمريكي بايدن قال فيه: أستبعد انتقالاً سلساً للسلطة اذا ما خسر ترامب.
تباً لديمقراطيتكم الكذوب، ولعنة الله على مبادئكم القذرة وانتهازيتكم الوقحة ورموزكم وبرلماناتكم التي تُصنع في هوليود وتسوقها ماكينات الشو الإعلامي، بينما يحطمها الواقع ويشى بأنها حضارة تعفنت في خريف ينتظرها الموت والزوال.
لقد كانت نجاحات الحركة في الميدان العسكري والجهادي تكفيها وتجعلها نموذجا للخلاص في عالمنا المسكين المستكين، لكنها قدمت نموذجاً لا يقل علوا ورقياً وإبهاراً في ميدان المؤسسية والشورية تفهمه أجيال الشباب الغربي المنتفض في الغرب ضد حكومات الغرب الحامية لبني صهيون.
(4)
وأخيراً كلمة في طبيعة الإختيار وما يتناوله الأكاديميون والساسة ممن يقدرون دور الرمز الكبير الاستاذ خالد مشعل ويرون له أولوية خاصة في العمل السياسي والحركة خارجياً، على السنوار الرجل الحديدي وربما التنظيمي المقيد في الميدان وفي الداخل.
بالطبع رأي له وجاهته وقدره، خاصة في وجود قامة ساسية كبرى وتاريخ مثل أبو الوليد، لكنها تظل اختيارات قواعد الحركة التي أيقنت ووعت أمور منها :-
أن الحكم والقرار في هذا الواقع الملتهب ينبغي أن يظل للميدان وللبندقية، وأن يظل حراك الخارج صدى واستكمال.
أنها رسالة لإسرائيل والغرب أن قرار الحرب أو مفاوضات تحرير اسراكم هو قرار واحد، وهي رسالة فرض إرادة المقاومة وكسر معنويات الكيان وشق صفه.
رفع الحرج عن الدولة التي استضافت زعيم حماس والتخفيف عنها فالقرار أصبح في الداخل كاملاً.
وفي النهاية يظل كل رجالات الحركة هم رموز قضية عادلة وليسوا تجار مناصب، لا يعنيهم إلا استرداد أرضهم وتحرير أقصاهم، من دون نظر إلى تقدم أو تأخر.
(5)
كلمة أخيرة يقتضيها المشهد أن انتخابات حماس هي بين شهيد راحل وشهيد قادم، وأنها نقطة بيضاء وجذوة مضيئة في جهاد شريف لاغب، وأنها جنباً إلى جنب مع الصمود الشعبي وتضحيات الرجال توحي بأننا في المنعطف الأخير من مسيرة التحرير ، خاصة أن عُداة القضية الفلسطينية مجتمعين في الجانب القذر من التاريخ والمبادئ.
شكراً حماس الميدان ..شكرا ًحماس السياسة..