- ℃ 11 تركيا
- 12 نوفمبر 2024
عزات جمال يكتب: معركة الفرقان وهزيمة الاحتلال الاستراتجية
عزات جمال يكتب: معركة الفرقان وهزيمة الاحتلال الاستراتجية
- 27 ديسمبر 2022, 8:55:55 ص
- 396
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يجمع الخبراء كافة أن للنصر في المعارك مظهرين مهمين وهما تحقيق أهداف الحرب التي من أجلها اندلع القتال، وثانيها هو إفقاد الخصم إرادة القتال، وقد يُكتفى بالهدف الأول طالما تم تحقيقه اذا تعذر تحقيق الهدف الثاني، حيث أن الهدف الأول كفيل بخروج صورة النصر التي ينشدها المنتصر ليؤكد على انتصاره..
وهما لم يتحققا للاحتلال في عدوانه الذي ابتدأه يوم ٢٧ ديسمبر من عام ٢٠٠٨م عندما شن هجماته المركزة والمباغتة على قطاع غزة والتي استهدف فيها مقرات الشرطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية، بعشرات الغارات الجوية المتزامنة من الطيران الحربي، والتي خلفت مئات الشهداء والجرحى في دقائق معدودة...
معلنا ساعتها بدء عملية عسكرية على غزة أسماها " الرصاص المصبوب " يهدف من خلالها لإسقاط حكم حركة حماس وإعادة الجندي الأسير في القطاع "جلعاد شاليط" ووقف إطلاق الصواريخ وهي الأهداف الثلاثة التي أعلنها لعدوانه على القطاع..
وقد كانت المرة الأولى التي تتعرض فيها المقار الحكومية المأهولة في غزة لهذا الحجم من القصف والتدمير، وقد شاهد العالم هذه المشاهد القاسية على الهواء مباشرة، في توثيق لهذه الجريمة البشعة ضد الإنسانية، وقد ظن أن المقاومة يمكن أن تُباغت بهكذا مناورة فتلقي السلاح...
إلا أن المقاومة ما لبثت قليلا حتى استعادت زمام المبادرة وبدأت ترص صفوفها معلنة عن تصديها للعدوان بإطلاق اسم معركة الفرقان على المواجهة الدائرة، وبدأت بتوجيه الرشقات الصاروخية نحو مدن جديدة لم تطالها الصواريخ من قبل في مراحل الصراع، وتعد بالمفاجآت التي ستدخل المعركة تباعا لتكسر بها إرادة العدو وترد فيها على العدوان...
ساعات مرت حتى أدرك الاحتلال أن مفاجأته تم تجاوزها، وهدفه الذي بناه برفع حماس الراية البيضاء لهول الچريمة التي ارتكبها تبخر أدراج الرياح، وأن ما يجري هو عودة أكثر شراسة لاستئناف القتال والمواجهة...
وقد حاول الاحتلال على مدار أيام المعركة الثلاثة والعشرين تحقيق أهدافه أو كسر إرادة القتال لكنه فشل في ذلك، رغم زجه نخبة ألوية جيشه المدرعة ودباباته بجانب كل ما يمتلكه من طيران ومدفعية، ومع ذلك فشل في كسر إرادة القتال لدى المقاتل الفلسطيني الذي لا يملك الكثير من العتاد العسكري، وقد نجحت المقاومة في توثيق المشاهد المختلفة التي تظهر تفوقها في استهداف الجنود والآليات بكل قوة وتحدي، في سلسلة عمليات بطولية أذلت هيبة الجيش الذي ادعى يوما بأنه لا يقهر، وأظهرته ضعيفا في المواجهة المباشرة...
وقد كان الاحتلال يهرب من هذه الهزائم، إلى المزيد من سياسة القصف العشوائي مخلفا المزيد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين والصحفيين والمسعفيبن ورجال الدفاع المدني، بينما لم تتوقف الصواريخ عن الانطلاق بشكل يومي نحو المستوطنات في غلاف غزة أو عمق الأراضي المحتلة..
لقد ضج العالم بجرائم الاحتلال وخرجت المظاهرات في عدة مدن وثارت أمم وشعوب شتى، مستنكرة هذا الإجرام والقتل واستخدام الفسفور الأبيض المحرم دوليا في أكثر بقاع الأرض اكتضاض بالسكان، كما حصل في مدرسة الفاخورة التي انتفض العالم لهول الجريمة التي حصلت فيها بحق المدنيين الآمنيين، الذين لجؤوا إليها هربا من قذائف الاحتلال ومدفعيته التي ضربت بيوتهم ومزارعهم فاحتموا في مدرسة الأنروا فلاحقهم الاحتلال بقذائف الفسفور الأبيض وحرقهم أحياء!!!
لقد وصل قادة العدو لقناعة بعدما ارتكبوا المجازر وقتلوا وجرحوا الآلاف بأن غزة لا يمكن أن تنكسر أو ترفع الراية البيضاء، بعدما استفرغوا كل ما بجعبتهم من خطط وسيناريوهات ثبت فشلها في المواجهة، فاعلنوا الانسحاب صاغرين بعد ثلاثة وعشرين يوم من القتل والتدمير دون أن يتحقق لهم هدف واحد من الأهداف التي رصدوها...
لقد كانت معركة الفرقان تجربة المقاومة الأولى في التصدي لحرب استئصال، يشنها الاحتلال بهذا الحجم من الجهوزية والاستعداد بغطاء إقليمي ودولي، فكان انتصارها بحجم هذه الهزيمة التي مني بها الاحتلال وكل من راهن عليه في كسر إرادة القتال لدى شعبنا ومقاومته...
لقد بقي شاليط سجين زنزانته في غزة لا يُعرف مصيره بعدما شاع بأنه أصيب أثناء العدوان ( ٢٠٠٨ ) مما فاقم أزمة الاحتلال، وكل من انتظر عودته محمولا على ظهر دبابة عائد من غزة، بل وجد الاحتلال ومفاوضيه بأن لابد من العودة لمفاوضة حماس حول مصيره بعدما فشلوا في إعادته ....
كل ما سبق وغيره الكثير من المعلومات والمعطيات تشير إلى أي مدى كانت الحرب هزيمة مذلة للاحتلال، فبقدر قساوتها وشدتها على أهل غزة التي دفعت الثمن الغالي فيها من أرواح خيرة رجالها ونسائها وأطفالها وبيوتها وممتلكاتها، إلا أنها كانت في المقابل من أكبر هزائم الاحتلال الاستراتيجية التي تعدت الهزيمة في ميدان الفعل العسكري لتصل لهزيمة صانع القرار لدى العدو في المستويات السياسية والأمنية، الذي أقر بعد ذلك باستحالة كسر المقاومة واضطر للنزول عند رغبتها في مفاوضات صفقة وفاء الأحرار، والأهم بأن المعركة أنهت حلم الرهان على القوات البرية كحامي الحمى وحاسمة المعارك ومحققة الانتصارات، بل كشف المقاتل الفلسطيني عن نقاط ضعفها القاتلة وفشلها في المواجهة عند الالتحام الحقيقي في القتال وجها لوجه..