- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
عدنان منصور يكتب: افريقيا: القارة التي تتنافس عليها القوى الكبرى!
عدنان منصور يكتب: افريقيا: القارة التي تتنافس عليها القوى الكبرى!
- 26 أغسطس 2023, 3:37:59 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شهدت السنوات الأخيرة، تنافسا شديدا على القارة الافريقية بين القوى الكبرى: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، ومعها الاتحاد الأوروبي، حيث العديد من الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا والبرتغال وبلجيكا، وغيرها سيطرت على القارة لعقود أو قرون، وما زال نفوذها يؤدي دوره بشكل لافت، وإن كان متباينا بين دولة وأخرى. دول أوروبية استعمارية انحسر وجودها ونفوذها في القارة السمراء، لتفسح المجال أمام ظهور قوى صاعدة جديدة، في وجه قوى حاكمة قديمة، وهذه القوى الصاعدة يتعمق وجودها ونفوذها يوما بعد يوم، في القارة السمراء. وأبرز هذه الدول: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وكتلة الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول التي تسعى لأن يكون لها موطئ قدم في افريقيا، كالهند، وتركيا وإيران.
لعل أبرز الدول التي تتنافس بشدة على افريقيا في الوقت الحاضر، هي الصين والولايات المتحدة، وروسيا، حيث لكل دولة من هذه الدول، خصوصية أدائها، ونهجها وتاريخها مع دول وشعوب القارة، التي تزخر بالموارد والثروات الطبيعية الهائلة من الغاز والنفط، والمياه، وعشرات أنواع المعادن الثمينة.
بعد الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة كقوة عالمية حاكمة، بعد مشاركتها ومساهمتها الكبيرة في القضاء على المحور المتمثل بألمانيا، وإيطاليا واليابان، وأيضا وضع مشروع مارشال عام 1948 موضع التنفيذ، للنهوض باقتصادات دول أوروبا الغربية المدمرة نتيجة الحرب، وتمكينها من الصمود والوقوف في وجه المعسكر الشيوعي، لاسيما بعد انضمامها إلى الحلف الأطلسي الذي أنشئ عام 1949.
تحرك الولايات المتحدة المفاجئ باتجاه افريقيا، يأتي بعد تمدد ونفوذ واسعين لكل من الصين وروسيا في القارة السمراء، وهو تمدد تخشاه واشنطن
لم تكن افريقيا مجالا رحبا للولايات المتحدة، يستحوذ على اهتمامها، قبل الحرب العالمية الثانية، إذ كانت القارة السمراء حينها ترزح تحت نير وسيطرة دول الاستعمار الأوروبية على مدى عقود وقرون، وأبرز هذه الدول: بريطانيا وفرنسا، اللتان مارستا دون قيود، أوسع عملية نهب منظم لثروات الدول الافريقية المستعمرة من قبلها. وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، كانت الولايات المتحدة تقيم علاقات وثيقة مع ليبيريا، بعد أن أنشأها الأمريكيون عام 1819، والتي تشكلت من المستوطنين، ومن العبيد المحررين الذين اختارتهم ومولتهم جمعية الاستعمار الأمريكية (ACS). عام 1862، وفي عهد الرئيس إبراهام لنكولن، اعترفت واشنطن رسميا بليبيريا كدولة مستقلة ذات سيادة، وأقامت معها علاقات دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية متينة، حيث كانت أقلية الأمريكيين الليبيريين السود تقبض على الحكم وتدير البلاد. تعزز الوجود الأمريكي في ليبيريا بعد معاهدة وقعت بين البلدين، اتاحت لواشنطن بسط نفوذها الواسع، من خلال تقديمها المساعدات لحل مشاكلها الداخلية، كما أنشأت البحرية الأمريكية محطة للفحم، وفي عام 1926، حصلت شركة المطاط الأمريكية فايرستون على امتياز لإنشاء أكبر مزرعة مطاط في العالم في ليبيريا. أما في شرق افريقيا، فأقامت واشنطن عام 1926 علاقات دبلوماسية مع إثيوبيا، وبعد ذلك ألحقتها بمعاهدة عام 1926، التي منحت إثيوبيا «الدولة الأولى بالرعاية»، عام 1935، رفضت واشنطن الغزو الإيطالي لإثيوبيا، وبعد تحريرها عام 1944، تعمقت العلاقات الأمريكية الإثيوبية على مختلف الصعد، حيث قدمت واشنطن مساعدات تتعلق بالمرافق الاقتصادية والعسكرية، والتعليمية والصحية، والخدمية، من خلال برنامج «النقطة الرابعة الأمريكي»، وهو برنامج شكل نموذجا للمساعدة الأمريكية للدول الافريقية، التي بدأت تستقل حديثا، وكانت الغاية من البرنامج، الوقوف في وجه المد الشيوعي في القارة الافريقية.
أما المغرب فكان من الدول الأولى التي اعترف باستقلال الولايات المتحدة. على صعيد آخر، أقامت مصر علاقات تجارية وثقافية مع الولايات المتحدة منذ أواخر القرن التاسع عشر، من خلال الكنيسة والمنظمات البروتستانتية، وما رافق ذلك من تبشير محدود، ونشر طرق التعليم الحديثة في مصر، من خلال إنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة. وفي عام، 1922، اعترفت واشنطن باستقلال مصر عن الحماية البريطانية، وإن ظلت بريطانيا متحكمة بالسياسة الخارجية المصرية، لحين قيام الثورة المصرية عام 1952، حين أخذت العلاقات الأمريكية المصرية، منحى جديدا، لاسيما بعد اعتراف مصر بالصين الشيوعية، وتأميم قناة السويس، وما نتج عنه من عدوان ثلاثي عليها (بريطانيا، فرنسا وإسرائيل) بغية استعادة السيطرة على القناة، إلا أن الضغط الأمريكي أجبر الدول الثلاث على الانسحاب من الأراضي المصرية، ما جعل الولايات المتحدة تعزز في ما بعد من نفوذها في الشرق الأوسط، لتحل مكان بريطانيا وفرنسا. بعد ظهور حركات التحرر الوطني في افريقيا والشرق الأوسط، وآسيا، والعالم العربي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، لاسيما منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وإنشاء الولايات المتحدة في عهد رئيسها دوايت ايزنهاور، مكتب الشؤون الافريقية، للتعامل مع افريقيا جنوب الصحراء، ومكتب شؤون الشرق الأدنى ويهتم بدول شمال افريقيا. منذ ذلك التاريخ بدأت واشنطن تشجع الدول على إنهاء الاستعمار، فيما بدأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى البنتاغون الذي قام بتزويد الجيوش المحلية بالسلاح والأموال. حتى عام 1960، لم يكن للولايات المتحدة ذاك النفوذ الواسع في القارة الافريقية. إلا أن انخراط الاتحاد السوفييتي في القارة السمراء، ودعمه المكشوف لحركات التحرر الافريقية التي بدأها الرئيس أحمد سيكوتوري في غينيا عام 1958، معلنا استقلال غينيا، وطالبا المساعدة الخارجية. في هذه الأثناء، انحازت الشعوب الافريقية إلى الاتحاد السوفييتي الذي رأت فيه المخلص لها من نير الاستعمار. ما دفع بالرئيس الأمريكي جون كنيدي بعد وصوله إلى البيت الابيض، ليولي أهمية كبيرة لافريقيا، ويستعيد سيكوتوري إلى حضن واشنطن عام 1963، ومن ثم فتح مجال التعاون مع دول القارة، حيث استقبلت واشنطن عام 1961، أحد عشر رئيس دولة افريقية، وعشرة رؤساء عام 1962، وسبعة رؤساء عام 1963. وبعد تسلم رونالد ريغان السلطة عام 1981، أخذ على عاتقه مناهضة الشيوعية في افريقيا، بعد أن فشل سلفه جيمي كارتر بسياساته في القارة، لعدم اتخاذه القرارات الحاسمة فيها.
عام 2014، عقد في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أول مؤتمر قمة أمريكية افريقية، إذ أرادت الولايات المتحدة أن تظهر رغبتها واهتمامها بافريقيا، عندما أعلن أوباما أن واشنطن ستلتزم بتقديم 55 مليار دولار للدول الافريقية على مدى ثلاث سنوات مقبلة. كان على افريقيا أن تنتظر ثماني سنوات كي يعقد الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤتمر قمة أمريكية – افريقية في 13 ديسمبر 2022 مماثلا لقمة عام 2014. كانت القمة الأخيرة، فرصة لبحث الأمن الغذائي الذي تراجع مع حرب أوكرانيا، وموضوع المناخ، والديمقراطية والحوكمة، أمام 49 دولة افريقية قال الرئيس بايدن: «عندما تنجح افريقيا تنجح الولايات المتحدة.. العالم كله ينجح». وأكد أن أمريكا ستكون حليفا أساسيا للقارة الافريقية خلال السنوات المقبلة. كلام بايدن أتى بعد تراجع الولايات المتحدة عن حضورها الفعلي المؤثر في افريقيا، وبعد أن بدأت قوى كبرى (الصين وروسيا) تتمدد في دول القارة، ويتنامى نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري فيها. أرادت واشنطن من الاستثمارات الأمريكية الجديدة في افريقيا أن تستخدم في مجالات تطوير البنى التحتية، والطاقة النظيفة. كما أعلن بايدن خلال منتدى الأعمال الذي عقد أثناء القمة، أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، USAID ستستثمر 370 مليون دولار في مشاريع الطاقة النظيفة، وتقديم الأسمدة الزراعية لصغار المزارعين، ودعم الشركات التي توفر مياه الشرب للمجمعات السكنية المحرومة منها، وتأمين الكهرباء والإنترنت لعشرة آلاف من المراكز الصحية في افريقيا. رغم أهمية هذه المساعدات، فإنها تظل متواضعة، ودون المتوقع، ولا تلبي حاجات افريقيا. إذ أن مبلغ 55 مليار دولار الذي خصصته واشنطن للقارة، لا يفي بحاجات ومتطلبات شعوبها ودولها، خاصة أن ما تقدمه الولايات المتحدة من مساعدات ومنح واستثمارات، تبقى مكبلة بالشروط والقيود التي تتوافق مع سياساتها، وتلبي مصالحها، قبل مصالح شعوب القارة ودولها. تحرك الولايات المتحدة المفاجئ باتجاه افريقيا، يأتي بعد تمدد ونفوذ واسعين لكل من الصين وروسيا في القارة السمراء، وهو تمدد تخشاه واشنطن، وحذر منه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. لذلك، جاءت القمة الأمريكية الافريقية بغية إقامة التوازن الأمريكي مع النفوذ والدور الصيني والروسي في القارة، وبعد العديد من الزيارات الرسمية التي قام بها مسؤولون صينيون وروس لدول القارة، وبعد أن تصدرت الصين قائمة الدول المستثمرة في افريقيا. هناك تباين كبير بين واشنطن وبكين في مجال حجم الاستثمارات في افريقيا، إذ أن البيانات الأمريكية تشير إلى أن الصين أبرمت عام 2020، اتفاقيات تجارية مع 623 شركة بقيمة 735 مليار دولار. كما عقدت الصين عام 2021، ثمانمئة صفقة تجارية واستثمارية مع 45 دولة افريقية، بلغت قيمتها 50 مليار دولار، بينما استثمرت الولايات المتحدة في الفترة نفسها 22 مليار دولار من خلال 80 شركة في افريقيا.
مما لا شك فيه، أن الصين تتحرك بمرونة في قارة افريقيا، وهي لا تفرض شروطا أو قيودا، ولا تزج نفسها في مسائل عديدة، كما تفعل واشنطن، لجهة حقوق الإنسان، والديمقراطية، حيث تلجأ أمريكا من حين إلى آخر إلى فرض عقوبات قاسية، واتخاذ مواقف متصلبة من جانبها، تجاه دول افريقية، حيث ترى فيها هذه الدول استفزازا واضحا، وتدخلا سافرا في شؤونها الداخلية، ورغم محاولات واشنطن تكثيف حضورها الاقتصادي والاستثماري في افريقيا، فإن القارة السمراء، لا تمثل إلا 1% من التجارة الخارجية للولايات المتحدة، حيث تشكل واردات النفط من نيجيريا وأنغولا الجزء الأكبر. في حين أن تطلعات القمة الأمريكية الافريقية عام 2022، لم تظهر نتائجها الملموسة حتى الآن، خاصة أن حجم التجارة الأمريكية مع الدول الافريقية لا يزال أقل من 40 مليار دولار، أي 20% من حجم تجارة الصين مع افريقيا. كما أن حجم الاستثمارات الصينية تشكل أكثر من 250% مما تستثمره الدول الغربية مجتمعة في تطوير البنى التحتية. إذا كان الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لافريقيا، حيث بلغ الحجم التجاري معها 254 مليار دولار، فإن الصين تجاوزت الاتحاد الاوروبي، لتحل مكانه بحجم تجاري مع افريقيا وصل إلى 282 مليار دولار، فيما أمريكا خصصت 83 مليار دولار من أجل تعزيز نفوذها، والحفاظ على مصالحها، من خلال احتفاظها بـ 29 قاعدة عسكرية صغيرة ومتوسطة وكبيرة الحجم، منتشرة في مراكز عديدة في القارة ، وأكبر هذه القواعد موجودة في جيبوتي واوغندا والسنغال.