عدلي احمد يكتب : هل يتوجه السيسي للحرب تحت الضغط الشعبي

profile
عدلي احمد قيادي يساري
  • clock 9 أبريل 2021, 4:02:15 م
  • eye 991
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لم يتوجه  السادات الي حرب اكتوبر الا تحت ضغط الغضب الشعبي الوطني الذي تجسد في حركه طلابيه وطنيه عارمه , وعندما انتصر الجيش في تحطيم خط بارليف وانجز العبور للضفه الاخري من قناتنا , حاصر تمدد هذا الانتصار وضبطه علي مقاس مصالح النظام وطبقته الحاكمه , وفاوض الصهاينه محتميا بدخان هذه الحرب الكبيره حتي فرض علي شعبنا كامب ديفيد والمعاهده , بعد ان خان دماء الآلاف من شهدائنا.

هل يفرض غضب النيل علي حكم السيسي ما يجعل الليله شبيهه بالبارحه ؟, فيوجه ضربه عسكريه لسد النهضه من اجل تمرير رؤيته المنسجمه مع مصالح طبقته الحاكمه التابعه وعلاقاتها وتحالفاتها ,والمنحصره في حد ادني مائي من حصتنا التاريخيه يسمح باحتياجات النظام ,ويتيح في نفس اللحظه تضييق نطاق هذا الغضب الي الحد الذي يمكن له مواجهته دون الانجرار الي حرب اهليه مهلكه للطبقه الاستغلاليه المتحققه بالفعل , نجح النظام في تحاشيها في سياق تخلصه المؤقت من ثورة يناير واشباحها.

فاذا كان حكم السيسي قد حاول خلال السنوات القليله المنصرمه اعداد نفسه علي صعيد الزراعه والمحافظات الشاطئيه ,ومن خلال تحلية مياه واستصلاح اراضي وتبطين ترع وتخفيض زراعات الارز والقصب والموز , لاستيعاب نقص المياه المؤكد , فان تصاعد الاطماع الاثيوبيه في ظل تهاون حكم السيسي الذي وقع اتفاق العار , يهدده الآن وفي غضون العام المقبل بمقدار نقص لم يكن في حسبانه, وهو نقص يقول الاثيوبيين نهارا جهارا انه لن يقل عن 20 مليار متر مكعب , وهو ما يصعب ان لم يكن من المستحيل استيعابه علي صعيد التكلفه الاقتصاديه , خصوصا في ظل اعباء الديون الرهيبه التي صار اقتصاده مكبلا بها , ونتيجته الوحيده المؤكده بوار نصف الزراعه المصريه المعتمده في ريها علي مياه النيل والتي لا تقل عن 5 مليون فدان, بكل ما يعنيه ذلك من تشريد ما لا يقل عن 20مليون عامل زراعي وفلاح فقير ومتوسط, وتصفية صناعاتنا الغذائيه المعتمده علي هذه الزراعه وفي مقدمتها مصانع سكر القصب في الصعيد وتشريد ما لا يقل 60الف عامل.

وما يضاعف من خطورة الوضع برمته ,ان الاطماع الاثيوبيه المدعومه من الاحتكارات الدوليه العامله في مجال الزراعه والدول التي تعاني من ازمة المياه العذبه, لا تقول بالتوقف عند هذا النقص الفادح بل يمكن لها ان تلتهم كامل مياه النيل الازرق - 49 مليار مترمكعب - وتترك السودان ومصر للتعارك حول قرابة 40 مليار اخري ينبع منها من اثيوبيا حوالي 28 مليار والباقي من البحيرات الاستوائيه.

وما يفاقم من شدة الازمه ان اهم حلفاء حكم السيسي اقتصاديا خصوصا في مشروعاته الجاريه كالصين والامارات و"اسرائيل" يدعمون اثيوبيا ,وان توقيعه علي اتفاقية العار يشل موقفه ازاء اي وساطه .

وما يحولها الي معضله ان تكتمه علي ما يدور في كواليس الكارثه المائيه عن الشعب, آخذ في التفكك في ظل ارتفاع صوت "خناقته" مع حكم آبي احمد, مما يرفع الآن من غضب الشعب كله نحو الاخير , ويحيط بموقف السيسي لدرجة تجعل من عودته الي  الحاله القديمه ( كل شئ تحت السيطره )امرا مستحيلا, فقد صارت ملايين واسعه تتابع المعركه عن كثب وبقلق مشروع تصعب مراوغته وخداعه فالي حد ملحوظ فان ماردا قد صار يطل من القمقم.

قد تشكل في هذا السياق ضربه عسكريه معطله علي الاقل لاستمرار اثيوبيا في الارتفاع بجسم السد وممره الاوسط وتوربيناته, امرا ضروريا  كمغامره محسوبه تماما كما كانت حرب اكتوبر , يبرهن حكم السيسي من خلالها لاخوته الاعداء جميعا ان للصبر حدود , وان موقف اثيوبيا من المستحيل لا قبوله ولا تمريره ,ويتمكن بحرارتها ونيرانها من فرض الحد الادني الذي يحتاجه , كما يتمكن محتميا بدخانها من تخفيض اعباء مواجهة واستيعاب الكارثه علي الصعيد الجماهيري.

ولكن قد يفسد الطبخه رد فعل اثيوبي حاد , فتتحول الضربه الي مبرر صارخ للاطماع الاثيوبيه وعنصر طارئ لصالح آبي احمد داخليا وهو الذي يواجه ما لا يقل عن حرب اهليه متقطعه , بما يحول الضربه ورد فعلها الاثيوبي الي ملهاه يعمي الانشغال بوقائعها ولو مؤقتا , عيون الشعبيين المصري والسوداني عن وقع تحقق كارثه ضاريه.

وكما قال ماركس فان التاريخ فعلا لا يعيد نفسه الا علي صورة ملهاه في المره الاولي , وعلي صورة تراجيدا مأساويه في المره الثانيه عندما لا يكون امام الشعب والجيش هدم السد الكارثي الذي سيكون قد انتصب عاليا, حاجزا كميات كبيره من المياه تعرض السودان للاباده.

ان الافلات من هذا المأزق يكمن فقط ,في توجيه ضربه ناجزه من اول مره لا تستهدف الا سحق سد الموت والعار ,فمهما تكن اعبائها فانها لن تكون ابدا بضراوة ومأساوية الضربه الثانيه المحتمه ,ان حاول حكم السيسي فقط المناوشه.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)