- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
عجز اقتصادي: كيف تزايدت أعباء الديون عالمياً؟
عجز اقتصادي: كيف تزايدت أعباء الديون عالمياً؟
- 26 أغسطس 2023, 3:51:52 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
شهدت اقتصاديات الدول خلال السنوات الماضية العديد من الإشكاليات الرئيسية، وفي مقدمتها إشكالية الديون، وهي الإشكالية التي تفاقمت في ظل تعرض العديد من الاقتصاديات لضغوط هائلة ناجمة عن الأزمات العالمية المتلاحقة، وخاصة جائحة كوفيد–19 وكذلك الحرب الأوكرانية. هذه الضغوط أثارت شكوكاً هائلة حول قدرة العديد من الدول على الوفاء بديونها. وفي هذا الصدد، نشر موقع “ايكونوميست إنتلجنس يونت” تقريراً بعنوان “لا عودة إلى المال الرخيص”، في 21 أغسطس 2023.
ضغوط متزايدة
استعرض التقرير أبرز المؤشرات المعبرة عن تزايد أعباء الديون في العالم، وهو ما يتضح من خلال ما يلي:
1- زيادة أعباء خدمات الديون مع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً: دفع التضخم المرتفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حاد، غير أن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية أدى إلى زيادة أعباء خدمة الديون التي تتحملها العديد من الدول. وحتى إن كان هناك تحسن معتدل في المالية العامة في معظم الدول بعد زيادة الإنفاق المرتبطة بفيروس كورونا، فإنه مع تقديم العديد من الحكومات شكلاً من أشكال دعم تكاليف المعيشة للأسر والشركات، لم يتقلص عجز العديد من الميزانيات إلا بشكل تدريجي.
ونتيجةً لما سبق، كانت هناك ست حالات تخلف عن سداد الديون السيادية في عام 2022، ثلاثة منها (روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا) كانت نتيجة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، في حين كانت الدول الثلاث الأخرى (غانا وسريلانكا ومالي) مرتبطة إما بمجموعة من الاختلالات الاقتصادية المحلية –التي تفاقمت بسبب سياق خارجي أقل ملاءمة – أو سوء إدارة السياسات. وقد تتبعها دول أخرى في الفترة 2023–2024، نظراً إلى أن أسعار الفائدة ستظل مرتفعة.
2- تعرض اقتصادات القارة الأفريقية لتأثيرات حادة: تقع أغلب الدول الأكثر عرضةً لخطر التخلف عن سداد الديون في افريقيا؛ ما يعكس ارتفاع المديونية، والأعباء الثقيلة لخدمة الديون الخارجية، وإرهاق الموارد المالية العامة لمعظم دول القارة، وخصوصاً أن الاقتصادات الأفريقية كانت قد استفادت من الائتمان الدولي المنخفض التكلفة قبل الجائحة لدعم ميزان المدفوعات؛ ما أدى إلى تراكم أعباء الديون الخارجية الكبيرة نتيجة لذلك، فيما أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكاليف خدمات الديون بشكل كبير.
هذا، وتتعرض مصر بوجه خاص لخطر مواجهة صعوبات في السداد؛ فقد ارتفع الدين العام من نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 90% في عام 2022، وسوف يجعل العجز المالي الضخم من الصعب خفض هذه النسبة بشكل ملموس. وكان من المتوقع رسمياً أن تبلغ تكاليف خدمة الديون 46% من إجمالي الإيرادات في العام المالي 2022/2023 (يوليو-يونيو)، ولكن من المرجح أن يكون الواقع أعلى من ذلك، نظراً إلى الزيادات الحادة في أسعار الفائدة.
وأيضاً فإن إثيوبيا تجمع بين متطلبات التمويل الخارجي الكبيرة وعدم اليقين بشأن كيفية سد الحكومة الفجوة التمويلية، وفيما تعكس احتياجات التمويل في الأساس عجزاً واسع النطاق في الحساب الجاري، فإن ارتفاع أقساط الديون يشكل أيضاً عاملاً مساهماً، ويتفاقم هذا الارتفاع بسبب الانخفاض الحاد في الاحتياطيات الأجنبية.
3- استمرار التحدي الاقتصادي أمام سريلانكا وباكستان: رغم أن المخاطر المالية قد خفت في العديد من الدول الآسيوية، فإن هناك بعض الدول التي ستظل معرضة للخطر. وبعد إعلانها أنها ستعلق سداد الديون الخارجية إلى أجل غير مسمى في أبريل 2022، حصلت سريلانكا على الموافقة النهائية من صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة بقيمة 2.9 مليار دولار أمريكي في مارس 2023، وتأمل الحكومة التفاوض على فترة سماح ممتدة لديونها الخارجية، ومع ذلك هناك العديد من الصعوبات، بما في ذلك تصنيف سريلانكا باعتبارها دولة ذات اقتصاد متوسط الدخل، وهي تدين كذلك بقدر كبير من الديون للصين، التي لا ترغب في الموافقة على تخفيض قيمة الديون أو المشاركة في مبادرة إعادة الهيكلة المتعددة الأطراف.
وبالنسبة إلى باكستان، فإن القدرة على الحصول على قروض جديدة من شأنها أن تدعم احتياطات الدولة من النقد الأجنبي، وتسمح للبلاد بدفع ثمن المواد الخام الصناعية البالغة الأهمية، ومن ثم إعطاء بعض الزخم للنشاط الصناعي المتعثر، ومع ذلك فإن العجز المزدوج المزمن في ميزان المدفوعات والحسابات المالية، والنشاط الاقتصادي الضعيف، ومحدودية رغبة مساعدة الدائنين الآخرين لباكستان، يعني أن الحكومة المقبلة سوف تضطر إلى البدء في التفاوض بشأن قرض آخر من صندوق النقد الدولي.
4- بقاء المخاطر المالية في الأرجنتين والإكوادور: تتصارع العديد من الحكومات في أمريكا اللاتينية مع معضلة زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق لضمان القدرة على تحمل الديون، ولكن يبدو أن المخاطر المالية تم احتواؤها بشكل جيد في معظم أنحاء المنطقة. ولكن من بين الاقتصادات الكبرى لا تزال المخاطر المالية أعلى في البلدين اللذين لديهما تاريخ حديث من التخلف عن سداد الديون، وهما الأرجنتين والإكوادور.
ففي الأرجنتين، أسهم الجفاف الشديد في انخفاض عائدات التصدير، بجانب الافتقار شبه الكامل إلى القدرة على الوصول إلى التمويل الخارجي الخاص، ما جعل البلاد تعتمد على صندوق النقد الدولي للحصول على التمويل المشروط بتحقيق الأهداف المنصوص عليها في صفقة تسهيلات الصندوق الممتد (EFF)، ومع ذلك فإن السباق الانتخابي المحتدم يضع مخاطر التخلف عن السداد وانخفاض قيمة العملة في الواجهة.
في الوقت نفسه، ستظل المخاطر السياسية التي تهدد الجدارة الائتمانية في الإكوادور مصدراً للقلق؛ حيث من المرجح أن تؤدي الانتخابات المبكرة التي تم إجراؤها في 20 أغسطس 2023 إلى تشكيل حكومة جديدة ذات سياسات أقل ملاءمةً للسوق. ونظراً إلى تاريخ التخلف عن السداد في البلاد، فإن التمويل يشكل سبباً للقلق.
5- البطء في ضبط الأوضاع المالية في الأسواق المتقدمة: بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، فإن القضية الرئيسية مرتبطة بسياسات حكوماتها تجاه ضبط الأوضاع المالية. فلم تنخرط العديد من الحكومات بعد في أي مناقشة جادة بشأن الموقف المناسب فيما يتصل بالميزانية بمجرد تراجع التضخم؛ إذ تم تعليق قوانين المسؤولية المالية التي تحدد السقف الأقصى للعجز في أغلب الحالات أثناء الجائحة، وتباطأت الحكومات في اتخاذ قرار بشأن متى (أو إذا ما كانت) ستعيد تفعيلها.
وقد أرجأ الاتحاد الأوروبي بالفعل إعادة تقديم إطاره المالي مرات عدة، وكان آخرها حتى بداية عام 2024. والواقع أن قِلة من بلدانه الأعضاء اقتربت من الالتزام بسقف العجز بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك خطر كبير من أن تتأخر عملية إعادة التقديم بعد هذا التاريخ؛ حيث تكافح الكتلة للاتفاق على إذا ما كان سيتم استبعاد بعض بنود الإنفاق (مثل تكاليف التحول الأخضر) من حسابات العجز.
ومن غير المرجح أيضاً أن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية قدراً كبيراً من ضبط الأوضاع المالية في الأمد القريب، وحتى مع موافقة الرئيس جو بايدن على بعض الحدود القصوى للإنفاق مقابل امتياز جمهوري بتعليق سقف ديون الحكومة الفيدرالية البالغ 31.4 تريليون دولار مؤقتاً، ولكن يتوقع أن يظل العجز الفيدرالي واسعاً في العام المالي 2023، عند 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي (أعلى مما كان عليه في السنة المالية 2022)، مع تباطؤ نمو الدخل تماشياً مع النشاط الاقتصادي، في حين سيظل الدين الفيدرالي عند أكثر من 120% من الناتج المحلي الإجمالي.
تأثيرات متفاوتة
خلاصة القول: يمكن القول إنه في الاقتصادات المتقدمة، حيث يكون تمويل العجز أسهل ومصادر الائتمان أكثر وفرةً، ستواجه الحكومات أعباء فائدة أقل. أما في الاقتصادات النامية ذات قاعدة الإيرادات وخيارات التمويل المحدودة، فسيتعين على بعض الحكومات معالجة المخاوف الأساسية بشأن القدرة على تحمل الديون.