- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
عبود مصطفى عبود يكتب عن الموت
عبود مصطفى عبود يكتب عن الموت
- 4 أبريل 2021, 7:14:32 م
- 941
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الموت (٢)
لعل الموت أكثر شيء احتار الناس في تعريفه، لذا تجد له تعريفا طبيا وثان فلسفيا وثالث شرعيا، وله تفاسير سسيولوجية وتفاسير مرتبطة بميثولوجيا الشعوب..لكن أجمل ما قيل في تعريفه من وجهة نظري، هو قول نجيب محفوظ عنه بأنه ميلاد جديد في عالم آخر.
في رحلة بحثي عن ماهية الموت، قلت في المقالة السابقة أنني قرأت الكتب التي تناولته من الزاوية الدينية ورغم أهمية ذلك جدا، إلا أن أصحاب هذه الكتب لم يقدموا أية اجتهادات عميقة أو جديدة في الحديث عن الموت، وهذا مفهوم أسبابه وهي طبيعة المنهج الذي يؤلفون من خلاله وهو منهج الاتباع وليس الابتداع.
لذلك ذهبت إلى دنيا الفكر والفلسفة، محاولا استكشاف طبيعة الموت من خلالهما، ودعوني أضرب لكما مثالا يقرب الأمر.
إذا قلنا أن حادث سير وقع على الطريق وراح ضحيته إنسانا ما
سيتناول الصحفي هذا الأمر من نظرة ضيقة جدا، باعتبار ما حدث مجرد خبر.
أما الروائي، سينظر للأمر بصورة أعمق وأبعد من الصحفي، لأنه سيضع مجموعة من الأسئلة مثل: من هذا الرجل، وما حكايته، ولماذا كان يسير وهو شارد الذهن، ما مشاكله التي شغلته عن متابعة الطريق؟
وما حكاية السائق الذي قتله، وما مصائر الناس المرتبطون بهذين الرجلين؟
باختصار سيبني الروائي حكاية وقصة من خلال هذا الحادث، كما فعل مثلا نجيب محفوظ في روايته البديعة اللص والكلاب، والذي استوحى أحداثها من خلال حادث وقع للص آنذاك وكتبت عنه الصحف، لكن نجيب تناول الحادث في صورة رواية وطرح فكرة أعمق مفادها أن اللص الحقيقي، هو الصحفي المثقف المنحرف، الذي يتاجر بالأفكار والكلمات دون شرف، ويدعو لقيم ومثل هو غير مؤمن بها، وهو بذلك أخطر من اللص الذي يسرق البيوت ليلا.
أما الفيلسوف، سينظر إلى حادث السير الذي راح ضحيته الرجل، بصورة أعمق وأبعد من الصحفي والروائي، سيطرح تساؤلات فلسفية أبعد كثيرا، لأن الفيلسوف يبحث في العلل البعيدة، فربما يطرح تساؤلا من عينة، ما شكل الكون والحياة لو أن الله لم يخلق الموت؟
وهل كانت الإنسانية ستكون أسعد حالا أما أنها كانت ستخترع الموت.
وما هي طبيعة الموت، وما ملامح وطبيعة رحلة الانتقال من الحياة إلى الموت، وما تفاصيل الرحلة بعد الموت؟
قد يقول قائل ولماذا نلجأ للفلاسفة لمعرفة كل هذا وقد أخبرنا الدين بالتفاصيل؟
وهذا تساؤل وجيه ومحترم، لكن إجابته سهلة وبدهية وهي ما المانع في معرفة هذا وذاك، خاصة أن العلم من خصائصه التراكم والتكامل، ثم أن الحكمة أي الفلسفة لا تتعارض مع الشريعة كما قال ابن تومرت ولكن تتكامل معها.
لذا ذهبت إلى دنيا الفكر والأدب والفلسفة للتعرف على الموت.
وفي المقالات القادمة سنحاول تطبيق المثال السابق عمليا، من خلال نظرة الدين للموت، ثم النظرة الشعبية وما يتخللها من أفكار لها علاقة بالميثولوجيا، ثم نظرة الفلسفة والأدب.
وللحديث بقية.