- ℃ 11 تركيا
- 20 نوفمبر 2024
عبد الله سكرية يكتب: إهتراءٌ أم ذبولٌ ؟ 2
عبد الله سكرية يكتب: إهتراءٌ أم ذبولٌ ؟ 2
- 20 نوفمبر 2024, 4:03:39 م
- 28
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الشاعر اللبناني عبد الله سكرية
كان اللّافتُ عندهم أنّني أبنُ البقاعِ اللّبنانيِّ ،ومن قرية ٍ منه نائيةٍ ،لا علاقةَ لها بما يجري في مصرَ ، ذلكَ البلدُ الأفريقيُّ البعيدُ . همُ ما عرفوا ،قبلُ ،أنّني رضعتُ حبَّ فلسطينَ في بيتٍ ،أهلُه أصحّاءُ العقولِ دينًا وانتماءً . أو هم تغاضَوا عن فهم واقعٍ عربيٍّ كان فيه الوطنُ العربيُّ على امتداد مساحته من النهر إلى البحرموحّدُ الفهمِ بعقلٍ ودراية ٍ في أننا أمّةٌ واحدةٌ ،أرضًا ،تاريخًا ،وجدانًا ، دينًا ، لغةً، مصالحَ ، مصيرًا، وعاداتِ بتقاليدَ . ويا فلسطين أنتِ الدربُ والهدف .
هي فترةٌ عشناها في الخمسيناتِ والسّتينات من القرنِ الماضي ،كانَ وعاؤنا العروبةُ الحضاريّةُ الجامعةُ والإيمانُ الدينيُّ السّليمُ ،والنّزعةُ للمقاومةِ والاستشهادِ، في معاركَ تُخاضُ جماهيريًا ضدّ الاحتلال. ما كان ليسقطَ شهيدٌ من شبابِ أمّتِنا حتّى تثورَ ثائرةُ الجميعِ، تضامنًا مع الشّعبِ الفلسطينيِّ ،وانتصارًا لفلسطين ،مع تظاهرُ في كلِّ السّاحات ،رفضًا للاعتداءِ بحميّةٍ ظاهرةٍ ، وبوحدةٍ مجتمعيّةٍ حادّةٍ . في هذه الفترةِ أنشئتْ المقاومة الفلسطينيّة ، وبدأتْ معاركُها ضدَّ الصّهاينةِ ، وإلى جانبِها وقفتِ الأمّةُ بأسرِها قلبًا وقالَبًا . كانتِ البدايةُ لانطلاقةِ الثورةِ الفلسطينية ضدَّ الاحتلالِ الصهيونيِّ في الفاتح من شهر كانون الثّاني من عام 1965 .وما كان عجيبًا أن ينضمَّ إليها شبابٌ عرَبٌ من كلّ الأقطارِ العربيّةِ ،كما انضمّ إليها ثوّارٌ أعاجمُ من هنا وهناك . ولستُ أنسى أنَّ أحدَهم كان يابانيّا شاركَ في عمليّةٍ فدائيّة ٍوقع فيها أسيرًا لدى الصّهاينةِ في مطارِ اللّدّ..
رافق كلَّ هذا دعمٌ شعبيٌّ باهرٌ ،تجلّى في تقديمِ العونِ ماديًّا وإعلاميّا على كلِّ مستوى ، في كلِّ دسكرةٍ ،وفي كلِّ بيتٍ ،وكلِّ مرفقٍ . فما ظنّكم بامرأةٍ عجوزٍ وبزوجها الشيخِ في أنّهما نزعا المحبسَ الذّهبيَّ ،كلٌّ منهما من إصبعِه، وقدّمه تبرّعا ودعمًا لهذه الثّورة . نموذجٌ يبدو بسيطًا أما مَ ما قدّمَه الشّعب العربيّ ُ انتصارًا لثورتِه على الصّهاينةِ .
وعلى أيِّ حالٍ يكون الشعبُ ، أيُّ شعبٍ ، إذا ما حمل لواءَ حرّيته قائدٌ أحبّ وطنه المستهَلكَ والمستعبَدَ وأتى ليحميهَ ويخلّصَه من براثن المُستبدّين والطّامعين ؟ . تلك كانتْ ثورةُ 23 تمّوزمن عام 1952، لتحملَ رايةَ الوطنيّة والعروبةِ والإيمان ويا للشعبِ العربيِّ من عزٍّ فاقَ الحدودَ بالتفافٍ متينٍ حولَ ثورتِه ،إذ أعطيتْ مصرُ هويّتَها العربيّةَ الأصيلة ،وراحتْ تتحرّر من بريطانيا،وتعمل على تحريرِالأقطارِ العربيّة المكبّلةِ بالاستعمار فكان الجلاءُ بعد احتلالٍ فاق الثمانين عامًا ،تبعَه تأميمُ قناةِ السّويس ، وبعدها انتصارٌ على العدوانِ الثُّلاثي ( بريطانيا، فرنسا وإسرائيل) عامَ 1956، وتقيمُ الثورةُ وحدةً مع سورية باسم الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 .ويتبعُها جميعًا أن نالتِ الجزائر استقلالها عام 1962 وكذا العراقُ واليمنُ وغيرهما ...
وفي الفترةِ عينِها عرفتْ الأمّة أن تلتئمَ عبرَ قممِ عربيّةٍ جامعةٍ، فيها تتحدّدُ المواقفُ وتبدو صورةُ العربيّ مع شيءٍ من الهيبةِ والاحترامِ ،وأبدتْ الأمّةُ ومعها العالَمُ الحرُّ لقمّةٍ عربيّةٍ عقِدتْ في الخرطوم عامَ 1968كثيرًا من الاهتمامِ والإكبار ، وكانت قراراتُها ردًّا على الهزيمةِ بأن " لا صلحَ ولااعترافَ ولا مفاوضاتٍ مع الصّهاينةِ ".
وكم كانت فرحةُ الأمّةِ عظيمةً حينما التأمَ شملُ القادةِ العرَبِ جميعِهم في هذه القمّةِ حيثُ تمّتِ المصالحة ما بين مصرَ والسّعوديّةِ ، لأنّ المصيبةَ تجمعُ وخاصةً إذا كان المُصابُ كبيرًا وسيأخذ الجميعَ في طريقهِ . وكان التأمَ الشّملُ يومَ أعلنَ الرئيسُ الرّاحل "جمال عبد النّاصر" استقالتَه من مسؤوليّة الحكمِ ،لأنّه اعتبرَ نفسَه مسؤولًا عن الهزيمةِ ، وكانت جماهيرُ التاسعِ والعاشرِ من حزيران تتوزّع في الأزقّةِ والشّوارعِ وعلى الشّرفاتِ وأسطحِ البنايات ، ليس في مصرَ وحدَها ، بل في كلِّ ركن من أركان هذا الوطنِ العربيِّ الكبيرِ . وتكرّرَ المشهدُ مع بكاءٍ وعويلٍ يومَ الثّامنِ والعشرينَ من أيلولَ من عام 1970 ، حينَ أعلنَ عنِ انتقالِ الزعيمِ عبد النّاصرِ إلى الرّفيقِ الأعلى ، وكانتِ الشّاهدَ على ذلكَ جنازتُه التي لم تلتئم بأعدادِها وبأمكنتِها
لقائدٍ إلّا هو .
لقد قيلَ : إنّ القائدَ يستمدّ معنوياتِهِ من شعبِه أو ممّن هو مسؤولٌ عنهم ، والعكس هو الصّحيحُ أيضًا ، حركةٌ تكامليّةٌ صبّتْ حممَها على الاستعمارِ والتّجزئةِ والتّخلّفِ والدّافع إلى كلِّ ذلك أنّ الاستعمار جزّأنا وأعطى ما لا يملكُه إلى من لا يستحقُّه . وتبقى فلسطينُ هي القضيّة .
يتبعُ . إن شاءَ الله يومَ الإثنينِ القادم 25_11..