- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
عبد الحليم قنديل يكتب: الحرب الأوكرانية… ونهايات صيفية
عبد الحليم قنديل يكتب: الحرب الأوكرانية… ونهايات صيفية
- 30 أبريل 2022, 12:53:38 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل تكون نهاية حرب أوكرانيا في نهايات الصيف أو مع بواكيرالخريف المقبل؟
لا أحد يعرف الجواب بدقة، لكن «الذي بدأ الحرب بوسعه أن ينهيها» كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو يقصد طبعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لا ينطق بحرف عن نواياه، مستمسكا بأهدافه الكلية، وإن لفت الأنظار كلام أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في موسكو، وقد التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ثم بوتين شخصيا، وتمنى إعلان وقف إطلاق النار «في أقرب الآجال» بمنطوق كلماته.
وكان غوتيريش ذاهبا إلى موسكو في مهمة سلام عاجل، واستبق لقاءه مع بوتين بزيارة الرئيس التركي أردوغان، والأخير هو الوسيط الأنشط حتى اليوم بين روسيا وأوكرانيا، ودونما مقدرة بادية على فتح مسار لمفاوضات توقف الحرب فورا.
خرائط الحرب وميادينها المتسعة، وصراع الإرادات العنيف الدائر، مع تعثر وغياب المفاوضات فعليا، كل ذلك قد لا يقرب موعد وقف إطلاق النار
وقد دخلت الحرب شهرها الثالث، وبصورة أكثر ضراوة، واتخذت طابعا عالميا متزايدا، ليس فقط بسلاسل العقوبات القاسية، التي فرضت غربيا على روسيا، وناهزت نحو السبعة آلاف عقوبة سياسية واقتصادية ومالية، يضاف إليها هذا التدفق غير المسبوق عالميا للسلاح إلى أوكرانيا، وبهدف إضعاف روسيا، كما قال لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي في زيارته الأخيرة إلى كييف، فأمريكا في ما يبدو مصممة على القتال حتى نهاية آخر أوكراني، وعلى إطالة أمد الحرب، ربما لعشر سنوات مقبلة، كما قال مرة زيلينسكي تابع واشنطن، ومصانع السلاح الأمريكية تعمل على مدار الساعة، وتجمع عشرات المليارات من الدولارات، وتحشد من خلفها ما يزيد على أربعين دولة في حلف الأطلنطي وجواره، وتذهب بالسلاح المتطور من الأنواع كافة إلى ميدان الحرب ضد روسيا، وعلى أمل ردع بوتين، وربما تفتيت روسيا نفسها، وتوجيه الضربات لمقاطعات روسية على حدود أوكرانيا، وإشعال ثورة في موسكو تخلع بوتين، وعلى نحو شجع مسؤولا أوكرانيا بعد زيارة وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين إلى زيلينسكي، ودفعه لإعلان مفاده، أن فرص أوكرانيا في البقاء أعلى من فرص استمرار بوتين في السلطة.
والمعنى ببساطة، أنه لا قيمة كبيرة في المدى المنظور لمفاوضات تجري بين موسكو وكييف، فليس لدى الطرف الأوكراني تفويض ولا مقدرة على اتخاذ قرار، وليس بوسع زيلينسكي، سوى أن يتلقى إشادات غربية ببسالة المقاومة الأوكرانية، وسوى دفع ما تبقى من دماء القوات الأوكرانية، وعلى مذبح حرب، لن تنتهي سوى بدمار أوكرانيا التي نعرفها، وإحلال عدة دول أوكرانية بدلا عنها، كما قال سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، وهو يصف آثار الدعم الغربي الكثيف بالسلاح على مصير الحرب الأوكرانية، فالذي يراقب ما يفعله الروس يوميا على مسارح القتال، يلحظ توزعا في الجهد الرئيسي على جبهتين، وتركيز القصف الروسي بالصواريخ والطائرات على عشرات الأهداف يوميا، ما بين مطارات ومحطات طاقة وسكك حديدية وقواعد لتخزين السلاح الأمريكي والغربي عموما، وعلى الجبهة الأخرى، زحف بري هادئ متباطئ، تسارعت وتيرته في الأيام الأخيرة، ولا تخفي أهدافه المعلنة في انتزاع منطقة الدونباس بكاملها، مع التقدم إلى خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، التي استولى الجيش الروسي على نحو نصف المناطق التابعة لها، وعلى بلدات كثيرة تابعة لمقاطعتي زابوريجيا وميكولاييف، وبهدف إقامة طوق قاتل، يحاصر القوات الأوكرانية المتبقية في جمهوريتي الدونباس، لوغانسك ودونيتسك، وقد تفلتت خمسة وسبعون بالمئة من أراضيها من بين أيدى القوات الأوكرانية حتى الآن، ولم تتبق من مدن كبيرة فيها سوى كراماتورسك، بيد الأوكران، بعد أن أعلن الروس انتصارهم في ماريوبول، وتركوا جيبا غامضا في مصنع «آزوف ستال» البعيد عن ميناء ماريوبول بمسافة عشرة كيلومترات، وفرضوا عليه حصارا «لا يفلت ذبابة» كما أمر الرئيس الروسي وزير دفاعه في لقاء مذاع على الهواء، وبما أثار تساؤلات عن الهدف بالضبط من الحصار لا المبادرة بالاقتحام، فالرئيس الروسي وأركانه يعرفون أكثر من غيرهم، أن مصنع «آزوف ستال» الضخم وقصته، تنطوي على مفارقة تاريخية، فقد حول الروس ـ في الزمن السوفييتي ـ المصنع إلى قلعة محصنة حتى ضد القصف النووي، وكان المصنع الذي أقيم ابتداء عام 1933، قد تعرض لتدمير شامل في الغزو النازي للاتحاد السوفييتي، وحين أعيد بناء المصنع عام 1947، فإن الروس أقاموا تحته أنفاقا بعمق عشرات الأمتار وبامتداد لعشرات الكيلومترات، وبدا أن الروس يدركون ما يفعلون في معركة ماريوبول الطويلة الدامية، فقد دفعوا المقاتلين الأوكران مع أسرهم ومستشاريهم الأمريكيين والبريطانيين إلى أنفاق الموت، وتركوا الأمر معلقا، ربما انتظارا لاقتناص «الصيد الثمين» على قيد الحياة، وأفسحوا لهم ممرات عبور آمن لمرات، ودونما استجابة تذكر من المفاوضين الأوكرانيين، الذين لم يتلقوا أوامر سماح سريعة من الآباء الأمريكيين والبريطانيين، ربما خشية من انكشاف وانفضاح «خبيئة» آزوف ستال، وهو ما يفسر توقف مفاوضات الطرفين الروسي والأوكراني، وإن استمر تبادل أحاديث عبر تقنية الفيديو، تعرف موسكو حدودها الميدانية في تبادل الأسرى ونحوه، وتنتقل بهدوء إلى استكمال عملية «خض ورج أوكرانيا» فهي لا تريد احتلال أوكرانيا بكاملها، بل تغيير أوكرانيا سياسيا وجغرافيا، ليس فقط بالاستيلاء على كامل الشرق الأوكرانى، وعلى ما يزيد على مئة ألف كيلومتر مربع حتى اليوم، تكون المنطقة الأغنى بالثروات والمعادن والموارد الزراعية والصناعية في كل أوكرانيا، بل قطع تواصل ما يتبقى من أوكرانيا بالبحر الأسود وبحر آزوف، وقد أدت عملية ماريوبول هدفها، بالاتصال المباشر مع شبه جزيرة القرم التي انتزعتها روسيا من سنوات، وبمحو اتصال أوكرانيا ببحر آزوف، الذي صار بكامله بحيرة روسية، مع تواتر القصف الروسي على خاركيف، التي تعدها موسكو مدينة روسية، تماما كمدينة أوديسا أكبر موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، وبدا حرص الجيش الروسي على ضمها ظاهرا، في تسريب علنى عهد به على ما بدا إلى الجنرال روستام مينيكاييف نائب قائد المنطقة العسكرية المركزية الروسية، الذي أشار بوضوح لنية موسكو إكمال الاستيلاء على الجنوب الأوكراني إضافة للشرق، وهو ما يعنى ضم أوديسا إلى مصير خيرسون المستولى عليها روسيا مع بداية الحرب، وفتح طريق اتصال برى إلى إقليم ترانسنيستريا الروسي المنفصل في دولة مولدوفا المجاورة، وفيه قوات روسية تحت اسم «حفظ السلام» ويسكنه أكثر من نصف مليون روسي أي خمس سكان مولدوفا، وهي دولة أعلنت حيادها منذ استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وإن كانت أمريكا وحلف الأطلنطي يسعيان إلى ضمها، وبدعوى إنقاذها مما يسمونه «الإمبريالية الروسية».
خرائط الحرب وميادينها المتسعة، وصراع الإرادات العنيف الدائر، مع تعثر وغياب المفاوضات فعليا، كل ذلك قد لا يقرب موعد وقف إطلاق النار، لا على نحو عاجل، كما قالت تنبؤات أمريكية من قبل، ورشحت يوم 9 مايو المقبل في عيد النصر السوفييتي على النازية، ولا على نحو يتأجل كثيرا لسنوات، كما تطمح الدوائر الأمريكية والبريطانية، التي أغراها انسحاب القوات الروسية من حصار كييف مع نهاية شهر الحرب الأول، وروجت لهزيمة روسيا الممكنة، ودفعت بكل ما يملك حلف الأطلنطي من سلاح إلى الميدان الأوكراني، وبهدف استنزاف روسيا في المستنقع الأوكراني على الطريقة الأفغانية، وربما مدّ أجل الحرب إلى عشر سنوات، وهو تقدير عادوا فتراجعوا عنه بوضوح، وعلى لسان الديك المنفوش بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، الذي توقع خلال زيارته الأخيرة إلى الهند، أن تستمر حرب أوكرانيا إلى نهاية عام 2023، وبعد أن كان يعبر مع مخابراته العسكرية عن الثقة المفتعلة في هزيمة روسيا وبوتين، عاد ليقول في المناسبة الهندية وبنص ألفاظه «إنه من المحزن أن احتمال انتصار بوتين في الحرب بات أمرا واقعا» ومن دون أن يقفز حتى الآن إلى استنتاج واقعي أكثر، قد ينبئ به خط سير الحوادث، فالحملة الروسية تحتاج على ما يبدو إلى بضعة شهور إضافية وليس سنوات، وموعد نهاية صيف العام الجاري، وربما بواكيرالخريف، أي على منحنى شهور سبتمبر وأكتوبر إلى نوفمبر المقبل، تبدو المواعيد الافتراضية الأكثر احتمالا للتحقق، فالروس أعلنوا أهدافهم من البداية، وربما يختارون النهاية الأفضل لموسكو، بعد فرض أمر واقع وتثبيته، وبالقرب من توقيت نشر صواريخ «سارمات» الروسية النووية الفرط صوتية، وبالتواقت مع هزيمة واردة جدا لحزب جو بايدن في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهو ما يجعل الرئيس الأمريكي في وضع «البطة العرجاء» قبل عامين من نهاية فترته الأولى وربما الأخيرة، وكأنها إشارة زوال لزمن الهيمنة الأمريكية.
كاتب مصري