عدت من الجامعة الى قريتى وبمجرد وصولى للبيت رأيت الأوضاع مضطربة ..

فيه ايه ؟ 

قالوا أخوك عضه كلب وراح المستشفى وقرروا له ٢١ حقنة ..

طيب معلش ألف سلامة ويعيش وياخد غيرها ..

قالوا : المشكلة أصلها كبرت ..

كبرت ؟؟؟

على مسافة ليست بالبعيدة عن بيت أبى الذى نشأت فيه توجد مزرعة دواجن ( عنبر دواجن ) لواحد من كبار وجهاء قريتنا وكبير إحدى كبار العائلات بالقرية والذى تربطنا بعائلته صلات ووشائج قربى ونسب متعددة ..

أبويا الله يرحمه ويرحم كل أبطال الحدوتة ويشفى أخى صاحب الحدوتة والعضة بتاعة الكلب ..

أبويا راح للكبير صاحب المزرعة والكلب ..

ينفع كده يا حاج فلان تسيبوا الكلب بتاعكم مطلوق على عيال الناس ؟

الحاج فلان كان مشهور عنه الكثير مما نسميه الألاطة ( كبر النفوس  ..

بص لأبويا كده من فوق لتحت وقال له :

ما تلموا ولادكم يلعبوا عندكم ..

ايه اللى جايبهم يلعبوا هنا ؟

أبويا الدم ضرب فى نافوخه ..

ما كدبش خبر وطلع فورا على مركز الشرطة وحرر محضر ضد الحاج فلان وأرفق به تقرير المستشفى وبحكم عمله معروف فى المحكمة والنيابة والشرطة ..

اتعمل المحضر واتكتب بذمة واتحرك مع عسكرى مخصوص على وجه السرعة الى النيابة العامة ودخل ابويا لمدير النيابة مع المحضر وحكى له الحكاية من طأطأ للسلام عليكم ..

مدير النيابة بعد ما سمع واطلع على المحضر كتب تأشيرته : 

  ضبط واحضار فلان الفلانى وكلبه ..

التأشيرة لوحدها كلها إهانة للراجل فما بالك لو اتنفذت واتاخد الراجل مصحوبا بالكلب الى مقر النيابة العامة ..

أنا بقى وصلت والحكاية على أشدها ..

وأبويا فى حالة غضب شديد وراسه وألف سيف ان التأشيرة تتنفذ ورافض كل رجاء بالتنازل عن المحضر ..

وأنا زى ما بيقولوا ويلى ويلين ..

ابويا اللى غضبان وعنده حق فى غضبه ، وأعمامى اللى هيزعلوا على زعل ستاتهم عشان إهانة كبير عائلتهم ..

دخلت عملت كوبايتين شاى ودخلت قعدت مع ابويا ..

مفيش حد ممكن فى الساعة دى يتكلم مع ابويا غيرى .. 

ليه بقى ؟ .. 

ليا عنده شوية دلال يسمحوا لى اطلب ما لا يمكن لغيرى طلبه .

وبعد ما شهدت له بحقه فى الثورة والغضب لما حدث ورد فعل الرجل على عتابه وان له الحق يعمل أكثر من كده .. بدأت أفكره بالكلام اللى دايما يقوله عن صلة الأرحام والأقربون أولى بالمعروف وعشان خاطر اخواتك وولاد اخواتك .. 

وانت يا آبا اللى معلمنا ان عشان عين ألف عين تكرم ..

وكانت اول مرة أسمع عبارة قالها باعتبارها حديث نبوى اللى بعدين عرفت انه مش حديث ولا حاجة قال لى يا ابنى الحديث بيقول :

 الكبر على أهل الكبر صدقة ..!!

وده رجل متكبر ولازم مناخيره تيجى الأرض !!

قلت يا آبا وربنا قال :

  ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ..

وقال :  فمن عفا وأصلح فأجره على الله ..

وقال :  فليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله  لكم 

بص لى كده وعين فيها مكر والتانية فيها ما يشبه الزهو والفرح :

يعنى انت عايز ايه دلوقتى  ؟

عايزك تتكرم وتكتب تنازل عن المحضر وتحفظ هيبة الراجل وشيبته وصلة القربى ..

قال لى قوم هات ورقة وقلم ..

بعد دقائق كنت أدق على باب صاحب الكلب وكان يكبر أبى بما يزيد على العشر سنوات ..

حين سمع الرجل اسمى خرج الى بملابسه الداخلية مسرعا وهو ربما لا يعرفنى او لم يرنى من قبل ..

السلام عليكم يا عم الحاج ..

اتفضل يا ابنى ..

شكرا .. اتفضل ده تنازل مكتوب بخط أبويا وموقع منه تقدر تاخده وتطلع تقدمه فى النيابة والموضوع يبقى خلص ..

مينفعش يا ابنى لازم تشرب حاجة ..

كتر خيرك يا عم الحاج أنا لسه جاى وحتى مغيرتش هدومى ..

متشكر يا ابنى ربنا يخليك ..

العفو يا عم الحاج ..

وانصرفت عائدا لبيت أبى ..

عدت لأجد الوجوه مبتسمة رغم القلق الشديد على  شقيقى الذى كان حينها فى الصف الاول الاعدادى او قبله ..

وظل الجميع يحفظ لى ما فعلت رغم صغر سنى بمن فيهم أبى الذى أدرك بفطنته بعد أن ذهب عنه الغضب أن فعلتى هذه حفظت وشائج القربى داخل العائلة بأكثر مما حفظتها مع صاحب الكلب ..

ولم أنس أنه أدخل فى روعى حينها أن الكبر على أهل الكبر صدقة وأدركت بعد ان كبرت كيف يتم تأليف المقولات ثم نسبتها للدين لتحمل من المصداقية ما لا تستحقه ..

حدث فى بداية سبعينات القرن الماضى ..