- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
عبدالعزيزعاشور يكتب : التعليم في زمن فات
عبدالعزيزعاشور يكتب : التعليم في زمن فات
- 24 يونيو 2021, 1:33:15 ص
- 932
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مِنكَ يا هاجِرُ دائي
وَبِكَفَّيكَ دَوائي
يا مُنى روحي وَدُنيايَ
وَسُؤلي وَرَجائي
مطلع قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقى ..
كان لها شأن فى مقتبل الحياة وكادت يوما أن توقعنى فى مأزق لا فكاك منه ..
فى المرحلة الثانوية لم يكن لى شاغل يشغلنى سوى قراءة الشعر والأدب عربيا كان أم مترجما ..
حيث من الله علينا فى مدرسة شبين القناطر الثانوية بنين بمكتبة كبرى كانت تحفل بكل ألوان المعرفة بما فى ذلك ما تم نشره فى ستينات القرن الماضى من سلسلة الألف كتاب المترجمة ..
وكان من أثر ذلك مجلة حائط أسبوعية تحفل بمتنوعات من الشعر والأدب والأمثال كانت فى معظمها من قريحة هذا الفتى الغض ذو الستة عشر ربيعا بدءا من تخطيط المجلة ورسم شعارها واسمها وتأليف وكتابة ما تحويه من مواد ، قصة كانت أم شعرا ونثرا ..
ورغم أنه لم يكن يستهوينى ما يستهوى أقرانى حينها من متابعة فتيات المدرسة الثانوية خصوصا على رصيف محطة القطار الذى نمر به حال ذهابنا أو عودتنا لمدرستنا الا أن أقرانى لم ليغيب عنهم قدرتى على قرض الشعر ..
فكان أن يلح احدهم أن أكتب له قصيدة يغازل بها محبوبته على غرار ما فعله بعدها بسنوات أحمد الشاعر فى مشاهد مسرحية مدرسة المشاغبين ..
ومن ثم يصحبنى زميلى معه فى طريق الخروج ليرينى محبوبته لأتخيل ملامحها وأكتب له فى محاسنها قصيدة يخلب بها لبها ..
وتعددت الحالات حتى كان يوما استعجلنى فيها زميل لى أن أكتب له قصيدة فى محبوبته رجاء التى كانت تأتى لمدرستها من على بعد خمس محطات قطار من بلد تجاور مدينة الخانكة ..
وعبثا حاولت إقناعه أن كتابة القصيدة ليست أمرا يمكن لى استدعائه وقتما أشاء وأنه لا بد لى من الجلوس فى جو هادئ أشرب كوبا من الشاى مستدعيا شيطان الشعر كما يقولون ليفيض على بما تجود به قريحته ..
وعبثا كانت محاولاتى فقد كان متعجلا التواصل مع حبيبته ..
فكان ان كتبت له قصيدة على عجل اقتفاء لأثر قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقى والتى كانت بدايتها فى هذين البيتين اللذين تصدرا هذا المقال وكتبت له فيها :
منك يا رجاء دائى
وبكفيك دوائى
يا منى عقلى وقلبى
أنت فى الدنيا رجائى
إن شئت أنت سعادتى
وإن شئت أنت شقائى
وكانت قصيدة تزيد على العشرين بيتا
أخذ زميلى القصيدة وسارع بإرسالها بسذاجة الفلاحين فى خطاب الى محبوبته على عنوان مدرسة البنات الثانوية ..
تخيل بقى مدرسة بنات ..
فى الستينات وما أدراك ما الستينات ..
والمدرسة فى الريف وليست فى القاهرة ..
وكان لا بد من أن تقع الرسالة بما تحويه من شعر فى أيدى ناظرة مدرسة المحبوبة ..
وقامت الدنيا ولم تقعد وبلغ الأمر لناظر مدرستى وعلم الجميع أن القصيدة لى وكدت أن ألقى ما لا أحب خصوصا استدعاء ولى الأمر لولا أن الأساتذة الكرام أقنعوا الناظر أننى أكتب القصائد بالطلب وأحيانا لقاء أجر فكان أن نفدت بجلدى ولم يعلم أبى بفعلتى والا لحدث حينها ما لا تحمد عقباه ..
ومما لا يمكن نسيانه من أمر الشعر والأدب أنه فى العام ١٩٧٠ وفى امتحان اللغة العربية وبعد أن فرغت من إجابة أسئلة الامتحان تبقى لى ساعة كاملة لموضوع التعبير ..
أكتب الموضوع بقى وأسكت ؟
لا يمكن أبدا فقد أنهيت موضوع التعبير حينها بقصيدة من ٤٤ بيت كتبتها فى حينه والمراقب يتفرج ويقرأ ما أكتب ويتعجب كيف لتلميذ وسط رهبة الامتحان أن تجود عليه قريحته بمثل هكذا قصيدة من الشعر التقليدى عن موضوع التعبير وبهذا الطول ..
وقد كان من المشاهد التى تثلج صدر فتى فى عمرى فى مدرستى الثانوية أن أرى أساتذتى وهم يقفون أمام مجلة الحائط الأسبوعية يقرأون بشغف ما كتبته فيها ويختلفون كثيرا حول ما فيها وتشتد أحيانا نقاشاتهم حولها ..
فمنهم من كان يرى فى بعض القصص القصيرة أدبا مكشوفا ومنهم من كان يسعد بما يقرأ ويتمنى لتلميذه أن يستمر ..
ومنهم وهو أستاذ اللغة العربية من كان يتبنى كل ما أكتب بل ويراجعه معى يوما بيوم وكأننى فلذة كبده ..
ذاك زمن شكل منا الوجدان ونحت منا الشخصية التى ما أفلحت عوارض الزمان فى حرفها عما نشأت عليه ..
وكما يقولون :
الستينات وما أدراك ما الستينات ..
رحم الله كل من علمنا يوما حرفا ..
وكل من أضاف لوجداننا قيمة لم تزل فينا ..
وجزاهم بما قدموا خيرا