- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
عبدالعزيز عاشور : مجتمع لم يعد يقدر العامل والفلاح
عبدالعزيز عاشور : مجتمع لم يعد يقدر العامل والفلاح
- 2 مايو 2021, 3:32:30 م
- 951
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فى المجتمع الذى لم يعد يقدر العامل ولا الفلاح ..
عمرك شفت فلاح يقف ف المحكمة يترافع بالجلابية البلدي ؟
من عشرين سنة تقريبا لو كانت الذاكرة لسه بعافيتها ..
محكمة جنوب سيناء طستنى حكم بالحبس ٦ شهور غيابي فى قضية حجز ادارى حكومي ..
عملت معارضة واتحددت جلسة واستعنت بصديق من كبار أهل مهنة المحاماة لأننى لم أكن محاميا ..
قام الصديق برفع دعوى ببطلان الحجز الإداري وطلب وقف الفصل فى القضية الجنائية لحين الفصل فى دعوى البطلان ..
دعوى البطلان اتحكم فيها بالرفض ..
رجعنا للمحكمة الجنائية وحان يوم نظر القضية ..
طول عمرى من عشاق لبس الجلابية البلدي لدرجة ان وزارة الاعلام مرة طلبوني لإلقاء محاضرة فى دورة لقيادات الحكم المحلى ف روحت لهم بالبلدي وألقيت المحاضرة وكان يوم موفق ..
المهم روحت المحكمة ..
الحاجب نادى ع القضية .. تقدمت امام القاضي وسلمت بطاقتي الشخصية ..
مفيش محامى معاك يا حاج ؟
لا يا افندم انا حاترافع عن نفسى ..
اتفضل ..
بدأت أشرح امام المحكمة ازاى قانون الحجز الإداري تم اصداره فى ١٩٥٥ والأعمال التحضيرية بتاعته بتقول ايه ..
وبينت للمحكمة ازاى مواد القانون لا تنطبق على الحالة محل القضية ..
استمرت المرافعة لمدة ٢٠ دقيقة والقاضي مبحلق ف وشى والدهشة على ملامحه ..
مش متخيل ان الفلاح ابو دقن اللى واقف قدامه بيلقى محاضرة فى القانون وبمفردات لغوية قانونية ..
أنهيت المرافعة بطلب البراءة
رد القاضي وقال اخر الجلسة ..
مع انى عارف ان ده اللى حيحصل لكن انا رفضت وطلبت الحكم فى المواجهة ..
القاضي مندهش ومتردد يتعامل مع الفلاح الفصيح ده ازاى ؟
مينفعش يا حاج .. اخر الجلسة ..
قلت سعادتك مصر ؟
يبقى انا آسف مضطر اطلب من سعادتك التنحي عن نظر القضية واحالتها لدائرة اخرى رفعا للحرج..
القاضي باستغراب شديد : حرج ايه يا حاج ؟
انا : الهيئة الموقرة سبق لها الفصل فى الدعوى المدنية المرتبطة بذات الموضوع واخشى ان تكون هناك عقيدة قد تكونت لديكم بإدانتى ..
القاضي زاعقا : نص ساعة بتترافع ومعطل المحكمة ودلوقتى تقول لي استشعار حرج ؟
ما قلتش كده م الاول ليه ؟
انا : كنت عشمان ان مرافعتي تقنع المحكمة بس اللى انا شايفه عكس كده ومضطر أحمى مصلحتي ..
القاضي مشكورا فعلا استشعر الحرج وتنحى عن القضية وأحالها لدائرة اخرى فى جلسة بعد ايام ..
بالمصادفة قبل الجلسة بيوم واحد قاعد مع صديقى المستشار رئيس النيابة ..
سألته تعرف المستشار فلان ( رئيس الدائرة المحال اليها الموضوع ) ؟
قال ده صديقى ومعزوم عندي ع العشا الليلة ..
طيب ممكن توصية بسيطة ..
بكره عندي جلسة أمام دايرته ..
قال لى بس كده بسيطة واعتبر الموضوع منتهى ..
قلت له لا .. احترامي لنفسي ولصداقتنا ما يسمحش انى اطلب توصية كده ..
انت عارف ان جلسات الجنح مفيش سماح بمرافعات طويلة عشان كده كل اللى عايزك توصى عليه انك تقول له بكره جاي لك راجل ملتحى لابس جلابية بلدى فى جلسة معارضة .. اسمعه كويس وبعدها لو عايز تولع فيه بجاز انت حر .. المهم تسيبه يتكلم وتسمعه ..
تانى يوم روحت الجلسة ..
لابس الجلابية الكشمير والقفطان الحرير وآخر أبهة زى ما بيقولوا ..
قاعة الجلسة كبيرة ومزدحمة ع الاخر ..
وتشوف فيها محامين فطاحل من كل انحاء مصر ..
جنوب سيناء بقى ..
وقفت امام القاضي .. بص ف الورق وقال لى :
انت عليك مبلغ كذا لمجلس المدينة .. حاديك أجل شهر تروح تدفع وتجيب لى مخالصة وتنتهى القضية ..
انا : لا يا سعادة الريس ..
انا مش دافع فلوس زور لأى حد وأربأ بالمحكمة انها تدفعني لذلك ..
سعادتك اسمعني ولو عايز بعدها تولع فيا براحتك ..
الظاهر الراجل افتكر لحظتها وقال لى اتفضل ..
المرافعة اللى فاتت عملتها من جديد لكن بمزيد من الإجادة والتفصيل ..
برده القاضي مبحلق ومستغرب وينصت والدهشة تسيطر على محياه ..
والقاعة زى ما بيقولوا ترمى الإبرة ترن ..
وأنا صوتي كل شوية يعلى ودراعاتي تطلع وتنزل والكم الشارلستون بتاع الجلابية البلدي عمال يتطوح ف الهواء وكأنك بتتفرج على مرافعة فى جناية قتل فى فيلم عربي ..
بعد حوالى تلت ساعة استوقفني القاضي وقطع صمت القاعة وتوجه بالنظر لكل من فى القاعة قائلا :
حضرات الاساتذة المحامين اللى موجودين بالقاعة حد من حضراتكم يقدر يقدم المرافعة دي ؟
أنا وشى راح ميت لون احمر واخضر وبنفسجي ..
وقلت له ليه كده يا سعادة الريس ؟
سعادتك بتحرجني ( فى الوقت ده كل المحامين دول يعرفوني عشان بينزلوا عندي فى الفندق ) ..
القاضي : احراج ايه يا حاج ؟ كمل مرافعتك ..
أكملت المرافعة وطلبت البراءة والقاضي قال اخر الجلسة رجعت للخلف وانتظرت ..
خلصت الجلسة وخرجت صليت الظهر بعد ما استأذنت من الحرس وبعدين رجعت ..
بعد ساعة اتفتح باب غرفة المداولة وخرج أمين السر الاستاذ عبدالمحسن ونادى على قائلا اتفضل يا حاج الريس عايزك ..
قلت يمكن حيسألنى عن بعض التفاصيل واللا حاجة ..
دخلت ع القاضي لقيته خلص شغله والمكتب قدامه فاضي وهو راجع بالكرسى للخلف ..
ايوه يا افندم ..
قال لي : قل لي يا حاج ..
صحيح انت معاك ليسانس حقوق وبكالوريوس تجارة ؟
( واضح ان الاستاذ عبدالمحسن فتن عليا ) والجلابية البلدي تأثيرها ضاع ..
قلت له ايوه فعلا ..
القاضي : ما بتشتغلش محامى ليه ؟
انا : بصراحة مهنة ما بتعجبنيش ..
القاضى : بتعجب واستنكار ..ما بتعجبكش ؟
أمال لو كانت بتعجبك كنت عملت ايه ؟
يا أستاذ انا هنا رئيس محكمة من سنتين وباشوف محامين من كل أنحاء مصر فى القاعة دي .. دي اول مرة أسمع مرافعة بجد زى ما الكتاب بيقول ..
انت لو عملت المجهود ده فى أى قضية حتكسبها واللي زيك لازم يشتغل محامى ..
على فكرة انا اديتك براءة ..
شكرا سعادة الريس ..
وكانت تلك هى أول قضية جنائية اترافع فيها واكسبها وكنت أنا المتهم والمحامي فى آن واحد ...
وكان هذا القاضي الجليل ومن توالى بعده من القضاة الأجلاء على منصة هذه المحكمة من أهم أسباب اشتغالي بالمحاماة بعدها بسنوات ..
خصوصا وأن عشرات القضايا تم اتهامي فيها خلال ربما عام واحد لأسباب تتعلق بالسيد المحافظ وترافعت فيها جميعها ..
ولذلك حكاية او حكايات أخرى ..
تحياتي لأطراف الواقعة والذين لم أذكر منهم الا من أمكن لي ذكر اسمه وهو الاستاذ عبدالمحسن ..