عبدالرحمن كمال يكتب: من "الجولاني" إلى "الشرع".. كيف نقرأ التحولات في سوريا؟

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 29 ديسمبر 2024, 2:37:06 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ إعلان “أبو محمد الجولاني” (الذي أصبح لاحقا أحمد الشرع، أو بالأحرى عاد إلى اسمه الحقيقي)، زعيم "هيئة تحرير الشام"، عن عملية "ردع العدوان" التي سبقت الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، شهدنا أداءً سياسيًا وإعلاميًا متمايزًا يعكس تحولاً جذريًا عن الأسلوب التقليدي للتيارات الإسلامية الجهادية. الخطوات المدروسة والرسائل الموجهة بعناية تدل على رؤية سياسية مختلفة عما اعتدنا عليه من التنظيمات الإسلامية، خاصة تلك المتشددة.

أداء سياسي بعيد عن الصدامية التقليدية

على عكس النهج الصدامي الذي يطبع تحركات الإسلاميين الجهاديين، يظهر الجولاني براغماتية مدهشة. إعلانه عن حل "هيئة تحرير الشام"، التي تعد أحد مكونات مشروعه الأساسي، يعكس وعيًا سياسيًا غير معتاد (عند الإسلاميين) بضرورة تقديم تنازلات استراتيجية لتوسيع قاعدة الدعم.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فقد اختار الجولاني (أو الشرع) نهجًا معتدلاً في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية. لم يظهر عداءً صريحًا تجاه السعودية رغم مواقفها المتباينة مع الثورة السورية (ما بين دعم صريح للثورة قبل عقد من الزمان، واحتضان للأسد قبل عام من الآن)، 

كما حافظ على خطاب متوازن مع روسيا وهادئ مع إيران (وإن كان به بعض الحزم مع طهران)، رغم التوترات الأيديولوجية والسياسية العميقة.

وفي تصريحاته الأخيرة (لاسيما الحوار الذي أعلنت عنه قناة العربية السعودية اليوم الأحد 29 ديسمبر 2024)، يظهر "توددًا" للإدارة الأمريكية، لا سيما في عهد الرئيس المنتظر دونالد ترامب، من خلال رسائل مدروسة تهدف إلى رفع العقوبات وتحسين العلاقات.

رسائل مدروسة وتحالفات جديدة

اختيار الجولاني قناة سعودية كمنصة لأول ظهور إعلامي له على قناة عربية، رغم أن الخيار "المنطقي" قد يكون قناة الجزيرة القطرية، لم يكن قرارًا عشوائيًا. فالسعودية، التي اتخذت موقفًا متراجعًا تجاه الثورة السورية واحتضنت جهود إعادة تأهيل بشار الأسد، تحتاج إلى رسائل تطمين لدفعها نحو دعم أي نظام جديد قد ينبثق عن الثورة.

بهذا التحرك، يسعى الجولاني إلى بناء شبكة دعم إقليمية قوية تضم السعودية وقطر وتركيا، مع احتمالية انضمام مصر حتى لو كانت تقف ضد الإطاحة ببشار الأسد وترفض الاعتراف بـ"الثورة" (وهو انضمام سيحدث إما حتى لا تقف منفردة ضد سوريا الجديدة لاسيما بعد اتضاح الموقف الخليجي، أو بحكم التقارب الأخير مع تركيا التي قيل إنها أرسلت رسائل تطمين إلى القاهرة). 

هذا التحالف يضيف وزناً كبيرًا لأي مشروع سياسي جديد في سوريا، ما يمنح الجولاني نفوذاً إقليمياً لا يمكن تجاهله.

رؤية سياسية مدروسة أم مشروع خطير؟

هذه التحولات تشير إلى أننا أمام مشروع يتسم بالدهاء السياسي والبُعد الاستراتيجي، وهو أمر نادر الحدوث بين الإسلاميين، خاصة الجهاديين الذين اعتادوا على التصرف بشكل صدامي ومباشر، خصوصًا عند الشعور بالتمكين.

رغم ذلك، يبقى المشروع محفوفًا بالمخاطر. التودد لإدارة ترامب قد يبدو منطقياً، خاصة أن قوى إقليمية مثل إيران نفسها لجأت إلى هذا النهج، لكن الرهان على ترامب كحليف أمر محفوف بالمخاطر نظرًا لعدم استقرار سياساته وقراراته.

الجولاني يقدم نموذجًا جديدًا في العمل السياسي للجماعات الإسلامية، نموذجًا يعكس تحولاً من الصدامية إلى البراغماتية. لكن السؤال الكبير هو: هل هذا التغيير يعبر عن رؤية سياسية واعية لتحقيق الاستقرار، أم أنه جزء من مشروع أكثر خطورة يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق رؤية لا تزال غامضة؟

ما هو مؤكد أن الجولاني ليس مجرد زعيم جماعة جهادية تقليدية، بل شخصية سياسية تسعى لاستغلال المتغيرات الإقليمية والدولية لصالح مشروع يبدو أنه يفهم جيدًا ما يريد، وكيف يصل إليه.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)