- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
عادل أبو هاشم يكتب: المقاوم المثقف.. والمثقف المشتبك
في ذكرى باسل الأعرج شهيد «التنسيق الأمني المقدس»..!!
عادل أبو هاشم يكتب: المقاوم المثقف.. والمثقف المشتبك
- 5 مارس 2023, 12:00:45 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بالقذائف الصاروخية من طائرات الأباتشي ونيران اسلحتها الرشاشة وقذائف المدفعية استطاع العدو الاسرائيلي قتل المجاهد البطل باسل محمود الأعرج وسط مدينة البيرة في رام الله يوم الاثنين 6 / 3 / 2017م، واختطاف جثمانه الطاهر بعد أن قاتل نحو ساعتين، وبعد أن نفذت ذخيرته. (عند احضار جثمان الشهيد باسل لوالدته لتوديعه، صاح عمه لوالدته: «21 رصاصة كلهن بوجهه، ولا رصاصة بظهره.. اوعي تبكي..!!».
فردت أم الشهيد مبتسمة: «سبع يما..!!».
إستشهد باسل الأعرج الذي قال لرفاقه:
«حينما أموت فتشوا جسدي قبل ان ترفعوني على الأكتاف، فان كانت الرصاصات قد جائتني من الخلف.. اتركوني أرضًا واذهبوا، وإن كانت الرصاصات قد نخرت جسمي من الأمام فارفعوني عاليًا»..!!
وعند استلام جثمانه الطاهر رفعه رفاقه عاليًا.. عاليًا.. عاليًا.
استشهد باسل الأعرج القائل:
«إذا بدك تصير مثقف.. لازم تصير مثقف مشتبك، وإذا بدكاش تشتبك.. مافي فايدة منك ولا من ثقافتك»..!!
لم يكن إستشهاد باسل الأعرج سوى الفصل الأخير من قصته، فقد اعتقلت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية باسل وعدد من رفاقه في شهر نيسان عام 2016م، بتهمة المشاركة في تأسيس «الحراك الشبابي الشعبي»، وقد عُذب في سجون السلطة، وبعد خوضه ورفاقه اضرابًا عن الطعام تم اطلاق سراحهم في شهر ايلول من نفس العام، حيث عاد الاحتلال اعتقال بقية الشباب، بينما استمرت في مطاردة باسل ستة اشهر الى يوم استشهاده.
شهيدنا باسل محمود الأعرج…
ليس من السهل أن يكتب المرء عن باسل الأعرج «أبا محمود»، فالرجل ليس شهيدًا وحسب، إنه المثقف والأديب والمجاهد، وهو فوق ذلك يتدفق شفافية ويفيض أحاسيس، وهو مثال حي للمقاوم المثقف، والمثقف المقاوم.
وباستشهاده جسد كلمات الشهيد القائد فتحي الشقاقي المؤسس والأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي حين سئل عن تعريفه للمقاومة فقال - رحمه الله - :
«المثقف اول من يقاوم.. واخر من ينكسر..!».
كل كتابة عن باسل الأعرج ستكون ناقصة، لأن قضيته لم تكتمل بعد. ذلك أن باسل لم يكن في حياته وفي التزامه مجرد شخص إختار طريق الجهاد والنضال والمقاومة، بل كان إلى جانب ذلك نموذجًا بارزًا لجيل فلسطيني كامل هو جيل انتفاضة الأقصى، انتفاضة الحرية والاستقلال، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل، ومن خلال تعبيره عنه بالبندقية المقاتلة والكلمة الحرة الأبية، اكتسب قيمته كمناضل وكمعلم وكرمز لهذا الجيل.
أن يستشهد باسل الأعرج فهذا أمر طبيعي، فلقد استشهد في كل لحظة من لحظات حياته القصيرة زمنيًا، الطويلة جهادًا ونضالاً، فسيرة نضاله من أجل وطنه وشعبه وقضيته العادلة، كان الاستشهاد نهايتها الطبيعية، وسيرة نضاله هي في الواقع حياته العملية كلها.
فقد طلب «أبا محمود» الاستشهاد لنفسه، وعمل له، وسعى إليه، لأنه آمن به.
آمن بأن العمل لفلسطين لا حدود له، وأن فجر النصر آت لا محالة رغم الظلام الحالك الذي يلف الأمة، وأن الدم والمشاركة في الجهاد ضد المحتل لا تكون من بعيد، وأن هناك طريقًا آخر غير طريق الخنوع والاستسلام، أو القبول بالفتات أو انتظار ما يسمح به العدو الإسرائيلي بالتنازل عنه ألا وهو طريق الجهاد والاستشهاد.
لقد آمن باسل الأعرج أن الكتابة الثورية (وهي هوايته وقناعته ومعاناته في آن واحد) لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط، ولا المهادنة، ولا التأجيل، ولا الاستراحة، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة، ولا الدبلوماسية، ولا التلفيق، ولا الاصطناع.
كان باسل صورة من صور الحياة النابضة بالمقاومة والوطنية والطموح الخلاق، يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته، ويتقن فن الجهاد والمقاومة ويحفظ دروسها عن ظهر قلب، ويلقنها لأبناء شعبه.
عاش باسل الأعرج حياة قصيرة، ولكنها عريضة، ولم يكن ابنًا بارًا لأهله وعائلته وشعبه ووطنه بالمفهوم الأخلاقي للكلمة فحسب، ولكنه كان ابنًا بارًا لشعبه ووطنه بالمفهوم الإبداعي للكلمة أيضًا.
لقد علمنا «أبا محمود» دروسًا كثيرة في الانسجام والصدق والاحترام من أجل قضيتنا العادلة، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينيًا، فهو القائل: «اياك ولو مرة واحد ان تنسى وجود الاحتلال، او ترى حياتك طبيعية في ظل وجوده، وان حدث ذلك فانت تزحف للخيانة..!!».
لقد استشهد باسل الأعرج وتركنا فجأة، ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق أن يستشهد «أبا محمود»، فالذي يعيش حياته كلها مناضلاً تكون الشهادة نصب عينيه دائمًا، وحين تأتي، تأتي كجزء من العمل، تأتي كرمز لهذا العمل، تمامًا مثل الرمز الذي حمله معه في كل لحظة من لحظات الانتفاضة، كل ما فعله باسل أنه أكمل الرمز حتى النهاية.
ملاحظة:
في ظل الحديث عن الانتخابات الفلسطينية عام 2021م عرضت »حركة فتح» على والدة الشهيد باسل الأعرج دعمها بالانتخابات فكان ردهها الواضح والصريح: «إننا لم ننسى ما فعلته السلطة بنا، وما قدمته من هدية لنا عندما سلمتم ولدي للاسرائيليين، ولن نمنحكم صوتنا، ولا يمكن أن نغفر لكم ونسامحكم يوم حاكمتم باسل ورفاقه، ويوم كنتم سببًا في الكشف عنه وتعريضه لجنود الاحتلال، ثم تصفيته بفضل مخابراتكم وتنسيقكم الأمني».. !!
شهيدنا باسل:
سلامٌ عليك ايها المستقيم في الزمن الأعرج!
سلامٌ عليك يوم ولدت.. ويوم استشهدت…
سلامٌ عليك.