- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
عصمت سيف الدولة الحاضر دوما بأفكاره ومبادئه
عصمت سيف الدولة الحاضر دوما بأفكاره ومبادئه
- 30 مارس 2021, 12:34:09 م
- 1299
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شغل البشر منذ أدرك وعيهم بحقائق الكون من حولهم بقضية الخلق والتطور وامتلأت أسفار الدراسات الفلسفية بالرد على تلك الأسئلة، واكتشاف قوانين التطور والتغير واختبارها عبر مئات السنين، غير أن أهم لحظة فارقة في تاريخ مناهج التطور كانت عندما أعلن ماركس أنه قام بإصلاح الخلل الجسيم الذي وقع فيه هيجل، وأرسى مذهبه المادي بعدما ادعى أن هيجل أخطأ بتصوره أن الروح هى التي تقوم بالجدل وأن هذه نظرة مثالية.
ومن هذه اللحظة أصبح علينا الانحياز إلى إحدى مدرستي الجدل الكبريين في تاريخ الفلسفة ،المادية أو المثالية ، أولاهما تبنتها قطاعات واسعة في العالم وأسست دولة كبرى على قاعدة الاشتراكية العلمية، والأخرى سبقتها بقرون في تأسيس العالم الرأسمالي على قاعدة الاقتصاد الحر، واحتدم الصراع بين المدرستين طويلاً، وربما أصداءه مازالت ترن في الأسماع حتى الآن .
رفض عصمت سيف الدولة هذا الاختيار، وبحث في القوانين المنهجية والعلاقات الجدلية بينها، واكتشف أن هناك عنصراً أساسيا غائباً عن هذه القوانين، ومستبعداً من المدرستين، على الرغم أنه هو قائد التطور الحقيقي للبشرية، وهو الإنسان وليس الروح التي عبر عنها هيجل مرة في العلياء (الله) ومرة على الأرض (الدولة)، وليس المادة التى رآها ماركس في أدوات الإنتاج وأكد أن التناقض بين التطور فيها وبين القصور في علاقات الإنتاج ينتج عنه صراعاً طبقياً هو مصدر التطور.
ولم يكتف سيف الدولة بذلك بل استكمل بحثه ليؤسس لمدرسة جدل الإنسان والجدل الاجتماعي، فيرفض الانتماء لفكرة الفرد في المناهج الليبرالية ويرفض الانتماء لفكرة الطبقة فيما سمى بالمادية الجدلية، واعتبر أن الانتماء هو للأمة، لأن التطور يعني حل مشكلات جماعة بشرية مميزه بعينها في مرحلة تاريخية، وفي حالتنا نحن فإن انتماءنا لقوميتنا العربية هو الانتماء الصحيح، وبتطبيق (جدل الإنسان) على واقع الأمة العربية في الستينيات من القرن الماضي حدد المشكلات الرئيسية في التجزئة والاستبداد والاستعمار، وتوصل إلى استحالة أن تتطور الأمة العربية وهى تعاني من ذلك المثلث الجهنمي الذي يعمل على تزييف وعي الأمة بحقيقة وجودها ووحدتها من ناحية؛ ومن ناحية أخرى يقيم كيانات إقليمية مصطنعة تحكمها بعض العائلات أو العملاء لتكون حائط صد في مواجهة إرادة الأمة المغيبة بفعل أدوات قمع تلك الحكومات.
جاء الإبداع الفلسفي لسيف الدولة معاصراً لازدهار الدولة الناصرية ومواكباً لانتصار فكرة الانتماء العروبي وللوحدة العربية التي كان يدعو لها جمال عبدالناصر، غير أن التناقض مابين الدولة والثورة بدا واضحاً في الصدام من اجهزة الدولة الناصرية وأفكار سيف الدولة ، رغم أن التناقض لم يكن حقيقياً وحاول البعض تصويره على أن سيف الدولة يحاول تسويق أفكار ضد المبادئ الناصرية، وأنه يدعو إلى عمل تنظيم سياسي عابر للحدود الإقليمية باسم (التنظيم القومي) في مواجهة مع دعوة عبدالناصر للجماهير العربية لتأسيس (الحركة العربية الواحدة).
في وقتٍ متأخر للغاية أدرك (التنظيم الطليعي) للاتحاد الاشتراكي العربي أن ما فعله سيف الدولة كان تأطيراً نظرياً وفكريا وفلسفياً محكماً للتوجهات الناصرية القومية، وهو ما ظهر جلياً فيما بعد في سفره الجليل (نظرية الثورة العربية) حتى انه أكد أن من لو يؤمن بهذه النظرية ليس ناصرياً من الأساس
في أواخر حياته أمض سيف الدولة ذلك الصراع اللا مجدي بين القومية والإسلام فكرس جهده واخرج لنا كتابه (عن العروبة والإسلام)، ووصل فيه إلى نتيجة موضوعية تدحض التناقض ويرى أن العروبة لا تلزمه بغير ما يلزمه الإسلام، وأن (جدل الإنسان) مكنه من صياغة مذهبه الإسلامي في القومية ومذهبه القومي في الإسلام.
لا يمكن اختزال عصمت سيف الدولة في مقال، لكنها ذكرى رحيله في الثلاثين من مارس كلما عادت إلينا نكأت جراح فقد واحداً من رواد الفكر القومي ملأ الدنيا بأفكاره ونظرياته ووجهات نظره ومواقفه ودفع ثمناُ ليس قليلاً من حريته ومع ذلك لم يلن وحطم أسطورة الفيلسوف في برجه العاجي، التحم مع أمته في قضاياها ولم ينعزل، وشارك بإيجابية مكرساً صورة المناضل المفكر والمثقف الملتزم وقدم لأمته نظرية في التغيير الثوري لو التزمت بها لأخرجتها من رقدتها وأعادتها إلى مجدها القديم.