- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
صحفي إسرائيلي: «غوش قطيف» التي لم تكن.. لن تكون
صحفي إسرائيلي: «غوش قطيف» التي لم تكن.. لن تكون
- 31 يناير 2024, 2:48:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بقلم: نير حسون
في 2/2/2004، قبل عشرين سنة بالضبط، قام رئيس الحكومة في حينه اريئيل شارون باستدعاء مراسل «هآرتس» يوئيل ماركوس الى وجبة فطور في مزرعته «حفات هشكميم». هناك عرض شارون عليه تفاصيل خطة الانفصال عن غزة.
وخلال بضعة أيام بدأ المستوطنون في غزة نضالاً عنيداً ضد هذه الخطة. هذا النضال تمت ادارته في مبنى مجلس شاطئ غزة، الذي يوجد في مستوطنة نفيه دكاليم. على الحائط هناك كانت معلقة صور جوية كبيرة للقطاع، قبل وبعد الاستيطان اليهودي. الصورة الاولى كانت لكثبان رمال فارغة تبدو قفراء، والصورة الثانية كانت لمساحات خضراء، دفيئات وحدائق قرميد.
هذه الصور خدمت بشكل جيد رواية سكان المستوطنات في غزة ورؤساءهم، الذين اعتبروا انفسهم طلائعيين اقاموا منطقة مزدهرة في البلاد. هذه ايضا هي الروح التي سادت في لقاء النشوة الذي تم عقده في يوم الاحد الماضي في القدس تحت شعار «اعادة الاستيطان في قطاع غزة».
مرة تلو الاخرى كرر المتحدثون مقولة أن غوش قطيف كانت منطقة في طور الازدهار، الى أن تمت تصفيتها في عملية الانفصال. لكن نظرة قريبة للصورة الجوية تكشف حقيقة مختلفة عن غوش قطيف.
معظم الخضرة التي ظهرت في الصورة الجوية لم تكن مسطحات خضراء، مزروعات أو اشجار تم غرسها، بل نمو كثيف لشجرة اسمها «اكاسيا» (شجرة السنط المزرق)، وهي معروفة كنوع من الانواع الغازية والضارة جدا في البلاد. هذه الشجرة تم جلبها الى البلاد من قبل البريطانيين الذين ارادوا استخدامها من اجل تثبيت الرمال المتحركة، وقد خرجت عن السيطرة وانتشرت على مساحات واسعة، بالاساس على طول الشاطئ. هذه الشجرة تنتشر بشكل خاص في الاراضي الخصبة حيث يوجد هناك مس بطبقة الارض العليا بسبب شق الشوارع أو البناء.
في غوش قطيف وُجدت هذه الشجرة في كل زاوية. الخُضرة التي في الصورة الجوية لم تكن ازدهاراً بل كارثة بيئية. ونظرة أخرى إلى الصورة تكشف حفراً ضخمة في بضعة أماكن في غوش قطيف، نتيجة للمقالع الرملية الضخمة التي أقامها المستوطنون. الرمال هي مورد يتناقص باستمرار، ويتم بيعه لفرع البناء في إسرائيل، خلافاً للقانون الدولي الذي يحظر اخراج مقالع الرمال من الاراضي المحتلة، الأمر الذي أثرى صناديق المستوطنات في القطاع.
الدفيئات التي ظهرت في الصورة كانت على الأغلب لمزروعات تستخدم قوة بشرية كبيرة، بالأساس المزروعات الورقية والتوابل. المزارعون في إسرائيل وفي الضفة الغربية أيضا كان يصعب عليهم منافسة القوة البشرية الرخيصة التي كانت تتدفق كل صباح من خان يونس إلى مستوطنات غوش قطيف لتعزيز هذه المزروعات. أسطح القرميد، من نافل القول، كانت غريبة على المشهد وعلى المناخ في غزة.
غوش قطيف لم تكن في أي يوم جزءا مزدهرا من البلاد، بل كانت تجمعاً لمستوطنات صغيرة جدا، 8 آلاف نسمة في 21 مستوطنة، بعضها هي فعليا شبه متروكة. كان يمكن الشعور بذلك عندما أحياناً كانت الرمال تغطي جزءاً من شوارعها. تقريباً الجميع هناك اعتمدوا على قوة العمل الفلسطينية الرخيصة وعلى استخراج الرمال والعمل في الخدمات العامة.
المستوطنات كانت تنتشر فوق مساحة كبيرة، ربع مساحة القطاع، التي كان يعيش فيها تقريبا 0.5 في المئة من السكان. يجب القول إن غوش قطيف أقيمت في المنطقة الاكثر جمالاً في قطاع غزة، شاطئ البحر البري، كثبان الرمال والزراعة التقليدية لقبائل المواصي.
ولكن هذا الجمال وعدد السكان القليل نسبيا، كانت محاطة بمنظومة لا تصدق من الحماية العسكرية التي شوهت كل زاوية في هذه الكتلة، جدران من كل الأنواع، أبراج مراقبة، مواقع، دوريات وعدد كبير من الجنود، عملت على تأمين البلدات قليلة السكان والتي يتم انعاشها بالميزانيات الحكومية.
مساحات شاسعة حول الشوارع والمستوطنات تم تنظيفها من غطاء النبابات والبيوت وأكوام الركام التي كانت تنتشر حولها. وللمفارقة جاءت مستوطنة نتساريم، التي كانت توجد على مدخل مدينة غزة.
أي خروج أو دخول الى هذه المستوطنة كان يتم من خلال سيارة عسكرية مصفحة، وليس في حافلة محصنة بل ناقلة جنود محصنة، بمرافقة قوة كبيرة من الجنود.
يجب قول الحقيقة: مستوطنات غوش قطيف لم يكن لها في أي يوم حق في الوجود، بدون أي صلة بقرار اريئيل شارون. هذا صحيح، بدون أي صلة برؤية سياسية.
غوش قطيف، حتى أكثر من مستوطنات الضفة الغربية، لم يكن لها أي حق في الوجود لأسباب اقتصادية واجتماعية وبيئية وتخطيطية. الأمر كان يتعلق بتشويه سياسي أدى الى تشويه استيطاني وجغرافي، الذي نغص حياة آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون حوله، ونغص على الجنود الذين قاموا بحراسته، ونغص حتى على سكانه أنفسهم، حتى لو لم يعترفوا بذلك، حيث أن الهدف من اقامته لم يكن استيطان جزء من البلاد أو تقديم حل للسكن، بل من أجل وضع إصبع في العين واستعراض فارغ للسيادة.
في هذه الأيام، التي يصعب تحملها، تشجع حقيقة أنه رغم المؤتمر الجماهيري الحاشد والانفعالي والكهاني فإن غوش قطيف لن تتم إعادة إقامتها في أي يوم.
عن «هآرتس»