- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
صبري صيدم يكتب: ومضات: لقد أخطأت!
صبري صيدم يكتب: ومضات: لقد أخطأت!
- 5 يوليو 2023, 6:27:02 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في تصريح مبتذل قدم رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك سويعات قبل صياغة هذه الكلمات، جزيل الثناء والحبور لآلة الحرب الصهيونية، التي أعادت من خلال مخيم جنين في اليومين الماضيين، إحياء النكبة الفلسطينية، ليس فقط باستهداف البشر، وإنما هذه المرة أضافت عليه الحجر والشجر في آن واحد. معركة البشر والشجر والحجر إنما جاءت ممهورة بروح الانتقام والغيظ والحقد على كل ما هو فلسطيني، فلحقت اللاجئ في مخيمه لعقابه وطرده وقتله وسحقه، ولتجد من نزيل 10 داوننغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية) الدعم والتأييد. الدعم والتأييد ممن عاش أجداده ويلات الاستعمار فاختار عوضاً عن سلوك طريق الشفاعة والاعتذار من الشعب الفلسطيني عن وعد بلفور، أن يربت على كتف رئيس حكومة الاحتلال، ليطلق الأخير العنان لآلياته وجرافاته وصنوف سلاحه.
ريشي سوناك حاكم بريطانيا الضليع في عالم المال، ضعيف في عالم التاريخ، ويحتاج حتماً لقراءته من جديد، بما فيه تاريخ بلاده الأم ليقرأ فيه عن ثورة الملح ومفاعيل المهاتما غاندي، وكل الذين خاضوا معارك التحرر والخلاص. سوناك المنشغل بدعم إسرائيل ولوبياتها المؤثرة، يحتاج حتماً لتغيير «ميكانيزمات» التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو بذلك مطالب بسلوك مستحدث قائم على إقناع من يخشاهم من الصهاينة، أن بقاء إسرائيل وأمنها وحياتها وازدهارها لن يقوم على القمع والقتل والمصادرة والاستيطان والتهجير والسلب، وإنما على أرضية إحقاق حقوق الجيران، وأبناء العمومة الفلسطينيين، وإعلاء دور الحق ومقومات العدالة والحرية والاستقلال.
الضغط على الكل الفلسطيني لن يولد إلا الضغط، عملاً بقوانين الفيزياء والكيمياء والتاريخ، لذلك نقول لسوناك إن جنين لا بد أن تعينك على تغيير نظاراتك السياسية السوداء
أصدقاء إسرائيل ومنهم لفيف من المنافقين المبتذلين لا بد من أن يبدلوا تعاملهم، فمن أراد لخليله الحياة، عليه أن يحضه على العدل وإنفاذ القرارات والشرائع الدولية، لا تحفيزه على التمادي في الترويع والقتل والتهجير. صديقك من صدقك، ومن يريد أن يصدق إسرائيل فعليه أن يقول لها إن منطق القوة أعتى وأعلى من قوة المنطق، وإن الشعوب إذا ما هبت فستنتصر، وإن القيد لا بد من أن ينكسر، وإن الليل لا يعقبه إلا الفجر.. لذلك فإن دعم الاحتلال وعبر سبيل مختلف عن ذي قبل، إنما يتأتى من خلال حضه على رد الحقوق، لا الاعتداد بالذات والعضلات والجبروت والقوة على حساب السكان الأصليين وحقوقهم، وارتباطهم الروحاني والعقائدي والديني والوجداني بأرضهم فلسطين. سوناك أخطأ، وخيب آمالنا جميعاً بموقفه المخجل، فرسب في معركة الإبداع السياسي والابتكار الفكري لخلق آليات جديدة لحل الصراع على أرضية العدالة ورد الحقوق والعيش بسلام، سلام يقتله سوناك بتأييد الظلم والتوكيد المتجدد على أن بلفور ووعده المأزوم ما زالا على قيد الحياة. لقد أخطأ سوناك عندما خيّب الآمال القائمة على ضرورة قيادته لوساطة تاريخية صادقة يعتذر فيها عن وعد بلفور ونكباته ونكساته ومذابحه، ويعقلن فيها دولة الاحتلال بحضها على وضع حد لأكبر مهزلة في التاريخ السياسي المعاصر، التي تحمل عنوان: الاحتلال الإسرائيلي. إن الضغط على الكل الفلسطيني لن يولد إلا الضغط، عملاً بقوانين الفيزياء والكيمياء والطبيعة والتاريخ. لذلك لا بد من أن نعود لنقول لسوناك بأن جنين لا بد وأن تعينك على تغيير نظاراتك السياسية السوداء، وتخرجك من نمطية المواقف الممجوجة والتقليدية المتكررة، والتي تحفزك على تكرار أخطاء أسلافك ممن تربعوا على عرش رئاسة حكومة بريطانيا وغادروه وهم يعيدون تكرار الأخطاء ذاتها. لقد أخطأت يا سوناك، وأعدت إحياء ذكرى بلفور وذاكرة أليمة أوجعت كل فلسطيني. لذا لا بد من نفس عميق تأخذه ومن معك الآن وتعيد رسم خريطة طريق جديدة تقود فيها بريطانيا موقفاً قائماً على شعار مفاده: عش ودع غيرك يعيش، لتصارح منظومة الاحتلال بأن الظلم ظلمات ودوام الحال من المحال، وأن رد الحقوق هو جزء من صيانة معادلة جديدة للبقاء. يقول المثل البريطاني: لا تستطيع أن تمتلك الكعكة وتأكلها كلها. وعليه لا بد من أن تعي إسرائيل أن مقومات صداقتك لها يجب أن تقوم على ثنيها عن الإمعان والتمادي في الخطأ، والإصرار عليه، والدفاع عنه.
لقد أثبت التاريخ أن العضلات ليست فاعلاً دائماً وأن قوة الشعوب مفعول فيها مع تبدل الظروف وتغير الأحوال، لذلك لا بد وأن نرى داوننغ ستريت ينسج خريطة سياسية جديدة يدرأ فيها عثرات الزمان تمهيداً ليوم تبدل فيه الطبيعة حجم العضلات وفيتامينات القدرات. فهل يفعلها سوناك بأن يعمل لأصحابه ومن يداهنهم ما يعينهم ليوم تتبدل فيه الأحوال؟ أم يعيد الإصرار على اجترار مواقف صماء، بلهاء، خرقاء، تصر على الخطأ وتصبح بتهليلها له جزءاً أصيلاً من الجريمة؟ جريمة جنين وكفر قاسم، وخان يونس، وقبيا، وصبرا وشاتيلا والقائمة تطول. فهل تفعلها يا سوناك؟ لننتظر ونرى!