- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
صبحي حديدي يكتب: الجولان وآل الأسد: موئل المقاومة ومآل الاستبداد
صبحي حديدي يكتب: الجولان وآل الأسد: موئل المقاومة ومآل الاستبداد
- 21 أبريل 2023, 1:54:13 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
انقضى عقد من الزمان منذ أن اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 66/ 281 الذي حدّد تاريخ 20 آذار (مارس) يوماً عالمياً للسعادة؛ وبالتالي مضت 10 سنوات على صدور أوّل وثيقة بهذا الصدد حملت اسم «تقرير سعادة العالم» عكف على كتابته خبراء عالميون تحت إشراف «شبكة حلول التنمية المستدامة» التي كان بان كي مون الأمين العام الثامن للأمم المتحدة قد أنشأها. ليس هنا المقام المناسب لاستعراض مقدار كافٍ من ركائز التقرير العملية والنظرية، ومنهجيات كتّابه في تعريف معنى السعادة بادئ ذي بدء؛ ناهيك عن المعايير التي تتيح لهم تصنيف هذا البلد أو ذاك في مقام أعلى أو أدنى من مستويات جداولهم المتعددة والمعقدة كما يتوجب القول.
وقد يكفي هنا التذكير بأنّ كتّاب التقرير ينطلقون أوّلاً من مبدأ عام يحظى بإجماع واسع، مفاده أنّ نجاح أيّ من بلدان العالم يتوجب أن يُقاس بمقدار سعادة أبنائه؛ وأنّ طرازاً من «السعادة الوطنية» بات هدفاً أعلى مُلزِماً للحكومات المختلفة، شريطة التوافق على سؤال ابتدائي بصدد طرائق قياس تلك السعادة، وسؤال ثانٍ رديف عن مصداقية المؤسسات التي تتولى إدارة تلك الطرائق. وإذا كانت دولة مثل فنلندا تواصل تصدّر جدول من 137 دولة، قبل الدانمرك (2) وآيسلندا (3) فثمة ما يستوجب أسئلة جدية حول أساب وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي في المرتبة الرابعة (قافزة إليها من المرتبة 9 العام الماضي فقط)؛ ناهيك عن أسئلة لا تقلّ جدية حول استبعاد دول مثل سوريا والكويت وعُمان واليمن وفلسطين من اللوائح. ولعلّ من المفيد الإشارة إلى أنّ أفغانستان تحتل المرتبة الأدنى في جدول السعادة، يسبقها لبنان مباشرة؛ والإمارات تتصدر سعادة الشرق الأوسط بالمرتبة 26، قبل السعودية (30) والبحرين (42)؛ مقابل الجزائر 81، والعراق 89، والمغرب 100…
وللمرء أن يدع هؤلاء الخبراء في سعادتهم يعمهون، إذْ من الجلي أنّ الفوارق بين اليوتوبيا (المدينة الطيبة) والديستوبيا (المدينة الفاسدة) أعمق تجذّراً وأكثر اتضاحاً وأشدّ مأساوية من أن تُقيسها معايير مثالية أو تحصرها تقديرات افتراضية أو ترسم حدودها جداول إحصائية. غير أنّ «تقرير سعادة العالم» ينفع، كثيراً ربما، في عقد مقارنات صارخة أو حتى فاضحة تماماً بين ما يُرى تحت مجهر العالم الرغيد المتخم المعافى، وبين العالم البائس الجائع العليل. وإذا جاز لأبناء فنلندا والدانمرك وآيسلندا وهولندا والسويد والنروج وسويسرا ولوكسمبورغ ونيوزيلندا والنمسا (حيث المراتب العشر الأولى) أن يبتهجوا ويتهللوا لخلاصات تقرير العام 2023؛ فليس لأبناء أفغانستان ولبنان وسيراليون وزمبابوي والكونغو وبوتسوانا ومالاوي والكاميرون وتنزانيا وزامبيا (حيث المراتب العشر الدنيا) أن تدفعهم الخلاصات ذاتها إلى ابتئاس وقنوط.
التقارير تُكتب، والفرضيات تُعتمد، والمنظمات تحذّر؛ ولا حوار بين حافة الهوّة وقعرها، سوى ذاك الأقرب إلى جعجعة بلا طحن
ذلك لأنّ المعايير كانت على الدوام، وهكذا تظلّ، كامنة في مواقع أخرى وجداول حساب ذات عواقب أبعد جدية وجسامة، بحيث أنّ الحديث عن السعادة ذاتها قد يكون أمراً منقطع الصلة عن، أو حتى متنافياً مع، واقع الحال الفعلي؛ اختصاره الأكثر افصاحاً يتجلى في الفوارق بين التخمة والمسغبة، وبين اليوتوبيا والديستوبيا. ومن المنظمة الدولية ذاتها، وفي تزامن ذي دلالة مع إصدار تقرير السعادة العالمية، أصدرت أربع وكالات أممية نداء عاجلاً لاتخاذ إجراءات تكفل تحقيق التوازن وتحسين صحة الناس والحيوانات والبيئة، كجزء من نهج جديد أطلقوا عليه تسمية «الصحة الواحدة». وبعيداً عن رغد العيش على الطريقة الفنلندية، أو بؤسه على النموذج الأفغاني، كان مدير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومديرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومدير منظمة الصحة العالمية، ومديرة المنظمة العالمية لصحة الحيوان، قد تعاقبوا على الإسهاب في شرح حالات الطوارئ العالمية المتعددة، والتهديدات المستمرة بانتشار الأمراض بين الحيوانات والبشر، وفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ.
وكان في وسع شو دونيو مدير «الفاو» قبل زملائه ربما، أن يستأنس بتقارير منظمته حول أحوال أغذية البشر؛ التي من المفترض ألا تترعرع سعادة من أيّ نوع في ظلّ تدهورها أو انحطاطها، أو انعدامها بصورة شبه كلية في بعض المناطق والبلدان. فقبل عقود، وليس قبل سنوات، كان جاك ضيوف زميله الأسبق في إدارة المنظمة قد أطلع العالم على خلاصة مفادها أنّ مخزون الأغذية على نطاق العالم آخذ في التناقص «على نحو غير مسبوق» من جانب أوّل؛ وأنّ أسعار الأغذية «تتضخّم إلى مستويات تاريخية» من جانب ثان: أكثر من 40٪، قياساً إلى 9٪ السنة السابقة لها (وكان ذلك الرقم ذاته عالياً في الأساس، فكيف إذا ازداد أكثر من أربعة اضعاف!)؛ ونفقات استيراد الأغذية، في البلدان الأكثر احتياجاً على نحو خاصّ، ارتفعت بنسبة 25٪؛ وانخفض المخزون العالمي من القمح بنسبة 11٪ هذه السنة، وهي الأشدّ انخفاضاً منذ عام 1980؛ وارتفع سعر الطنّ الواحد من الحبوب بنسبة 52٪ عن السنة السالفة. وكلّ هذا، وسواه، كان في مرحلة لا وجود خلالها لاجتياح روسي في أوكرانيا يقفز بأسعار الحبوب إلى مستويات قياسية.
ولكن… هل نواقيس الخطر تلك كانت جديدة حقاً، ولم تُقرع نواقيس مثلها في السنوات، بل في العقود، الماضية؟ كلا، بالطبع، ففي عام 1996، صبيحة افتتاح القمّة العالمية للأغذية في العاصمة الإيطالية روما، كانت الإحصائية التي تخيّم على أجواء المؤتمر هي التالية: كامل ميزانية منظمة «الفاو» السنوية هي أقلّ ممّا تنفقه تسعة بلدان متقدّمة على غذاء القطط والكلاب (ليس طيلة سنة كاملة، بل لمدّة ستة أيام فقط!)؛ تلك كانت المعلومة الوحيدة الجديرة بلقب الحقيقة، في غمرة كلّ الضجيج والعجيج الذي اكتنف قمّة روما، وكلّ العويل التراجيدي على الجياع، والذي بطبيعة الحال لم يكن يسمن ولا يغني من جوع.
وفي مثال آخر، كانت قمة الأرض التي شهدتها جوهانسبورغ سنة 2002 بمثابة خطوة إلى الوراء بالقياس إلى قمة الأرض الأولى التي انعقدت في ريو قبلها بعشر سنوات؛ إذْ أخذت الأرقام الباردة تشير إلى أنّ: 1) الدين الخارجي للدول النامية ارتفع من 90 مليار دولار في سنة 1970، إلى 2000 مليار دولار في نهاية القرن؛ و2) الأسعار الفعلية للمواد الأساسية التي تنتجها الدول النامية، بما في ذلك النفط والغذاء والمواد الأولية، انخفضت بنسبة 50٪ في العقدين الأخيرين؛ و3) مليار شخص يعيشون على أقلّ من دولار واحد يومياً، ويعيش ثلاثة مليارات على دولارين يومياً؛ و4) 15٪ من سكان العالم، وفي بلدان الغرب تحديداً، يسيطرون على أربعة أخماس ثروات الأرض؛ و5) الناتج الوطني الإجمالي لـ 48 أمّة فقيرة، أي ربع دول العالم، يقلّ عن الناتج الوطني في ثلاث دول غنّية فقط؛ و6) قرابة مليون آدمي دخلوا القرن الجديد غير قادرين على القراءة أو الكتابة، أو حتى التوقيع…
ثمة، إذن، تنازع بنيوي شامل، هو أيضاً هوّة شاسعة واسعة، بين معايير السعادة وإحصائيات البؤس، ليس له من حلّ منظور أو ملموس ما دامت أعراف النظام الرأسمالي العالمي تقتفي الدروب القديمة ذاتها، دون أن تنطوي الأحقاب على متغيّرات ذات جدوى. التقارير تُكتب، والفرضيات تُعتمد، والمنظمات تحذّر؛ ولا حوار بين حافة الهوّة وقعرها، سوى ذاك الأقرب إلى جعجعة بلا طحن، في وديان يحدث غالباً أنها غير ذات زرع.