- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
صادق الطائي يكتب: القائد والوزير… زوبعة الصدر وعلاوي
صادق الطائي يكتب: القائد والوزير… زوبعة الصدر وعلاوي
- 21 فبراير 2022, 4:47:21 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
زوبعة جديدة في فنجان الوضع العراقي المضحك المبكي، أثارها السيد مقتدى الصدر زعيم الأغلبية النيابية في البرلمان الجديد، على وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال الدكتور علي علاوي، تداعيات الزوبعة لن تستمر كثيرا، لكنها تقدم لنا صورة واضحة لحال العراق المتردي.
إذ كتب السيد مقتدى الصدر يوم 16 شباط/فبراير الجاري، تغريدة على حسابه في منصة تويتر، قدم فيها رؤيته الاقتصادية لمشاكل العراق المالية، التي يمر بها البلد منذ أكثر من سنة، إذ قال: “بعد ارتفاع أسعار صرف الدولار، وما فيه من فوائد ومضار، فإنه ينبغي أن لا يكون ارتفاعه على الإطلاق، ارتفاعا لأسعار السوق، ولاسيما ما يخص السلع المهمة التي يحتاج لها الشعب في حياته اليومية”. لينتقل بعد التشخيص لوضع الحلول فيقول: “ينبغي من خلال الأمن الاقتصادي معاقبة كل من يسعى لذلك من التجار، وما شاكل ذلك ووفق القانون، لاسيما ونحن مقبلون على الشهر المبارك (شهر رمضان)، وعلى الحكومة التعامل مع كل المخالفين بحزم مهما كان الفاعل “. كما دعا التجار إلى “مراعاة الشعب لا مراعاة أموالهم، وأن لا يتعاملوا بجشع، فهم مسؤولون أمام الله وأمام الشعب وأمامنا أجمع”. وأضاف في تغريدته “المهم كل المهم أن يعيش الشعب بكرامة وعزة ورفاهية، ويجب مراعاة الطبقة الفقيرة منه، التي بالكاد تحصل على قوتها اليومي من خلال البطاقة التموينية، ومن خلال عدم ارتفاع سعر السلع المهمة الأساسية، ولاسيما الخضار والحبوب وأسعار البناء وما شاكل ذلك”.
لم يكتف الصدر بهذه “الطروحات” الاقتصادية، بل تحول إلى التوجيه باتخاذ إجراءات حكومية، إذ غرد في اليوم التالي 17 فبراير، وقدم ستة مقترحات بشأن سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، من بينها استدعاء وزير المالية علي علاوي، ومحافظ البنك المركزي مصطفى غالب بشكل فوري للاستجواب في البرلمان العراقي. كما تضمنت مقترحاته “إيقاف تهريب العملة بقوة، والنظر في أمر بعض البنوك مثل (الشرق الأوسط، القابض، والأنصاري) العائدة لبعض الأشخاص المتحكمين بالعملة، وغيرها من المصارف الأهلية الأخرى، والتعامل بحزم مع البنوك العائدة لبعض الأحزاب المتحكمة في البلاد والعباد”. وحثّ الصدر على “تنظيم سوق العملة العراقية بصورة مركزية، وبأسلوب صحيح، عبر سن بعض القوانين التي تزيد من قيمة سعر صرف الدينار”.
برلمان صاخب يلعب به زعيم سياسي يتعامل على أنه زعيم الأغلبية النيابية، يثير فقاعات لا تغني ولا تسمن، ووزير مالية يتعامل بعنجهية متفاخرا بعائلته
الانطباع الأول لهذه الزوبعة هو إنها خطوات شعبوية، ابتدأ التيار الصدري يسلكها لكسب ود الشارع، حتى إن كان عبر خطوات عشوائية لا تقدم حلولا فعلية، إنما غايتها إثارة فقاعات سرعان ما ستختفي عندما تطفو على السطح أزمات جديدة. وهنا لا بد من القول إننا نتذكر إن الصدريين كانوا من أشد الداعمين لترشيح علي علاوي لحقيبة المالية في وزارة مصطفى الكاظمي، كما أن كتلة سائرون الصدرية في البرلمان السابق، كانت ضمن الكتل التي صوتت لصالح رفع سعر صرف الدولار ليصل إلى 145 ألف دينار عراقي مقابل الدولار، وقد تسربت حينذاك تصريحات مفادها، إن رفع سعر صرف الدولار جاء بموافقة السيد مقتدى الصدر، لدعم الاقتصاد العراقي ولمعالجة الأزمة المالية، بناء على مشورة من خبراء اقتصاديين، وقد أثيرت أزمة حول تعديل سعر الصرف واللعب عليه كورقة سياسية، وليست حاجة اقتصادية فعلية، وتبادلت الكتل السياسية الاتهامات بالوقوف وراء ما حصل. سارع نائب رئيس البرلمان، القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، إلى الإعلان بعد ساعات من تغريدة الصدر عن استدعاء وزير المالية علي علاوي، ومحافظ البنك المركزي مصطفى غالب، إلى مبنى المجلس “فورا”، وذكرت هيئة رئاسة البرلمان في بيان مقتضب أن استدعاء المسؤولين الماليين، جاء “استجابة” لتوجيهات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. يبدو إن طريقة الاستدعاء، وصيغة طلب الاستجواب أثارت امتعاض الوزير واستهجانه لصيغة التعامل معه، فرد ببيان ناري جاء فيه: “أجد أن العملية برمتها غير مقبولة ويجب عدم السكوت عنها، سواء لكرامة الحكومة، أو كرامتي كوزير، أو كرامتي الشخصية وكرامة عائلتي”، وهاجم علاوي الصدريين بقوله: “ما لدينا الآن هو تسييس سعر الصرف، وجعله المسؤول عن ارتفاع الأسعار. هذه كذبة متعمدة ويجب على الشعب أن يكون على علم بها. ارتفعت الأسعار الدولية لجميع السلع والشحن بشكل كبير في العام الماضي. الحنطة وزيت الطهي والسكر والأسمدة تضاعفت عدة مرات. هذا يتعلق بانهيار سلسلة التوريد العالمية، وليس أي شيء يتعلق بتعديل سعر الصرف العام الماضي. بدلاً من التركيز على السبب الحقيقي لارتفاع الأسعار، تتم تغذية الناس بالهراء بشأن سعر الصرف، باعتباره مصدر زيادة تكلفة المعيشة التي شهدناها خلال السنة الماضية”. أشار بعدها وزير المالية إلى الإعلان عن قرار مفاده: “لذلك فإنني أرفض استدعاءات نائب رئيس مجلس النواب رفضا قاطعا، لأنه من الواضح أنها خارج صلاحياته. كما أنني أرفض إدارة الحكومة تماما، من خلال التغريدات من القادة السياسيين، بغض النظر عن شعبيتهم ومكانتهم”، وطالب قائلا “سأكتب اليوم إلى رئيس مجلس النواب وأطلب منه إجراء تصويت الثقة هذا في وقت مبكر. سأطلب منه أيضا أن يمنحني ساعة واحدة لشرح سياساتي أمام المجلس قبل إجراء التصويت”، أي أنه قلب الطاولة على مهاجميه وطالب بتوضيح أبعاد الأزمة الاقتصادية أمام البرلمان، ثم يصار إلى طرح عملية التصويت على الثقة به كوزير للمالية. كما طعن علاوي مهاجمه مقتدى الصدر الذي أثار الأزمة الحالية بقوله: “عندما يعاملني زعيم حزب سياسي كبير باستخفاف كواحد من أتباعه، يجب أن أرفض ذلك تماما. أعرف أن الصدريين صوتوا لي عندما تم ترشيحي لأول مرة لمنصب وزير المالية، وقد وقفوا بجانبي خلال العديد من الأزمات، بما في ذلك الدفاع عن تعديل سعر الصرف. أقر بذلك بحرية، لكن هذا لا يمنحهم الحق في مخاطبتي بصفتي خادما بناءً على طلبهم ودعوتهم”. ثم اختتم علي علاوي بيانه بنوع من التذمر المغلف بنوع من التعالي بقوله: “عائلتي أعطت الكثير لهذا البلد. نحن مواطنون في بغداد منذ مئات السنين. كعائلة علاوي، قدمنا وزراء للحكومات العراقية منذ الاستقلال أكثر من أي عائلة أخرى. ستة وزراء وواحد رئيس وزراء. وإذا قمنا بتضمين العائلات القريبة منا، كالجلبي، فإن العدد سيرتفع بأربعة وزراء آخرين ونائب واحد لرئيس الوزراء. وقع عمي الكبير حسين علاوي على عريضة لجلب فيصل الأول إلى العراق”.
المفارقة المضحكة المبكية في هذه الزوبعة تتجلى في تدقيق النظر في الأزمة المفتعلة، إنها ببساطة؛ وزير مالية في حكومة منتهية الولاية، وقد تحولت إلى حكومة تصريف أعمال، يطلب الحضور أمام البرلمان ليشرح الأزمة المالية، ثم يطلب التصويت على الثقة. ومن جهة أخرى لدينا برلمان جديد تتقاذفه صراعات الكتل والاتفاقات، التي تعقد في الغرف المغلقة، من دون أن يتوصل القادة السياسيين إلى حل يساعد في تشكيل الحكومة الجديدة، بل حتى من دون القدرة على انتخاب رئيس جمهورية جديد. والنتيجة إننا أمام برلمان صاخب يلعب به زعيم سياسي يمتلك 73 مقعدا من أصل 329 ويتعامل على أنه زعيم الأغلبية النيابية، فيعرقل جلسات ويقدم استجوابات ويثير فقاعات لا تغني ولا تسمن. ووزير مالية لم يفعل شيئا طوال سنتين في الوزارة، ويتعامل بعنجهية متفاخرا بعائلته التي قدمت وزراء في تاريخ العراق المعاصر.
ويبقى سؤال رجل الشارع: اذا جلب الصدريون علي علاوي للبرلمان واستجوبوه ثم أقالوه كأقصى ما يمكنهم فعله، ماذا سيتحقق عندها؟ الوزير في حكومة تصريف أعمال، وسينتهي عمله في القريب العاجل، أليس الأجدى بنواب الكتلة الصدرية التركيز على حلحلة الوضع السياسي الذي يعاني انسدادا، للوصول إلى تشكيل الحكومة؟ عندها يمكن أن يطالبوا وزارة المالية الجديد بتنفيذ حلول زعيمهم العبقرية للأزمة الاقتصادية. لكنها مجرد فقاعات شعبوية ستنتهي سريعا.
*كاتب عراقي