- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
شجرة الأنبياء الحلقة الثامنة
النبى السابع
إبراهيم عليه السلام
هو خليل الله، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه لقد منَّ الله -تعالى- على إبراهيم -عليه السلام- أن آتاه رشده من صغره، فلما كبر أنكر على قومه أن يعبدوا أصنامًا لا تضرهم ولا تنفعهم، فبدأ يدعوهم إلى الله ونبذ الأوثان التي هي من حجارة صنعوها بأيديهم، وذلك بالكلمة الطيبة، وابتدأ ذلك بسؤالهم باستنكار عن الأصنام، يقول تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}وهو بذلك يحاول أن يلفت نظرهم إلى ما يعبدون، ولكنهم أجابوه بكل تبجح إنها أصنامًا يعبدونها، فلما انتقل إلى سؤاله الثاني معهم عن ضررها ونفعها لهم قالوا: وجدنا آباءنا لها عابدين. رأى إبراهيم استكبارهم قال: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} يذكر الطبري أنَّ إبراهيم -عليه السلام- أنه حلف يمينه في خفاء من قومه، ولم يسمعه سوى من أفشى عليه إلى قومه حين رأوا فعلته، فأقدم إبراهيم -عليه السلام- إلى تلك الأصنام وجعلها حطامًا بأكملها إلا كبير الأصنام علق الفأس في رقبته، ومراد إبراهيم من ذلك هو أن يثبت لقومهم سخف ما يتبعونه وضعفه.
فلما أتى القوم ورأوا ما بأصنامهم ارتعدوا وسألوا من فعل هذا، فقال لهم واشٍ لقد سمعت إبراهيم يذكرهم، فأتوا بإبراهيم وسألوه عمَّن فعل ذلك فقال: إنه كبير الأصنام وها هو الفأس معلق في رقبته، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين
. قصة إلقاء سيدنا إبراهيم في النار
كيف نجّى رب النار نبيه منها؟
لمَّا بهت القوم ولم يحيروا جوابًا بعد أن أثبت إبراهيم ضَعف ما يعبدونه تخبطوا؛ إذ لا يكون أمام المتكبر -إن ثبت بطلان معتقده- إلّا أن يتجبر في الأرض ويعيث فيها فسادًا، فأجمع القوم رأيهم على أن يحرقوا إبراهيم في النار، وقد ذكر عن السدي أنهم حبسوا إبراهيم -عليه السلام- في بيت وجمعوا له حطبًا عظيمًا، حتى إنّهم كانوا يتقربون إلى أصنامهم بجمع الحطب لحرق إبراهيم، فتقول المرأة المريضة إذا عافاني ربي لأجمعنَّ الحطب لحرقه
فعمدوا إلى إبراهيم -عليه السلام- ورفعوه إلى رأس البنيان فقالت السماء والأرض والملائكة والجبال: يا ربنا إن إبراهيم يحرق فيك، فرد الله -تعالى- أن هو أعلم به منهم، وأمرهم أنّه إن استعان بهم فعليهم أن يعينوه، وقيل إنّ إبراهيم رفع رأسه إلى السماء قبل أن يقذفوه وقال: "اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل"، فلما أن قذفوا فيها إبراهيم نادى جبريل -عليه السلام- بأمرٍ من ربّه أن يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم
وروي أنَّ إبراهيم -عليه السلام- قد مكث في النار أربعين يومًا وقيل بل خمسين يومًا، ويروى عن إبراهيم -عليه السلام- أنّه قال إنّه ما مرّت عليه أيام أجمل من الأيام التي عاشها وهو في النار، حتى إنّه تمنى لو كانت كل أيامه كتلك، فالله أعلم.
قصة إبراهيم والنمرود
كيف أثبت إبراهيم عجز عدو الله؟
اتبع إبراهيم في مناظرته مع النمرود الحجة والبيان المعتمدان على العقل، وكان النمرود جبارًا في الأرض في ذلك الزمان، فناظره إبراهيم -عليه السلام- بما اقتضى الحال حينها، فقال إبراهيم -عليه السلام- عندما سأله النمرود من ربّك: {رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}،[٧] وهذه كانت الحجة الأولى التي أقامها إبراهيم -عليه السلام- على النمرود، فقال النمرود: وأنا أحيي وأميت فأتى بسجينين من عنده فأطلق سراح أحدهما وأبقى على الآخر وقتله، فعلم إبراهيم أنَّ القلب الذي اعتاد الضلال لن يقبل النور، ولن يدخل معه بجدال عقيم لا نهاية له.
فطرح إبراهيم حجته الثانية وقال: {فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين وهذا تحدٍّ صريح من إبراهيم للنمرود، فبهت النمرود من قول إبراهيم عليه السلام، ولكنَّه لم يؤمن فهو اعتاد على أن يتجبّر في الأرض من دون أن يردعه أحد.
قصة فداء سيدنا إبراهيم ابنه بالكبش
كيف يجزي الله من أسلم لأمره؟
لقد أنعم الله على إبراهيم -عليه السلام- بولَدٍ بعد طول زمن، ورزقه الله إياه بعد أن شاخ ورق عظمه، وشبَّ إسماعيل -عليه السلام- وصار الولد البار بأبيه الذي يعينه على أعباء الحياة، وإبراهيم -عليه السلام- لا يحب أحدًا في الدنيا مثل إسماعيل، وفي ليلة رأى إبراهيم في منامه أنه يحمل سكينًا ويذبح ابنه إسماعيل، ورؤيا الأنبياء هي حقٌّ لا بدَّ من تنفيذه، استيقظ إبراهيم من نومه فزِعًا وقال إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وكان ذلك من أعظم الامتحانات التي مرَّ بها إبراهيم عليه السلام.
قال إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}، ولكنَّ إسماعيل البار بأبيه النبي ابن النبي الموحد لله قال يا أبت افعل ما تؤمر به، وسأصبر على ذلك إن شاء الله ..
وسلم إبراهيم وإسماعيل أمرهما إلى الله، وحمله ووضعه على الأرض وجعل وجهه منكبًا على الأرض واستعد للذبح ووضع السكين على رقبته جاء مناد من السماء فقال له: {يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}.
وبذلك فدى الله -تعالى- إسماعيل -عليه السلام- بكبش من الجنة، وروي عن ابن عباس أنَّ الكبش الذي فدى الله به إسماعيل هو أحد القرابين المتقبلة من ابن آدم، والله أعلم.
قصة إبراهيم مع الطيور
هل شك إبراهيم؟
ذكر الضحاك وقتادة وعطاء وغيرهم من أئمّة السلف أنَّ إبراهيم -عليه السلام- رأى في أحد الأيام جيفةً على الشاطئ، فإذا كان مد البحر أكلت منها دوابه، وإذا كان جزر البحر أكلت منها السباع والطيور، فلمَّا رآها إبراهيم قال ربي إني أعلم أنك تجمعها من بطون الحيوانات ولكن كيف تحييها، وسؤال إبراهيم لربه لم يكن من باب التشكيك في قدراته بل لأجل زيادة اليقين.
فأمره الله -تعالى- أن يأخذ أربعة أنواع من الطيور، وذكروا أنها كانت طاوس وديك وحمامة وغراب، ثمّ أمره أن يذبحهم ويقطعهم ويخلط لحمهم بعضه ببعض حتى لا يتفرق اللحم عن بعضه، ثم أمره أن يضع على كل جبل من الجبال الأربعة التي حوله قطعةً من اللحم، ثم أمره أن يناديهم بأسمائهم فعندها ستسعى إليه الطيور طائرة أو ماشية، وكل حسب حالته، وبذلك يكون كلّ ما قد حدث هو بأمر الله -تعالى- وقدرته.
قصة ضيف سيدنا إبراهيم
من الضيوف الذين طرقوا بيت إبراهيم؟
يذكر في قصة ضيف إبراهيم -عليه السلام- في القرآن الكريم أنّهم ملائكة جاؤوا إلى إبراهيم على صورة ابن آدم، وقيل إنّهم كانوا 12 ملَكًا، وقيل تسعة والعاشر جبريل عليه السلام، فدخلوا عليه فقالوا سلامًا وقد استغرب منهم إبراهيم -عليه السلام- إذ لم يكن ذلك معهودًا في قومه -أي السلام- أو قيل ربما لأنه رأى منهم شيئًا مختلفًا عن الصور البشرية، وقد أكرمهم إبراهيم -عليه السلام- فعمد إلى عجل عنده فذبحه وشواه وقربه إليهم فلم يأكلوا.
فأحس في نفسه بخوفٍ؛ لأنَّهم لم يأكلوا الطعام، فغلب عليه الظن أنهم جاؤوا لشرٍّ؛ لأنَّ عادة العرب أن يأمنوا الضيف حين يأكل طعامهم، فطمأنوه بأنهم ملائكةٌ مرسلون من ربهم ليذهبوا إلى قوم لوط ليُنزلوا بهم العذاب الأليم، وهنا بشّروه بغلامٍ عليمٍ يبلغُ مبلغ الرجال، وقد قال الجمهور إن ذلك الغلام هو نبي الله إسحاق، وقال آخرون هو إسماعيل -عليه السلام-
هجرة سيدنا إبراهيم
ما الأحداث التي جرت في هجرات إبراهيم -عليه السلام- الثلاث؟
بدأت هجرة إبراهيم -عليه السلام- من أرض العراق عندما نجَّاه الله من النمرود وزبانيته، واتجه في هجرته إلى أرض الشام التي بارك الله فيها، ولكن مع ما حلَّ في البلاد من قحط اتجه إبراهيم -عليه السلام- إلى أرض مصر، وكانت أرض ملك متجبر، فلمَّا دخل إبراهيم بصحبة زوجه سارة وكانت شديدة الجمال، وشى به أحد بطان الملك أن دخل إبراهيم ومعه امرأة جميلة، وأغراه في حسنها وجمالها ورغّبه في امتلاكها
فلمَّا أرسل إليه الملك وسأله عن المرأة التي معه قا لها بأنه أخته، وذلك لأنَّ المؤمين إخوة، وهي أخته في الإيمان، فلمَّا أراد الملك أن يأخذها توضأت سارة ثم صلت ودعت ربها ألَّا يسلط عليها ذلك الكافر فاستجاب لها ربها حتى أتت ذلك الجبار نوبة من الألم يكاد يصرع فيها، وحدث ذلك ثانية وثالثة فقال الجبار: ارجعوها إلى إبراهيم
وأعطوها هاجر فكان ذلك
فوهبت سارة هاجر إلى إبراهيم فحملت هاجر من إبراهيم وولدت له إسماعيل ففرح إبراهيم فرحًا عظيمًا، فرحت سارة بالطفل مع إبراهيم ولكن بعد ذلك أصابتها غيرة شديدة، فطلبت من إبراهيم أن يبعدهم إلى أقصى الأماكن فلا تسمع صوتهم، واستجاب لها نبي الله إبراهيم عليه السلام، وكأن الله -تعالى- قد أوحى له بذلك، فسار على دابته مع زوجه وابنه وشاء الله -تعالى- أن ينزلهما في ذلك المكان القفر في مكة في الصحراء
قصة بناء الكعبة
من أول شخص أذن لحج بيت الله الحرام؟
لما ترك إبراهيم -عليه السلام- أمّ ولده هاجر وإسماعيل -عليهما السلام- في ذلك الموضع شاء الله -تعالى- أن ينبع ماء زمزم، فتجمع هنالك بعض من الناس، وبدأ إبراهيم بزيارة إسماعيل عليهما السلام، وفي الزيارة الثالثة قال إبراهيم لإسماعيل -عليهما السلام- إنَّ الله -تعالى- قد أمره أن يبني بيتًا، فأجابه إسماعيل -عليه السلام- أن يطيع ربه، فأخبر إبراهيم ابنه -عليهما السلام- أنّ الله -تعالى- قد أمره بأن يعينه ابنه، يعني إسماعيل، فقال إسماعيل إذًا أفعل، فجعل إبراهيم يبني البيت وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يرددان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فلمَّا فرغا أمر الله -تعالى- نبيّه إبراهيم -عليه السلام- أن يؤذن في الحج.
و العبر المستفادة
إنّ توكل إبراهيم -عليه السلام- على ربه أنجاه من نار الدنيا وحماه من ضررها بل وكانت بردًا وسلامًا عليه إنَّ الخضوع والاستسلام لله -تعالى- من شأنه أن ينجي من المخاطر حتى ولو كان العقل البشري يرى أنَّ الذي اختاره الله فيه خطر وشر، ولكنَّ المتبصر يجد أنَّ الخير فيما يختاره الله له انَّ شأن الطاغية والمتكبر في الأرض أن يجادل دون وجه حق ودون إعمال عقله، وللخروج من تلك المتاهة يجب إعطاءه أدلة أكثر قوة تبهته حتى يكف لسانه عن الجدال مثلما حدث مع النمرود ..
الى اللقاء مع سيدنا لوط